'الخيال المناخي' نمط أدبي جديد يتقدم بسرعة البرق

المكتبات والشاشات تشهد ازدهار نوع جديد من الأعمال الروائية المستلهمة من المناخ والخيال العلمي والموجهة للشباب لكنها لا تزال بحاجة للتطور كي تصبح مستقلة بذاتها.
الخيال المناخي يتفرع من الخيال العلمي
'قصة النحل' الكتاب الأكثر مبيعا في ألمانيا سنة 2017

باريس – من زوال النحل إلى المعركة على "الذهب الأزرق" والنقص في المحروقات… تشهد المكتبات والشاشات ازدهار نوع جديد من الأعمال الروائية يسمى "الخيال المناخي" المستلهم من نمط الخيال العلمي.
وفي السينما، يجسد فيلما "ذي تشلدرن أوف من" لألفونسو كوارون (2006) عن إصابة البشرية بالعقم، و"ذي داي أفتر تومورو" الذي يتوقع فيه المخرج رولاند إيمريك (2004) عصرا جليديا جديدا يضرب الأرض، بصورة واضحة المستقبل القريب الذي يشكل إطارا لأعمال الخيال المناخي هذه.
غير أن هذا التيار لم يحمل اسمه هذا إلا مع بزوغ العقد الحالي على يد دان بلوم. ويؤكد هذا الصحافي الأميركي أن هذا النمط الجديد يتقدم "بسرعة البرق" منذ "حوالى خمس سنوات"، خصوصا "ردا على دونالد ترامب" والمشككين بخطر التغير المناخي.

التغير المناخي بحاجة لقصص كما أن القراء يحتاجون إلى كتب تصور لهم هذه القضية 

ويوضح أندرو ميلنر أستاذ الأدب المقارن في جامعة موناش في ملبورن أن "الخيال المناخي نوع متفرع من الخيال العلمي"، مشيرا إلى أن "كتابه وقراءه ومخرجيه يتماهون مع تقليد الخيال العلمي".
ويرى ميلنر أن هذا النمط الجديد لا يزال بحاجة للتطور كي يصبح "مستقلا"، إلا أنه يشير إلى أن التطور المسجل على هذا الصعيد "سريع جدا"
ويوضح ج. ر. بورغمان وهو أيضا أستاذ في جامعة موناش وأحد مؤلفي كتاب "ساينس فيكشن أند كلايمت تشاينج: ايه سوسيولوجيكل أبروتش" مع أندرو ميلنر، أن "هذا التطور يستجيب لمخاوف من العالم الحقيقي. لقد كان الأدب بطيئا في التعامل مع التغير المناخي غير أنه يعوض هذا التأخير".
هذا المنحى الجديد الآتي من البلدان الناطقة بالإنكليزية بدأ يشق طريقه في غير مكان حول العالم. ففي فرنسا، يجسد مسلسلان جديدان بعنوان "لا ديرنيار فاغ" (الموجة الأخيرة) و"ليفوندرومان" (الانهيار) الشعبية المتنامية لهذا المنحى.
لكن هذا الأمر لا يعدو كونه غيض من فيض نمط جديد يتجلى خصوصا في المجال الأدبي.
والدليل على ذلك كتاب "قصة النحل" لمايا لونده والذي كان الأكثر مبيعا في ألمانيا سنة 2017 وتُرجم إلى ثلاثين لغة. وتدور القصة في عالم يجب تلقيح زهوره يدويا.
وقالت مؤلفة هذه الرواية العام الماضي "أظن أننا سنرى مزيدا من هذه الكتب في السنوات المقبلة" لأن "الناس ينشغلون بصورة متزايدة بالتغير المناخي والكتّاب يؤلفون أعمالا تعبّر عن مخاوفهم".
ويبدو فعلا أن هذا التيار يتسارع.
ويصوّر كتاب "الجزيرة" لسيغريدور هاغالين بيورنزدوتير (2018)، إيسلندا منعزلة عن العالم وسكانها يحاولون العيش باكتفاء ذاتي. أما كتاب "في الغابة" لجان هيغلاند والذي حقق نجاحا كبيرا في 2017، فيروي قصة بقاء شابتين في عالم من دون كهرباء ولا وقود. ويستكشف الاميركيان باولو باشيغالوبي وكلير فاي واتكينز موضوع الجفاف والمعركة على "الذهب الأزرق" في "ووتر نايف" (2017) و"رمال أمارغوزا" (2017).
ويسجل هذا النوع الجديد ازدهارا أيضا في الأعمال الأدبية الموجهة للشباب، مع كتب بينها "لورلوج دو لابوكاليبس" (ساعة نهاية العالم) للوريس موراي الصادر في 2018.
ويقول هذا الأخير "من وجهة نظر معينة، لا يمكن الخوض في أي مواضيع أخرى بعد اليوم"، حتى لو أن "الشباب يشعرون أحيانا بأنهم يتلقون مواعظ".
ويقول جان مارك لينيي أحد أشهر كتاب قصص الخيال العلمي في فرنسا "لقد بات صعبا تجاهل هذا الموضوع"، معتبرا أن "التغير المناخي بحاجة لقصص كما أن القراء يحتاجون إلى كتب تصور لهم هذه القضية".
ويضيف "الأرقام والإحصائيات لا تحاكيهم. نمط الخيال المناخي يتيح إدراكا أفضل للوضع".
ورغم أنه لم يحتل موقعا مركزيا إلا في السنوات الأخيرة، لكن تدهور البيئة موضوع استكشفه أدب الخيال العلمي منذ أكثر من نصف قرن، كما مع كتاب "جفاف" من توقيع ج. ج. بالار (1964) و"القطيع الأعمى" لجون برونر (1972). ولا تزال رواية "عناقيد الغضب" (1934) تصنف رائدة في هذا المجال، إذ يروي جون شتاينبك فيها تبعات عواصف الغبار الناجمة عن الاستغلال المفرط للأراضي الزراعية في أوكلاهوما.