السعودية تسعى للقطع مع معادلة النفط مقابل الأمن

زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن في 2018 دشنت عهدا جديدا من علاقة قائمة على تعاون استراتيجي لا تدفع فيه السعودية فاتورة "خدمات أمنية" تقدمها الولايات المتحدة.
الرياض

يُنتظر أن تساهم التحولات الإقليمية وتنوع الفاعلين في منطقة الخليج وسعي قادة تلك الدول إلى تنويع مناويلها الاقتصادية فضلا عن تعاظم دور سوق الطاقة بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، في تحقيق تحولات جذرية على شكل العلاقة القائمة بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية التي يزور رئيسها جو بايدن المنطقة، بحيث لم تعد تعتمد على النموذج الكلاسيكي القائم على قاعدة النفط مقابل الأمن.
ونشرت سفيرة السعودية بالولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان مقالا في صحيفة بوليتيكو حكمت فيه على زمن النفط مقابل الأمن بالاندثار قائلة "لقد ولت منذ زمن طويل الأيام التي كان يمكن فيها تحديد العلاقة الأميركية السعودية من خلال نموذج النفط مقابل الأمن الذي عفا عليه الزمن".
وأضافت أنه "لا يمكن حل المخاطر الوجودية التي تواجهنا جميعا، بما في ذلك أمن الغذاء والطاقة وتغير المناخ، بدون تحالف أميركي سعودي فعال".
ويرى بعض المتابعين أن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في آذار/ مارس 2018 هي التي دشنت نسخة جديدة من العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية التي تُعتبر بمثابة القاطرة في مجلس التعاون الخليجي.
ويرون أن بن سلمان قطع بتلك الزيارة مع منظومة الفواتير التي تدفعها السعودية وباقي دول الخليج من مواردها النفطية لقاء تأمين وجودها.

 لسنا مجرد شركة عالمية رائدة في مجال الطاقة ولكن أيضا في الاستثمار والتنمية المستدامة 

ويرى محللون أن ولي العهد السعودي الذي عبر بالمملكة من طور التشدد إلى طور الاعتدال هو الذي عمل على رسم السياسة الجديدة للخليج بالتعاون مع دولة الإمارات بتغيير المقاربة الأمنية والعسكرية بحيث ضعفت الحاجة إلى الأميركيين لتأمين المنشآت النفطية من الخطر الإيراني المتربص، فتم تجاوز معادلة النفط مقابل الأمن التي أسس عليها الملك عبدالعزيز دولته قبل 80 عاما.
ويرى الكاتب الصحفي مسلم عبد الودود في مقال نشره في مارس 2018 أن ما أظهرته واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما من عدم اكتراث للتهديدات الإيرانية لأمن الخليج وعدم ربط الاتفاق النووي بسلوك إيران في المنطقة حتّم على السعودية والإمارات بشكل خاص اعتناق عقيدة أمنية مغايرة لاسيما بعد تمدد إيران في عدة دول بالمنطقة كالعراق وسوريا ولبنان.
وأوضح عبد الودود كيف أن السعودية انتقلت من حقبة "الاعتماد على النفط إلى تنويع مصادر الدخل والاقتصاد، ومن العلاقة الاعتمادية على الغرب إلى إنشاء شراكة جديدة معه تقوم على تعزيز الاعتماد المتنامي على الذات، وعبر شراكات إقليمية".
وهو ما ذكرته الأميرة ريما التي باتت أول سفيرة لبلادها عام 2019، في مقالها المذكور، عندما كتبت "لسنا مجرد شركة عالمية رائدة في مجال الطاقة، ولكن أيضا في الاستثمار والتنمية المستدامة من خلال استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في التعليم والتكنولوجيا والتنويع الاقتصادي والطاقة الخضراء، أطلقنا أجندة تحول تطلق العنان للإمكانات الهائلة لشبابنا وشاباتنا".
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن إجمالي صادرات المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري تجاوزت 20.6 مليار ريال سعودي في حين بلغت الواردات 8.8 مليار ريال للفترة نفسها.
وقال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل بن فاضل الإبراهيم في تصريحات إعلامية بمناسبة زيارة بايدن إن أوجه التعاون الاقتصادي الأميركي السعودي تشمل مجالات متنوعة كالطاقة والبتروكيماويات والمعادن والألومنيوم والسيارات والآلات والأجهزة الطبية والطائرات.
وأضاف أن المملكة تمثل بيئة استثمارية مناسبة للشركات الأميركية حيث يعيش ويعمل آلاف الأميركيين. 

الرياض تعهدت بتوليد نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030

وشددت الأميرة ريما أنه يمكن تجنيب المنطقة الصراعات للانكباب على التعاون الاقتصادي والتنمية الاجتماعية من أجل بناء مستقبل أفضل، داعية الأميركيين إلى أن يكونوا "جزءا من هذا المستقبل كما كانوا جزءا من بناء دولتنا قبل ثمانية عقود".
ودعت البلدين إلى "مواجهة المجهول بثقة"، وهو ما اعتبره بعض المحللين إشارة إلى التهديدات الإيرانية والدور المتنامي لروسيا والصين في المنطقة فضلا عن الأزمات المتوقعة في سوق الطاقة بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي مقال نشره في مجلة فورين بوليسي الأميركية فسر الباحث فراس مقصد كيف أن "الهجوم الروسي على أوكرانيا أدى إلى زيادة المنافسة بين القوى العظمى"، داعيا إلى "عدم تجاهل السعودية بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومواردها الطبيعية الوفيرة، وتأثيرها بين البلدان العربية وذات الأغلبية المسلمة".
وأشار إلى الدور السعودي المفترض في معاضدة حملة إدارة بايدن لتعزيز التحول إلى الطاقة النظيفة في الداخل والخارج، معرجا على تعهد الرياض بتوليد نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
ولفت مقصد إلى أن المعادلة الأميركية الخليجية تفترض في مقابل كل هذا دورا أميركيا أكثر نجاعة في كبح جماح الإيرانيين خاصة على مستوى مراقبة المسالك البحرية التي تؤمّن الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن، وتأمين الأسلحة الأميركية لدول الخليج بدل البحث عنها لدى روسيا والصين، وتكثيف التعاون الاستخباراتي لمواجهة الإرهاب والتهديدات الخارجية.
وفي ختام زيارة بايدن للسعودية، اتفق البلدان على "تعزيز مصالحهما ورؤيتهما المشتركة نحو شرق أوسط يسوده الاستقرار والازدهار والأمن والسلام"، بحسب بيان رسمي أكد ايضا على "التزام الولايات المتحدة القوي والدائم بدعم أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها، وتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية".