الدفاع عن صلاح.. وطريقة عبدالسلام جلود

السحابة أو الأزمة التي مر بها اللاعب الموهوب محمد صلاح مع اتحاد الكرة المصري، كشفت عن دلالات كثيرة، رياضية واجتماعية واقتصادية وسياسية. دفاع كثير من المواطنين عن اللاعب عبر عن الانتصار لقيمة نبيلة والحفاظ على شخص صنع مجدا كرويا نادرا.

بعض من تصدروا مشهد الدفاع عن صلاح، لم يكن دفاعهم حبا في اللاعب فقط، لكن انتقاما من تصرفات الحكومة، في شكل اتحاد الكرة. ربما كان هؤلاء على حق، لأن ما جرى يكشف عن تهاون واستهتار وعدم اعتداد بقوانين الاحتراف.

المشكلة أن المسألة تحولت إلى توبيخ لجميع توجهات الحكومة، وبعضها يستحق النقد، بل سعى هؤلاء إلى الانتقام منها بما يفوق الخطأ الذي ارتكب في حق محمد صلاح. الإسقاطات التي جرت عديدة، بما يتجاوز حدود المعتاد منها. التوظيف السياسي الذي حدث عظيم، وتخطى ما هو معروف لأمور في صميم طقوس السياسة وليس الرياضة.

حديثي هنا بعيد تماما، عمن انهالوا تقريعا وتقريظا في اتحاد الكرة، بحسن نية، نتيجة الجهل وسوء الخيارات، لكنه ينصب على من درجوا على الاستفادة من أي أزمة لكيل الاتهامات للحكومة، بالحق والباطل، للحكومة، انطلاقا من أغراض سياسية.

أحدهم، كتب وبدأ مدافعا عن صلاح. انتقد اتحاد الكرة، ثم عرج على كيل الاتهامات للحكومة برمتها، مع أن الأخيرة هي التي حلت الأزمة أيضا، وانتهى إلى ضرورة الإفراج عن المتهمين والمحكوم عليهم في قضايا جنائية من المحسوبين على جماعة الإخوان أو القريبين منها سياسيا. وذكر قائمة طويلة من الأسماء، في غنى عن إعادة تكرارها، لأنكم على علم بها، وهي تتردد غالبا في كل أزمة يمتطي فيها هذا الشخص جواده السياسي.

ذكرني كلام صاحبنا، بما قاله صديق عربي، على سبيل التندر وعدم التذكر عن تصرف أحد القادة الليبيين (الرائد الراحل عبدالسلام جلود) منذ زمن. تحدث ذات مرة عن طابور السيارات غير المنتظم أمام محطات تعبئة الوقود. ثم انتبه إلى أن الوقود يعني النفط، والأخير يعني الاستعمار. فبدأ الحديث عن طابور الوقود، وانتهى بمهاجمة الاستعمار الذي يريد نهب ثروات الشعوب العربية.

المقارنة تبدو بعيدة بالنسبة للبعض، لكنها معبرة وحافلة بالمعاني السياسية التي تقترب من حالة الخلط التي أدمنها الكثير من الناس. يبدأ أحدهم بالثناء على أو الدفاع عن شيء، ثم يعرج إلى الإفراج عن الإخوان وأهمية المصالحة معهم، مرورا بمواعظ كبيرة عن الحريات وحقوق الإنسان والفساد. هو حق يراد به باطل، فلا أحد يقبل حدوث انتهاكات وارتكاب تجاوزات، لكن في المقابل يجب الالتفات إلى السياق العام الذي يأتي فيه ذكر هذه القيم وأهدافها.

القفز على الملفات، أحد السمات الرئيسية للمرحلة التي نعيشها. هناك من يتحدث عن مُثل عميقة وجذابة ويضمر أهدافا سياسية مميتة. من ينتقد بغرض الإصلاح ويسعى للانتقام والهدم. من يعرف جيدا أن هناك مهمة وطنية يقوم بها الجيش والشرطة في سيناء وغيرها ويتجاهل تضحياتهما ويسلط الأضواء على عدد القتلى من الإرهابيين.

عندما كتبت الأسبوع الماضي مقال "جبهة واحدة وراء ثلاث أكاذيب عربية"، قصدت التنبيه إلى ماكينة الدعاية التي تروج الشائعات، واخترت ثلاث منها فقط، في حين أن القائمة طويلة. ذكرني بعض الأصدقاء أن الكذب تضاعف عند شعوب كثيرة حاليا، وهم محقون، غير أن المشكلة تتخطى حدود الكذب العادي.

الخداع، أخطر من الكذب، لأنه يتوقف عند قضية اجتماعية أو اقتصادية أو رياضية مثلا، ويضمر قضايا أخرى ذات صبغات سياسية، ليضمن أصحابه تمرير رسائلهم الخفية. كما فعل صاحبنا مع محمد صلاح، عندما انتهى به المطاف للإفراج عن الإخوان، وكأن هذه الخطوة هي مرادف للإصلاح.

لا أريد أن أشغلكم بتفاصيل المغالطات الهائلة التي ذكرها الكاتب الليبرالي على صفحته، لأنها عادة لم تعد قاصرة عليه فقط، بل يعتمدها كثيرون في أحاديثهم وكتاباتهم. إذا أردت تحقيق هدف سياسي عليك الالتفاف حوله من خلال التركيز على قضية إنسانية كبيرة تشغل بال الناس. يطربون لها أو يتعاطفون معها. ثم تبث السموم التي تريدها.

لو أمعنا النظر في الكلام الذي يتم ترويجه، من قبل الإخوان والمتعاطفين معهم، لن نجد مضمونا مباشرا يتحدث عنهم، لكنه يتدثر تحت عنوان اجتماعي براق، ينطوي على معلومات تعزف على وتر المشاعر لدى الناس. تصب الغضب على الحكومة وتصوراتها وممارساتها وتنال من إصلاحاتها. تتطرق إلى إخفاقاتها في معالجة المشكلات، وهي كثيرة، مثل الفشل في اختبار الأمطار التي هطلت على القاهرة الجديدة، وزيادة رواتب الوزراء والمحافظين ونوابهم مؤخرا.

لحظة الحقيقة الكاشفة، تظهر عندما يصل هؤلاء إلى هدفهم الأساسي، الخاص بأن الناس لم تعد تتحمل الإجراءات القاسية، التي أدت إلى زيادة مساحة الضجر وعدم القدرة على تحمل المزيد، وأن الحل يكمن في الإفراج السياسي والجنائي عن الإخوان، وطي الصفحة الماضية، بلا مراجعات أو اعتذارات أو تغيير في الأفكار، ونسيان كل الأحداث الإرهابية التي مرت بها البلاد والعقاب الاجتماعي الواجب لأصحابها.

يبدو أن طريقة الرائد الراحل عبدالسلام جلود، أصبحت من معالم الخطاب السياسي الذي يتبناه قطاع كبير من المعارضين. خطاب لا يجيد تحديد الأولويات ويتعمد خلط الأوراق. يتجاهل أكبر الانجازات وينشغل بأقل الأخطاء، ويسعى إلى تضخيمها وحرفها عن مسارها المباشر، على أمل أن يصل بها إلى غايات كثيرة وغير مباشرة. المهم تترك انطباعات بالإحباط العام وأنه "مفيش فايدة" في الإصلاح.

النجاح الذي حققه هذا الخطاب، أغرى أصحابه بمواصلة تعميم المفردات على كل المجالات. ووجدوا في الأخطاء التي تقع فعلا وسوء التقديرات الزمنية الفاضح، ملاذا يؤيد توجهاتهم. استفادوا من كسل الخطاب المقابل، وعدم قدرته على الرد السريع وبصورة منطقية، وعززوا مواقفهم. بدت المطالبة بالإفراج عن جميع المتهمين كأنها مطلب شعبي، من دون أن تأخذ العدالة مجراها. وهو ما يرفضه المجتمع والقانون، لأنه حق أصيل لكل منهما.