الخلافات تحول دون حوار سياسي ليبي في تونس
طرابلس - نفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشكل رسمي ما تداولته بعض التقارير الإعلامية مؤخراً بشأن تنظيم أو استضافة حوار سياسي ليبي في تونس يومي 28 و29 مايو/ايار الجاري مؤكدة في بيان مقتضب، عدم صلتها أو رعايتها لأي لقاءات أو مبادرات مقررة في هذا التوقيت، فيما يشير هذا الموقف الى أن أي عملية سياسية يجب أن تكون شاملة وتستند إلى توافق وطني حقيقي وتتم ضمن مسار أممي واضح.
ويأتي هذا النفي وسط تصاعد في التوترات السياسية والأمنية، عقب الاشتباكات العنيفة التي اندلعت مؤخراً في منطقتي صلاح الدين وأبو سليم بالعاصمة طرابلس، على خلفية مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، قائد "جهاز دعم الاستقرار"، ما أعاد إلى الواجهة شبح الاقتتال الداخلي الذي عاشته البلاد في سنوات سابقة.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن مبادرة سياسية تقودها شخصيات ليبية بالتنسيق مع جهات دولية، لعقد جلسة تحضيرية لحوار "ليبي–ليبي" في تونس، برعاية بعثة الأمم المتحدة. وقد ذكر عبدالباسط القاضي الغرياني، رئيس الهيئة الدولية لمكافحة الفساد بجنيف ورئيس اللجنة الاستشارية لفريق الحوار السياسي الليبي وفق ما نقله عنه موقع " اخبار شمال افريقيا"، أن الاجتماع المزمع سيضم شخصيات ليبية من مختلف الأطياف، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمات دبلوماسية عاملة في تونس.
وأوضح الغرياني أن المبادرة تستند إلى مخرجات مؤتمر برلين، وتستهدف إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، من خلال تشكيل مجلس رئاسي جديد ونائبين، إضافة إلى حكومة توافقية مؤقتة، تُشرف عليها لجنة الحوار السياسي الجديدة إلى حين صياغة الدستور وقانون الانتخابات. كما أشار إلى عقد لقاءات سابقة مع القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، باعتباره رئيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، واصفاً إياها بـ"الإيجابية والمثمرة".
لكن البعثة الأممية سارعت إلى نفي علاقتها بهذه المبادرة، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها تعكس وجود تباين واضح في الرؤى بين الفاعلين الدوليين والليبيين حول المسار السياسي المقبل، فضلاً عن اتساع هوة الخلافات بين الأطراف المحلية.
ويُشير هذا النفي الأممي إلى التوتر الحاد في المشهد السياسي، خاصة في ظل الانقسام الحاد بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والمتمركزة في طرابلس، وبين الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد والمدعومة من شرق البلاد. ويُعزز هذا الوضع من تعقيد المشهد، ويُفشل بشكل متكرر محاولات التوافق على قاعدة دستورية لإجراء انتخابات طال انتظارها.
الغرياني لم يتوانَ عن مهاجمة من وصفهم بـ"المستفيدين من استمرار الأزمة"، متهماً صراحة كلاً من رئيس البرلمان عقيلة صالح، والدبيبة، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، بالعمل على عرقلة جهود الحوار والوصول إلى تسوية شاملة، مضيفاً أن "الأمم المتحدة ترعى هذه العملية بدعم دولي، وسيرضخ الجميع في النهاية".
لكن هذا التصريح يتناقض مع موقف البعثة الأممية، التي أكدت في أكثر من مناسبة أنها لا تدعم أي مبادرات خارج إطار المسار التفاوضي الذي تقوده، مشددة على أهمية التوافق المحلي الكامل وتجنب فرض حلول جاهزة.
وتعكس التحركات السياسية الأخيرة مدى هشاشة الوضع في ليبيا، إذ تتزامن مع احتجاجات شعبية شهدتها العاصمة طرابلس للمطالبة بإقالة الحكومة الحالية وإنهاء حالة الانقسام. كما أعربت وزارة الخارجية التونسية مؤخراً عن "قلقها البالغ" من تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، مؤكدة استعداد تونس لاستضافة أي حوار ليبي–ليبي تحت إشراف أممي.
ورغم الجهود الأممية والدولية المتكررة، تعيش ليبيا حالة من الجمود السياسي والانقسام المؤسسي منذ عام 2022، حيث فشلت كافة المبادرات في التوصل إلى توافق حول تنظيم انتخابات شاملة تنهي المرحلة الانتقالية وتُخرج البلاد من دوامة الانقسام والصراع.
ويبدو أن غياب رؤية موحدة حول المسار السياسي القادم، إلى جانب عدم قدرة البعثة الأممية على فرض خارطة طريق تحظى بإجماع محلي، قد يُبقي ليبيا رهينة حالة الانسداد الراهنة، مع احتمالات مفتوحة لتجدد التصعيد العسكري في أي لحظة.