الديمقراطية في تونس تواجه أكبر اختبار منذ ثورة 2011

الصدام بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه يثير أشباح مرحلة جديدة من التصعيد العنيف في شوارع تونس الأمر الذي يطرح أسئلة حول السيناريوهات المحتملة للأزمة السياسية التونسية والتحديات التي ستواجه الرئيس قيس سعيد مع بدء حملات التشويه التي يقودها الإسلاميون والمعارضون للقرارات الأخيرة التي أربكت خططهم.
التأييد الشعبي المطلق لسعيّد يحصّنه ضد وصم الإسلاميين لقراراته بـ"الانقلاب"
قيس سعيّد مطالب بوضع خارطة طريق ثابتة لتجاوز عقبات المرحلة

تونس- استفاق التونسيون من نشوة تحقيق ما اعتبروه "تصحيح مسار الثورة" واستعادة الجمهورية" بعد احتجاجات عمت البلاد الأحد وأعلن على إثرها الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وأقال الحكومة، وبدأ الجميع يحلل ويتابع وينظر في السيناريوهات المقبلة وما ينتظر البلد في ظرف صحي واقتصادي حساس، وكيف سيتم الخروج من هذه التجربة بنجاح.

لكن، رغم صعوبة هذا الظرف بدا التونسيون في الشارع أكثر راحة وتفاعلوا بإيجابية مع قرارات سعيّد وأغلبهم يردد "طالما ارتحنا من النهضة الباقي لا يخيف". تحدث التونسيون بحماسة تخفي ألم عشر سنوات أنهكت البلاد وأضاعت أحلام الشباب ووأدت البلاد في أتون سياسات بعيدة عن واقعها وتقاليدها ومجتمعها.

لم يعد البديل يقلق التونسيون طالما لن تكون حركة النهضة موجودة على الأقل لفترة، لكن بعيدا عن حماسة الشارع وموقفه، لا يبدو أن الوضع سيكون سهلا في البلاد التي تعاني من أزمة صحية كارثية ووضع اقتصادي ضعيف جدا، كما أن شبح الإرهاب يطلّ برأسه وفق البعض، فالإسلاميين وفق البعض، لن يسلموا بسهولة وقد يلجئون للدم.

 تواجه الديمقراطية في تونس أكبر اختبار منذ ثورة 2011 بعد أن فعّل الرئيس سلطات الطوارئ بموجب المادة 80 في الدستور لإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان لثلاثين يوما (وبعدها سيدخل البرلمان في عطلته السنوية) ورفع الحصانة عن أعضاء البرلمان ونصب نفسه نائبا عاما.

كما ساعد الجيش بتطويق البرلمان ومقر الحكومة الأمر الذي يقوي موقف الرئيس، خاصة لما يتمتع به الجيش من شعبية لدى التونسيين، الذين اعتبروا أن خروجهم للشارع للاحتجاج ثم للاحتفال هو أكبر دليل على دعم  سعيّد، وأكبر ردّ على أن ما اتخذه من قرارات لا يعدّ "انقلابا" وذلك ردا على الأحزاب الرئيسية في البرلمان ومن بينها حزب النهضة التي وصفت ما جرى في تونس الأحد بأنه "انقلاب" وقالت إن المادة 80 من الدستور لا تسمح بما أقدم عليه.

ودعم الاتحاد التونسي للشغل (المركزية النقابية) ضمنيا قرارات سعيّد وقال في بيان الاثنين إن "التدابير الاستثنائية التي اتّخذها رئيس الجمهورية وفق الفصل 80 من الدستور، توقّيا من الخطر الداهم وسعيا إلى إرجاع السير العادي لدواليب الدولة وفي ظلّ تفشّي الكوفيد".

الفصل 80

تقول المادة 80 من الدستور التونسي" "لرئيس الجمهورية في حال الخطر الداهم الذي يهدد كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، ويتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس ومجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن (الرئيس) عن التدابير في بيان إلى الشعب".

وأثير جدل حول تأويل هذا الفصل. اعتبر البعض مثل أستاذ القانون الدستوري عياض ين عاشور، "إن ما حدث بالأمس وقرارات رئيس الجمهورية انقلاب على الدستور بأتم معنى الكلمة لعدم توفر الشروط الجوهرية والشكلية لتطبيق الفصل 80".

بينما كتب محمد عبو في تدوينة أن "ما قام به الرئيس لا يعد انقلابا"، مضيفا في تصريحات إذاعية أن "هذه مهارة رئيس الجمهورية في تسيير شؤون البلاد وستعود الأمور إلى نصابها في ظرف شهر."

ويدعم رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق الخطوات التي اتخذها الرئيس التونسي قائلا لميدل ايست أولاين "ليس المهم تأويل القانون أو الدستور اليوم. الإجراءات التي أعلنها الرئيس، بغض النظر عن أنها في جوانب دستورية تستحق المراجعة، هي شيء منتظر".

وأضاف "الآن السؤال الرئيسي عن عن ماهية خارطة الطريق. لدى  الرئيس مهلة 30 يوم متجددة بحسب  الفصل 80  ماذا سيفعل  فيها.  كيف ستكون خارطة الطريق لحل الأزمة بشكل عميق. نحن نعتقد أن خارطة الطريق هو  الدعوة لعقد مؤتمر إنقاذ وطني  وحكومة كفاءات مستقلة وعرض استفتاء لحسم  مشكلة النظام السياسي بقرار شعبي  ثم التوصل إلى دستور لا يتحمل تأويلات"

وتفسر أستاذة القانون العام هناء بن عبدة لميدل ايست أولاين "دستورية" كما قام به سعيد موضحة أن "ما حصل في تونس هو تطبيق  لنظام دستوري استثنائي. الدستور يمكن رئيس الجمهورية من اتخاذ تدابير استثنائية  في حالة الخطر الداهم والرئيس هو المختص وله السلطة التقديرية المطلقة  في تحديد  هذا الخطر  وإعلان حالة استثنائية".

ولفتت بن عبدة أن "المؤاخذة على رئيس الجمهورية فقط هو  تجاهل ما يقول الفصل 80 في عدم التطابق بين تجميد اختصاصات البرلمان وما يقوله الفصل الثمانين من أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد. يبقى  هنا التساؤل هل عدم التطابق  أو خرق  هذا الجزء من الفصل 80  هل يعد انقلابا: الإجابة  لا.  لا يعد انقلابا هو تأويل  موسع. لكن حين يكون البرلمان احد أسباب الأزمة وأسباب الخطر الداهم  هنا كيف سيتصرف الرئيس؟".

الشعب قال كلمته
الشعب قال كلمته

السناريوهات المحتملة

يمضي الرئيس قدما في ضبط أطر المرحلة القادمة من خلال الإعلان عن إقالة وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان وتكليف "الكتّاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها".

في الأثناء، تثير الصدامات بين أنصار سعيد ونصار حركة النهضة يثير الصدام بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه أشباح مرحلة جديدة من التصعيد العنيف في شوارع تونس تعيد إلى الأذهان ذكريات الأيام الأولى بعد ثورتها أثناء المواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين.

وفيما يلي بعض السناريوهات المحتملة التي قد تشهدها الأيام المقبلة في تونس:

* عنف في الشوارع ومواجهات: قد يحتشد أنصار الرئيس، وهو مستقل سياسيا، وأنصار النهضة في الشوارع في أنحاء البلاد مما قد يؤدي لمواجهات عنيفة بين الجانبين قد تدفع قوات الأمن للتورط وبدء عهد من الاضطرابات أو تدفع الجيش للاستيلاء على السلطة.

* تعيين الرئيس لرئيس وزراء جديد: قد يعين الرئيس سعيد بسرعة رئيسا جديدا للوزراء ليعامل مع ارتفاع حاد في حالات الإصابة بكوفيد-19 والأزمة المالية الوشيكة ويعيد على إثر ذلك صلاحيات البرلمان بعد انتهاء التعليق لثلاثين يوما ويسمح بممارسته أعماله الطبيعية. وقد يلي ذلك إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

وترددت ثلاثة أسماء مرشحة لرئاسة الحكومة مع بداية الحديث عن مرحلة ما بعد المشيشي والنهضة وهي: توفيق شرف الدين وزير الداخلية السابق ومحمد عبو الوزير السابق وأمين عام حزب التيار الديمقراطي السابق، وإلياس الفخفاخ رئيس الحكومة المستقيل يوليو الماضي.

ويعتبر توفيق شرف الدين  أقرب شخصية للرئيس قيس سعيد. وكان أشرف على إدارة حملة الرئيس الانتخابية في ولاية سوسة الساحلية المهمة، وتم تعيينه وزيرا للداخلية في حكومة المشيشي لكن سرعان ما تمت إقالته بعد 4 أشهر فقط عقب إجرائه تعيينات أمنية، رفضها رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي.

وقال لمحلل السياسي نصر الدين بن حديد أن "المعادلة الدولية تبحث الآن عن تجنب الصدام في تونس بين الرافضين للانقلاب والمدافعين عنه لذا ترشيح شخصية توافقية يكون أفضل".

* تعديلات دستورية واستفتاء وانتخابات: قد يستغل سعيد الأزمة للدفع بما يصفه بأنه التسوية الدستورية المفضلة لديه وهي تحويل النظام في البلاد لنظام رئاسي بناء على انتخابات لكن مع تضاؤل دور البرلمان. قد يلي تلك التغييرات استفتاء على الدستور وانتخابات جديدة.

* حوار واتفاق سياسي جديد: قد يتم تكرار النمط الذي اتبعته التيارات السياسية بعد ثورة 2011 لحل أزمات سابقة إذ تقرر التراجع عن الحافة والاتفاق على السعي لحل وسط عبر الحوار يشمل لاعبين آخرين مثل اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبير وسط الناس.

ضبط النفس

في الأثناء يتابع المجتمع الدولي ما يجري في تونس، وباستثناء تركيا، وبعض الأحزاب الإسلامية التي أدانت بشكل مباشر، ما حدث في تونس دعت بقية المنظمات والدول جميع الأطراف على ضبط النفس والامتناع عن العنف وضمان الهدوء للمرور بالديمقراطية الناشة في هذا البلد إلى بر الأمان. وجاء ذلك ردا على ما تناقلته وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي من صور أظهرت انقساما كبيرا بين أنصار سعيد وأنصار حركة النهضة.

وكان من أبرز الصور صورة حواجز أقامتها الشرطة تفصل بين جهتين في محيط مجلس النواب، جهة لأنصار سعيد وجهة لأنصار النهضة التي لم يستطع أعضاءها، وعلى رأسهم، راشد الغنوشي الدخول لمجلس النواب رغم كل والمحاولات وظلوا وافقين في الشارع بينما الغنوشي اعتصم داخل سيارته. ورشق محتجون سيارة الغنوشي بقوارير المياه ما أدى إلى تهشيم إحدى نوافذها ودفع الغنوشي إلى مغادرة المكان.

وقال أحمد حفيان أحد أنصار سعيد "هم في واد ونحن في واد آخر.. غايتهم الوحيدة مصلحة حزبهم ونحن نهتم فقط بمصلحة وطننا.. لذلك يحاولون التصدي لقرار سعيد".

وعلى الجانب الآخر من الحاجز، كانت امرأة تبلغ من العمر 30 عاما تردد الهتاف "لا للانقلاب" وتكيل الاتهامات لأنصار سعيد بالعنف.

يرى مراقبون في مثل هذا الحوار ترسيخا للديمقراطية التي تحتاج إلى بصيرة نافذة من الرئيس قيس سعيد، صاحب السلطة المطلقة الآن، للوصول بها إلى بر الأمان بعيدا عن حمامات الدماء والانقسامات المدمرة، وتحتاج إلى إعلام محايد وإلى أن يسود الهدوء بين التونسيين بعيدا عن ضوضاء مواقع التواصل الاجتماعي وفوضى التحليلات والتأويلات.