السخرية آخر ملاذ للتونسيين من طوفان أسعار جديد

حكومة المشيشي تعلن عن حزمة زيادات في أسعار المواد الأساسية والخدمات والمحروقات وسط تبرم شعبي مع انهيار غير مسبوق للمقدرة الشرائية.

تونس - استقبل التونسيون مطلع الأسبوع موجة زيادات جديدة في الأسعار بغضب والاحتجاج، ولكن ايضا بسخرية تعري بلوغ مستويات الإحباط حدودا جديدة وكأن لسان حالهم يقول "لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها"، مع انهيار مقدرتهم الشرائية لمستويات قياسية وسط ازمة اقتصادية حادة عمقتها الجائحة والشلل السياسي.

وانطلقت حكومة هشام المشيشي مطلع يونيو/حزيران في مسار زيادات في اسعار المواد الأساسية والمحروقات والخدمات لسد جزء من عجز الميزانية، فيما تفاوض صندوق النقد الدولي على قرض مشروط بحزمة إصلاحات مؤلمة أبرزها رفع الدعم.

تعاني تونس وضعا ماليا خانقا تفاقم في ظل جائحة فيروس كورونا، بعجز مالي بلغ 11.5 بالمئة العام الماضي وانكماش الاقتصاد 8.8 بالمئة.

وتقول الحكومة انها بحاجة 18.7 مليار دينار (6.9 مليار دولار) لترقيع موازنتها، لكن خبراء يؤكدون ان هذه الارقام تهوّن من حجم العجز ويشيرون الى ان الرقم الحقيقي لا يقل عن 23 مليار دينار (8.46 مليار دولار).

والثلاثاء بدا ان الحكومة انطلقت فعليا وبلا سابق إنذار في هذا التوجه بإعلانها رفعت سعر الكيلوغرام من السكر بمعدل 0.09 دولار.

وقال مسؤول حكومي إنه تقرر رفع سعر سكر الاستهلاك العائلي إلى 1.4 دينار (0.5 دولار) للكيلوجرام من 1.150 دينار.

وهذه الزيادة هي الثانية منذ مطلع العام الحالي، حيث رفعت الحكومة في سعر هذه المادة في يناير/كانون الثاني 2021 بـ 100 مليم (0.036 دولار).

وقبل أيام رفعت السلطات في أسعار تعريفة وسائل نقل الركاب العامة بالإضافة إلى مياه الشرب.

وكانت السلطات أعلنت قبل اكثر من شهر عن زيادة في سعر المحروقات، سبقتها زيادتان اخرتين في العام 2021 في مسار ترفيع في الاسعار يتوقع ان يصبح شهريا.

ويمثل خفض دعم الطاقة ايضا أحد أبرز عناوين الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها المقرضون الدوليون، إذ تبنّت تونس منذ يوليو/ تموز 2016 طريقة التعديل الآلي لأسعار المحروقات عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي.

تحذيرات من 'انفجار وشيك'

وفي اول ردود الافعال السياسية دعا حزب التيار الديمقراطي (معارضة) الأربعاء حكومة البلاد إلى التراجع فورا عن زيادة أعلنتها في أسعار سلع وخدمات محملا إياها مسؤولية "تداعيات ذلك على السلم الاجتماعي".
وقال الحزب (22 نائبا من أصل 217، في بيان إن "الوضع الاقتصادي الصعب يستوجب مراجعة فعلية لمنوال (مخطط) التنمية،والتضحيات لا يجب أن تقدمها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها، لكن أيضا الطبقة الميسورة".
ودعا الحكومة إلى "محاربة الاقتصاد الريعي، والتصدي للتهرّب الضريبي وإصلاح المنظومة الجبائية (الضرائبية)، وتكثيف الرّقابة على الصفقات العمومية، ومراقبة مسالك الإنتاج والتوزيع لتعديل الأسعار ووضع حدّ لتغول لوبيات الاحتكار و الفساد".
ورأى أن "التحرّر من تأثيرات لوبيات وقوى الفساد و الإفساد الداخلي ومن التعاقدات الخفية مع صندوق النقد الدولي، هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من أزمتها وضمان سيادة القرار الوطني، والتفاف واسع حول مشروع وطني حقيقي".
كما دعا الحزب "القوى الوطنية والاجتماعية إلى توحيد صفوفها و التشاور لتحديد الخطوات العملية للتصدي لخيارات وسياسات الائتلاف الحاكم الموغلة في الليبرالية".

كما نبّه رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي الأربعاء من عواقب الزيادة في مادّة السكر وما سينجر عنها من ارتفاع في كافة المواد المتعلقة به على غرار الحلويات وغيرها لتنعكس بطريقة غير مباشرة على الترفيع في كلفة الخدمات.

وتوقع الرياحي في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء انفجارا وشيكا للوضع الاجتماعي، جرّاء هذه الزيادة إضافة الزيادات الأخيرة في أسعار الحليب والنقل العمومي والماء.

والخميس ندد الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلاد) في بيان بما اعتبره "خطوة استفزازية وتنفيذا لما التزمت به الحكومة انفراديّا من برامج أمام صندوق النقد الدولي".

وأرجعت المنظمة الوازنة اجتماعيا وسياسيا، مسؤولية تردي الاوضاع الاقتصادية لـ"التجاذبات السياسية والشلل الذي أصاب أجهزة الدولة فجعلها قاصرة على إنقاذ البلاد واتّخاذ القرارات المناسبة".

وطالب الاتحاد بالرفع المباشر في قيمة منح العائلات المعوزة والمراجعة الفورية للأجر الأدنى المضمون.

وعلى فيسبوك، اعتبر القيادي في الاتحاد سامي الطاهري الزيادات الاخير في الأسعار "اعلان حرب على قوت الشعب".

تندر بحرص حكومي مزعوم على الصحة العامة

واستأثر تصريح اذاعي على "راديو موزاييك" (خاص) لمسؤولة حكومية (المديرة العامة للتجارة فضيلة الرابحي) أرجعت فيه الزيادة الأخيرة في سعر السكر الى كونه مادة غذائية مضرة بالصحة باهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال برهان ساخرا "السكر مضر بالصحة، والحكومة ايضا".

وعلق سمير من جهته "نعم السكر مضر الصحة والخبز أيضا يسبب السمنة ولا بد من الزيادة في ثمنه ليتجنبه المواطن ويظل شعبنا رشيقا وخفيفا، والبنزين...نعم البنزين نطالب أيضا برفع ثمنه أكثر...لتعجيز المواطن وتشجيعه على رياضة المشي المفيدة لصحته والتخفيض من نسبة الحوادث، والحليب! أكيد تعرفون مضار الحليب ورفع ثمنه سيجنبنا كوارث صحية.. .يجب رفع ثمن كل المواد الضارة بالصحة...اللحم الذي يسبب الكوليستيرول والملح الذي يسبب ضغط الدم والسجائر التي تسبب السرطان ولن يبقى سوى الماء".

واحتجت منية غاضبة "نفس الحكومة الفاشلة التي تركت الناس تموت على قارعة المستشفيات لنقص الاكسيجين تبين انها تخاف على صحتنا".

وعلقت جليلة "لا تخافوا.. لن يصيبنا مرض السكري الا بسببكم" (في اشارة الى الضغط النفسي الذي يسببه عدم الاستقرار السياسي المتواصل).

وتكثف رؤوس السلطة المتناحرة في تونس في المدة الأخيرة من زيارتها للخارج لجلب استثمارات وتمويلات وبحثا عن حلول للخروج من الأزمة الخانقة.

وتسعى الحكومة التونسية ورئاسة مجلس النواب الاخوانية من جهة ورئاسة الجمهورية من جهة اخرى رغم الصراع الواضح بين المعسكرين لإيجاد خطط بديلة لانتشال الوضع الاقتصادي مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي نتيجة غياب الاستقرار الحكومي،وعدم التزام الحكومات المتعاقبة بتنفيذ تعهداتها المالية.

والصراع السياسي في تونس ظاهره ازمة تأويل للدستور وبطانه صراع محموم على الصلاحيات عطل لاشهر التعديل الحكومي.

ولا يزال التعديل الحكومي، الذي أجراه المشيشي منذ كانون الثاني/يناير معلقا بعد رفض الرئيس مراسم أداء اليمين الدستوري لبعض الوزراء بدعوى وجود انتهاك للدستور في إجراءات التعديل، ما يعني ان البلاد تدار بوزراء منتهي الصلاحية خلال اكثر مراحل تاريخها حساسية.