عقدة القمة العربية في الجزائر

تتزاحم الملفات على القمة العربية المؤجلة بما يفوق ما تتمناه الجزائر التي تعمل على تنشيط دورها السياسي في المنطقة العربية.
تفكيك العقد العربية يقع جزء كبير منه خارج الإرادة العربية
العاملون على تفكيك بعض الأزمات العربية يضعون أنفسهم في مآزق كبيرة إذا لم يحسنوا قراءة المشهد العام

تريد الجزائر عقد قمة عربية مختلفة عن القمم التي عقدت في السنوات الماضية، وتسعى لتكون القمة المؤجلة منذ عامين لأسباب تتعلق بتفشي كورونا أو أخرى سياسية نقلة نوعية في العمل العربي. غير أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث بدأت التعقيدات تتوالى بما يجعل مجرد انعقادها بالصورة التي تتمناها الجزائر بعيد المنال.

انتهى اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت قبل أيام من دون أن يتم تحديد موعد للقمة التي تراهن عليها الجزائر كثيرا كي تترك بصمة في العمل العربي المشترك، وقيل أن اجتماع وزراء الخارجية في مقر الجامعة العربية بالقاهرة في مارس المقبل سوف يتكفل بتحديد موعد مناسب قبل نهاية العام الجاري.

كانت تستطيع الجزائر عقد القمة منذ فترة بمن حضر وتطوي هذه الصفحة وترتاح مثل غيرها، غير أن إصرارها على تحقيق اختراق في بعض الملفات الحيوية دفعها إلى مزيد من التريث على أمل أن توجد بيئة مناسبة لتحقيق تقدم يمكن أن يحول هذه القمة إلى علامة فارقة في العمل العربي بعد أن استمر عقد القمم في السنوات الماضية كنوع من البروتوكول السياسي أكثر منه وسيلة لتجديد الدماء العربية.

تسعى القيادة الجزائرية إلى أن تكون عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية هي الجائزة التي ترضي طموحها حاليا، وأجرت الكثير من الاتصالات مع جهات مختلفة لإزالة العقبات التي تعتري هذه العودة، ولم تحصل على ضمانات كافية تمكنها من النجاح في تحقيق هذا الهدف في ظل انقسام عربي لافت حول هذا الملف.

من المؤكد أن الجزائر تعلم أن عودة سوريا ليست قرارا عربيا فقط، فهناك قوى دولية غير ظاهرة تضع فيتو حول ذلك وتنفذه بعض الدول العربية التي تتمسك بعدم العودة بصورة توحي أن هناك مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة تجنيها من اللاعودة، وأن هناك أجندة تتعلق بالحرب على سوريا وتداعياتها يجب استكمال بنودها.

سمعت من مسؤول عربي مهم أكثر من مرة أن قرار عودة سوريا بيد قوى كبرى، وأن الرفض لا يزال ساريا، وبالتالي محاولات الجزائر لن تكون مجدية إذا صممت على ربط انعقاد القمة بعودة دمشق، فالحسابات التي بني على أساسها موقف سحب مقعد الجامعة العربية من النظام السوري لم تستكمل بعد، ما يوجد صعوبة بالغة أمام الجهود التي تقوم بها الجزائر من أجل تجاوز ممانعات بعض الدول العربية.

وتبذل الجزائر جهودا على مستوى المصالحة الفلسطينية لتعقد القمة العربية في ظروف تبدو فيها الدولة المضيفة كأنها حققت نجاحا مهما في هذا الملف الذي تديره مصر منذ سنوات، وفي كل مرة حققت فيه اختراقا تظهر تطورات مفاجئة تعرقله، وما لم تعلمه الجزائر أو تعلمه أن هناك اتفاقيات عقدت لتثبيت المصالحة الفلسطينية برعاية القاهرة نقضت قبل أن تعود قيادات الفصائل إلى أماكن اقامتها.

يحسب للجزائر أنها تريد قمة عربية ناجحة بامتياز، لكن الأجواء السياسية لن تساعدها على تحقيق أهدافها، وإذا ربطت بين انعقاد القمة وبين عودة سوريا أو تحقيق مصالحة فلسطينية قد لا تنعقد القمة نهائيا وتحقق دون أن تدري واحدة من الأمنيات التي يتمناها البعض لنعي مؤسسة القمة العريقة وغلق صفحتها، لأنها الرمز الوحيد تقريبا الذي يشير إلى وجود عمل عربي جماعي مشترك.

تتزاحم الملفات على القمة العربية المؤجلة بما يفوق ما تتمناه الجزائر التي تعمل على تنشيط دورها السياسي في المنطقة العربية بعد أن تمكنت مؤخرا من ترتيب الكثير من أوضاعها الداخلية، حيث تواجه القمة مأزقا مع كل من ليبيا والسودان.

انتهت المدة القانونية للحكومة والمجلس الرئاسي في ليبيا قبل نهاية ديسمبر الماضي، وثمة إشكالية حول استمرارهما أو تعيين قيادة بديلة عنهما، ويعني تمثيل أي من رئيسي الحكومة أو المجلس الرئاسي الليبي المنتهية ولايتهما إنحيازا من الجزائر لطرف على حساب أطراف أخرى تنادي بتعيين قيادة جديدة إلى حين عقد الانتخابات.

ويوحي تمثيل رئيس المجلس السيادي في السودان أو من ينوب عنه عقب استقالة رئيس الحكومة وتصاعد حدة الأزمة بين المكونين المدني والعسكري بإنحياز الجزائر إلى الأخير، بما يرخي بظلال سلبية على العلاقة مع القوى المدنية التي تتمسك بتنحية الجيش عن السلطة في السودان، وبدلا من أن تتمكن الجزائر من تجميع الشمل تجد نفسها جزءا من أزمة مع التباين في التعامل مع الأوضاع الراهنة في السودان.

يضع العاملون على تفكيك بعض الأزمات العربية أنفسهم في مآزق كبيرة إذا لم يحسنوا قراءة المشهد العام بصورة واقعية أو يملكون قوة خارقة تساعدهم على تحقيق أهدافهم، ولا تزال الجزائر غير قادرة على توفير الإمكانيات اللازمة في الحالتين، ما يعرض القمة العربية إلى مزيد من التجاذبات، وقد تدخل في نفق مسدود ولا تتمكن من انعقادها بالحدين الأقصى أو الأدني من الحضور العربي.

تظل رسالة القمة العربية غير المعلوم موعد انعقادها أن من يريدون تحسين الأداء والسعي لحل بعض الأزمات يواجهون بمطبات كبيرة، لذلك من الصعوبة أن تنجح الجزائر في ما تصبو إليه لأن تفكيك العقد العربية يقع جزء كبير منه خارج الإرادة العربية، وما تعمل عليه القيادة الجزائرية يسير في اتجاه يكسر هذه المعادلة، ما يفيد بأن جهودها سوف تتحططم إذا صممت على الربط بين أحلامها وبين القمة العربية.