الزط وشتات الرومان

لا يمكن لوم الحكام بعد الآن بتحيزهم ضد الفلسطينيين. ما نسمعه ونراه من شتم للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعية يدل ان الشعب لا يختلف عن الحكام.

لفت انتباهي رجل لا أعرف اسمه كرس عددا من الحلقات على اليوتيوب لسب الفلسطينيين واصفا إياهم بالزط وشتات الرومان، وعدد كبير من المعلقين ممن يشدون على يده ويثنون على شتائمه للفلسطينيين. وبصرف النظر عن الشاتم والمشتوم، فإن تحشيد العوام ضد شعب عربي هو إفلاس أخلاقي. وهذا ليس هو الرجل الوحيد، بل أن هناك دكتورا مصريا يحمل درجة الأستاذية قال أن فلسطين حق لليهود ولا يوجد شعب اسمه فلسطينيون، وهذا أبشع ما يمكن أن يحدث للشعوب وهو السقوط الأخلاقي. فالعرب بشكل عام مكروهون من العالم أجمع، ويصفهم الجميع بالثراء والغباء، وهم يؤكدون هذا الرأي فيهم عندما يشتمون بعضا بهذه الطريقة البدائية والبهيمية. وقبل هذه المسرحية الهزلية شاهدنا مسرحية أخرى لمسؤولة عربية تدعو إلى طرد المصريين من بلادها.

كانت الفكرة السائدة من قبل هي الفصل بين الشعوب وأنظمة الحكم واتهام الحكام بأنهم السبب في كوارث العرب. ولكن ما يجري اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي يدل على أن الشعب لا يختلف عن الحكام، وهم يسعون لتعميق الشرخ بينهم والتفرقة التي لا يمكن تجاوزها.

قد يعتب الناس على الجاهل ولكن عندما تصدر هذه السلوكيات عن المتعلمين، فإن الأمل يتلاشى نهائيا. فالخصام اليوم هو بين الشعوب وليس الزعماء، أي أن الخلل يكمن في الجهاز العصبي المركزي للشعوب العربية، أي أن هناك خطورة على الشعوب أن تصاب بالشلل التام، فكيف وصلوا إلى هذا الحد من الانحطاط؟ ألا يعلمون أن يتخذ موقفا كهذا لا يبالي بضياع الأوطان وتدمير الشعوب؟ إن هذا مؤشر خطير ينبئ بقرب فناء العرب كشعوب وبقائهم ككائنات دون هوية وجاهزين لمن يرغب بالاستيلاء عليهم.

لقد وصل الأمر بهذا الشتام أن يدعي أن مظاهرات الأردن هي من تنظيم الزط وشتات الرومان، وأن تجمعاتهم على الدوار الرابع هي لارتكاب الفاحشة. فهل يقصد أن الأردنيين من شرق الأردن لم يشعروا بوجود مشكلة وليسوا على مستوى رفيع من العلم والوعي بحقوقهم؟ ألا يعرف أن الأردنيين من شرق الأردن اليوم حاصلون على أعلى الدرجات العلمية ومنهم علماء على مستوى العالم؟ ألا يعرف هذا الشتام أن الأردنيين اليوم يتوجهون إلى النظام الحزبي لكي يكون حراكهم علميا وفكريا وبعيدا عن العشائرية؟ ألا يعلم هذا الشتام أنه لا يمكن التمييز بين الفلسطيني والأردني لأنهم أقارب وأنسباء؟

كم أساء هذا الشتام إلى نفسه! وعلى أية حال فهي مناسبة جيدة لدعوة العرب والفلسطينيين بشكل خاص إلى تصويب مسارهم لكيلا نصبح جميعا "زط وشتات الرومان".