الروائي المعاصر يجب أن يكون واعيا بتفاصيل عدة

نادية الشيتوي ترى أن الرواية كمجال للتعبير والتجلي تحتل مرتبة خاصة نظرا للمساحة التي يتجلى فيه صوت  الكاتبة أو الروائية.
المشهد الروائي يبدو عاملا أو محفزا للكتابة النسوية التي تحتاج إلى مجالات للحرية الإبداعية والفكرية لكي ترسم أبعادا أخرى اجتماعية وأخلاقية وسياسية
الشيتوي: الغريب روايتي الأولى والأغرب أني لم أفكر بكتابة رواية قبلا

تحولت الرواية إلى فضاء يستوعبُ الهموم والتطلعات الإنسانية، وبما أنَّ الواقع يكونُ مصدراً أساسياً للمادة الروائية لذا لا يستغربُ أن تنعكس في النص الروائي صورته، هذا إضافة إلى أنَّ الخلفية الثقافية والتجربة الذاتية تلقي بظلالها على أجواء المنجز الأدبي، لأنَّ النص لا ينفصل عن هواجس الذات الكاتبة وحيثيات حياتها، كل ذلك يصبحُ نواةً في تشيكلة العمل الأدبي الذي يعتمدُ على المراوغة لإرتياد ما هو مقصيُ أو لإبانة ما هو واقع في العُتمة. 
وكان لخيار الكتابة وخصوصية ما تنشره المرأةُ من نصوص روائية، سببا لإجراء حوار مع الروائية التونسية نادية الشتيوي التي صدرت لها رواية "الغريب".
بداية سألناها عن تفسيرها لتزايد حضور المرأة في المشهد الروائي، فأجابت بأنَّ الأدب بصفة عامة والأشكال الأدبية سواء كانت شعرا أم نثرا تمثل أداة أو وسيلة تعبر من خلاله المرأة عن دواخلها وتطرح فيه قضاياها كفضاء أو كمتنفس للتعبير. 
الأدب عموما يمثل فضاء للمرأة كي تبوحَ وتعبر ويُسمع صوتها فبنظر الشيتوي، أن الرواية بشكل خاص وكمجال للتعبير والتجلي تحتل مرتبة خاصة نظرا للمساحة التي يتجلى فيه صوت  الكاتبة أو الروائية لتحتل مساحة أكثر شساعة فتتواتر الضمائر ومكر الحكي والشخصيات والأحداث. وبذلك يبدو المشهد الروائي عاملا أو محفزا للكتابة النسوية التي تحتاج إلى مجالات للحرية الإبداعية والفكرية لكي ترسم أبعادا أخرى اجتماعية وأخلاقية وسياسية. 
وحول ما يقوله بعضُ النقاد بأنَّ المصدر الأساسي لأعمال الروائيات هو الهموم النسوية عبرت نادية الشيتوي عن رأيها موضحةً أن العملية الإبداعية هي نتاج لتراكم  نفسي واجتماعي وفكري. فالكاتبة لا يمكن أن تكتب من دون أدوات لغوية وفكرية قد تكون نتاجا لثراء ثقافي، زد على ذلك الظروف المحيطة بلحظة الكتابة وأخيرا الآثار النفسية المترتبة عن كل ما مرت به الكاتبة. 
إن العملية الإبداعية لحظة مميزة تحتاج إلى قادح وكما قال المسعدي "الأدب مأساة أو لا يكون"، فإن الإبداع الحقيقي لا يكون إلا وليد إحساس بالألم و العذاب وهذا ما يخلق في حد ذاته  أفضلَ الأعمال الأدبية وأرقاها. يصبح بذلك العمل الأدبي لوحة رسم عليها الأديب أو الروائي نسيج آلامه وهمومه. لو ذكرت في هذا السياق رواية "الغريب" فإني أتذكر لحظة شروعي في كتابة الفصول الأولى عندما أحسست بأنها اللحظة الحاسمة لانبثاق عمل إبداعي كان نتيجة توترات وآلام أحسست بها قبل كتابة الرواية.

الكتابة الروائية تحتاج إلى إلمام بالتفاصيل والغوص في داخل الشخصيات والأحداث خاصة إذا كانت الرواية طويلة

وفيما يتعلق بتجربتها الأولى في مجال كتابة الرواية أشارت محدثتي إلى أن الأمر كان صدفةً وأدرفت قائلةً: الغريب روايتي الأولى والأغرب أني لم أفكر بكتابة رواية قبلا. كانت أول ما نشرت بالرغم أني فكرت بنشر مجموعة شعرية في البداية. "الغريب" هي رواية الصدفة والأشياء اللامتوقعة. عندما بدأت بكتابة الرواية كنت قبلها منهمكة في بعض البحوث الأكاديمية عندما تركت ما كنت أقوم به وبدأت أكتب وأكتب وأنا لا أصدق بأني أكتب روايتي الأولى، كنت أكتب وأسائل نفسي إن كنت سأنجح بكتابة رواية. اللحظة التي أعلنت فيها هذا الإبداع هي لحظة تراكمات عاطفية قادتني لرسم شخصية أروى التي تشبهني وتشبه بنات جيلي. أردت أن أرسم  جزءا مني على الورق وأحاول جمع شتاتي وتشظياتي في عمل فني أردته أن يكون مميزا. ربما أيضا حاولت أن أجمع بين انتمائي وثقافتي العربية وميولاتي الغربية في روايتي "الغريب" لأني قبل أن أشرع في كتابة الرواية تأثرت بسلسلة أميركية.
وعن علاقتها بفن الرواية قبل الشروع بكتابة العمل الأول ذكرت نادية أعمال الرواد لافتةً إلى متابعتها لمؤلفات روائية، وقالت: قبل الشروع في كتابة "الغريب" كنت مولعة بمطالعة الروايات، فالبرغم من أني أقرا كتابات متنوعة لكني كنت أفضل الروايات. في بداياتي قرأت الروايات التاريخية لجرجي زيدان ومن ثم الروايات الواقعية لنجيب محفوظ مرورا باحسان عبدالقدوس وعبدالحليم عبدالله وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور. بعد ذلك بدأت انفتح على الرواية الجزائرية وقرأت لأحلام مستغانمي التي تأثرت بها وواسيني الاعرج. في الوقت الحالي أحاول أن اقرأ بعض الروايات المترجمة وانفتح على أدب العالم وخاصة فيما يعرف بجنس النوفيلا.
وفي الأخير قدمت رأيها عن خصوصية العمل الروائي وما يستدعيه من الدراية موضحةً أن كتابة الرواية عملية دقيقة فبقدر ما يستسهل البعض هذا الجنس الأدبي إلا أنه يتطلبُ الدراية. بنظري الكتابة الروائية تحتاج إلى إلمام بالتفاصيل والغوص في داخل الشخصيات والأحداث خاصة إذا كانت الرواية طويلة. الكاتب أثناء كتابته للرواية يحتاج إلى التماهي مع شخصياته كما يحتاج إلى التفكير في عنصر التأثير والتأثر في علاقته مع القارئ. المدارس النقدية الحديثة تعطي أهمية كبرى للقارئ الذي يساهم في تركيب المعنى وتفكيك النص ليبنى المعنى الكامل للنص. الروائي المعاصر يجب أن يكون واعيا بهذه التفاصيل حتى ينتج نصا معاصرا، منفتحا وقابلا للتأويل بأشكال عديدة فيستعمل بذلك تقنيات التفكيك ولعبة الضمائر والراوي ليغوص معه الكاتب في عملية إنتاج المعنى.