الرثاثة السائدة تشوّه الغناء العراقي


نصرت البدر فاقد لإحساس التعلم من موسيقى بلده العراق، لان ثمة من يصفق له في وطن مخطوف لا ينتج غير المراثي الطائفية باعتبارها غناءً.
نصرت البدر يجهل بشكل مريع التاريخ الموسيقي العراقي المعاصر، لذلك يفتقر للقدرة على التعلم من هذا التاريخ الناصع

لم يجد الموسيقار العراقي محسن فرحان غير أن يعبّر عن استيائه من تشويه لحنه “شكول عليك” المعبّر عن حشد من التساؤلات الملتاعة، من قبل صوت شاب أمّي في علوم الغناء، ويعبر هذا الاستياء عن مستوى متقدم من الازدراء حيال الرثاثة الفنية السائدة والمستمرة في العراق. إذ لا يمكن للرداءة أن تنتج إبداعا في بلد مخطوف سياسيا واجتماعيا.

عندما برع فرحان في تحميل تساؤلات الشاعر الراحل زامل سعيد فتّاح ولهاً موسيقيا، كان صوت قحطان العطار يستجيب بتعبيرية فائقة للحن، وارتقت الأغنية آنذاك مصافا متقدما في قلادة الغناء الفضية، مع أن محسن فرحان سبق وأن نجح أيّما نجاح في لحن قصيدتي جبار الغزي “غني بفرح” وعريان السيد خلف “لو غيمت دنياي” لصوت قحطان، إلا أن تساؤلات الوجع في “شكول عليك” كانت إضافة لا يمكن أن تنسى، وحتى من أراد إعادة أداء هذه الأغنية في سنوات لاحقة كان يطمح أن يصل إلى تعبيرية اللحن والأداء الأصلي كما فعل مثلا المطرب عبد فلك.

لذلك يبدو استياء الموسيقار العراقي محسن فرحان من قيام “صوت أخنف” بتشويه اللحن وتحويله إلى أشبه بمرثاة طائفية هزيلة، بمثابة لافتة احتجاج كبرى عن إسقاط الفن العراقي في مستنقع التخلف الآسن. للأسف لا يوجد أي تفسير أكثر تسامحا من ذلك لأن هذا الشباب “الملحن والمغني” لا يمتلك أي مسؤولية فنية وهو يتعمد تشويه هذه الأغنية المعبرة بإضافة مفردات سطحية كانت أشبه بطعنة لنص زامل سعيد فتّاح الذي أرّخ لتاريخ من الحب والوله والوجع والأمل عند العراقيين، بيد أن لا أحد كان يسائله لو أعاد أداء الأغنية كما هي بغض النظر عن طبيعة صوته الأخنف. لكنه في هذا الفعل الشنيع افتقر “نصرت البدر” لأي مسؤولية شخصية وفنية وأساء لذكرى موسيقية ما زالت تجمع العراقيين برمتهم.

ولأن نصرت وفق التقويم المفرط بالتفاؤل! يجهل بشكل مريع التاريخ الموسيقي العراقي المعاصر، لذلك يفتقر للقدرة على التعلم من هذا التاريخ الناصع.

ثمة تجارب كثيرة أعيد فيها تلحين أغان مهمة في المدونة الموسيقية العراقية، لكن بدافع ابتكار روح موسيقية جديدة في الكلمات وليس مجرد تكرار آليتها، على مستوى آخر لم تكن تلك الإعادة اللحنية بهدف التنافس أو الإساءة الفنية للملحن الأول أو النص كما فعل المطرب الشاب نتاج زمن الانحطاط الغنائي.

أشك مثلا أنه “اطّلع” على قيام الملحن كاظم فندي بإعادة تلحين قصيدة لميعة عباس عمارة لصوت سعدون جابر “خلصت صدك” بعد أكثر من ثلاثة عقود من تلحين الموسيقار الشهيد محمد عبدالمحسن نفس الأغنية لصوت ياس خضر، مثلما أشك أن نصرت “اطّلع” بوصفه ملحنا على قيام الموسيقار العراقي ناظم نعيم بإعادة تلحين اللازمة التعبيرية التي ارتبطت بأماسي العراقيين على مدار عقود “على شواطئ دجلة” لصوت الفنانة هناء، بعد أن عرفها العراقيون بلحن الموسيقار العراقي صالح الكويتي.

حتى ابن شقيق صالح الكويتي “دودو داود الكويتي” عندما يغني اليوم في إسرائيل على “شواطئ دجلة” مستخدما الآلات الموسيقية الغربية لا يجرؤ على تغيير لحن عمه الرائع، لكن نصرت البدر فاقد لإحساس التعلم من موسيقى بلده العراق، لأن ثمة من يصفق له في وطن مخطوف لا ينتج غير المراثي الطائفية باعتبارها غناءً.