السعودية تعزل التوظيف السياسي التركي لقضية خاشقجي

الرياض ترفض اقتراحا تركيا بإجراء تحقيق دولي في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، مؤكدة أن القضية أصبحت قانونية ويجب عدم تسييسها، مشيرة إلى حملة تركية قطرية موجهة ضد المملكة.

السعودية تقطع الطريق على التوظيف السياسي التركي لمقتل خاشقجي
تركيا دأبت على انتهاج سياسة الابتزاز والمساومات في أكثر من ملف
أنقرة رفضت ثلاثة طلبات سعودية لتقديم أدلة على روايتها في مقتل خاشقجي
فرنسا تعتبر أن التحقيق السعودي في مقتل خاشقجي يسير في الطريق الصحيح
السعودية تحصر قضية خاشقجي بمسارها القانوني قطعا للتوظيف السياسي

الرياض/باريس - أعلنت السعودية اليوم الخميس أن قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليتها باسطنبول أصبحت قضية قانونية محصورة في بعدها الجنائي ويتم التعامل معها من قبل القضاء السعودي، لتقطع بذلك الطريق على تركيا التي تحاول استثمار القضية سياسيا والابتعاد بها عن جانبها الجنائي ومسارها القانوني.

ونجحت الرياض إلى حدّ الآن في التصدي لمحاولات تركية قطرية لتسييس قضية مقتل خاشقجي بأن اتخذت سلسلة إجراءات قانونية ابتداء باعتقال المشتبه بهم في قتل خاشقجي وإقالة مسؤولين ومحاسبة المقصرين وحصر القضية في بعدها الجنائي.

وبذلك تكون المملكة قد قطعت الطريق على الابتزاز التركي والتوظيف القطري للقضية الإنسانية، رافضة الدعوات التركية لتدويل الجريمة أو محاكمة المتهمين فيها في تركيا.

رفضت السعودية الخميس اقتراحا تركيا بإجراء تحقيق دولي في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، حسبما قال وزير الخارجية عادل الجبير في مؤتمر صحافي في الرياض.

وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اليوم الخميس إن قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول بات قضية قانونية وينبغي عدم تسييسها، وذلك بعدما قال النائب العام السعودي إنه سيطالب بتطبيق عقوبة الإعدام بحق خمسة مشتبه بهم.

وتابع "هذا أمر مرفوض، المملكة العربية السعودية لها جهاز تحقيق"، مضيفا "القضية الآن أصبحت قضية قانونية ويتم التعامل معها من قبل القضاء في المملكة العربية السعودية".

وقال الجبير للصحفيين في الرياض "تسييس القضية يساهم في شق العالم الإسلامي بينما المملكة تسعى لوحدة العالم الإسلامي".

وأضاف أنه لا تزال هناك أسئلة بحاجة لأجوبة، لكن أنقرة رفضت ثلاثة طلبات من الرياض لتقديم أدلة على روايتها بشأن ما حدث.

وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد طالب الأربعاء بإجراء "تحقيق دولي".

وقال في البرلمان "في البداية قلنا إننا شكلنا مجموعة عمل مع السعودية وأنه ليست لدينا خطط لإحالة جريمة القتل على محكمة دولية".

إلا أنه اعتبر أن الأمر تغير وأن الحكومة تعتقد الآن أنه يجب إجراء تحقيق دولي، مضيفا "سنفعل كل ما هو مطلوب لإلقاء الضوء على جميع جوانب جريمة القتل هذه".

وقبيل المؤتمر الصحافي للجبير، أكدّت النيابة العامة السعودية للمرة الأولى أن خاشقجي حقن بـ"جرعة كبيرة" من مادة مخدرة قبل أن يتم تقطيع جثته في قنصلية المملكة في اسطنبول وطلبت الإعدام لخمسة أشخاص على خلفية القضية.

وسارعت تركيا إلى الإعلان بأن التوضيحات التي قدمها وكيل النيابة العامة السعودية "غير كافية"، مشددة على أن قتله تم عن سابق تصميم.

كما دعت النيابة العامة السعودية تركيا إلى التوقيع على آلية تعاون خاصة بالتحقيقات في قضية مقتل الصحافي، مطالبة أنقرة بتسليمها الأدلة و"كافة التسجيلات الصوتية" التي تمتلكها.

جمال خاشقجي حقن بجرعة مخدر كبيرة قبل قتله
تركيا حريصة على ابقاء ضجيج قضية مقتل خاشقجي لابتزاز الرياض

واعتبر الجبير أن الصحافة في تركيا وكذلك في قطر حليفة أنقرة، تشن "حملة موجهة وشرسة ضد المملكة"، مشيرا إلى أنه "من المؤسف محاولة تسييس هذا الأمر".

وقال إن قضية خاشقجي لا يزال يلفها "الغموض"، داعيا "الأشقاء في تركيا" إلى المساعدة في هذه المسألة.

وجدد وزير الخارجية السعودي التأكيد على أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا صلة له على الإطلاق بقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وعندما سئل عن احتمال فرض عقوبات دولية بسبب القضية، قال الجبير للصحفيين إن هناك فرقا بين فرض عقوبات على أفراد وتحميل الحكومة السعودية مسؤولية ما حدث.

وتأتي تصريحات الجبير لتضع حدا للتصعيد التركي الذي لا يهدأ في قضية مقتل خاشقجي ولتقطع الطريق على سياسة الابتزاز التي دأبت أنقرة على انتهاجها في أكثر من ملف على غرار قضية اللاجئين السوريين حيث ساومت الاتحاد الأوروبي لانتزاع مكاسب سياسية ومالية وأخرى تتعلق بملف المفاوضات للانضمام للاتحاد.

وسبق لتركيا أيضا أن وظّفت الملف السوري في سياق ابتزاز لا ينتهي على اثر الأزمة الدبلوماسية مع روسيا على خلفية إسقاط قواتها طائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وتمكنت في النهاية من عقد صفقة مع موسكو أنهت أسوأ أزمة بين البلدين شملت اتفاقيات تجارية واقتصادية وتفاهمات حول الأزمة السورية.

وغيّر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان موقفه من النظام السوري 180 درجة متخليا عن الدوحة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

منذ بداية مقتل خاشقجي كان واضحا أن التصعيد التركي يذهب إلى أبعد من الرغبة في كشف الحقيقة، إلى التوظيف السياسي والابتزاز لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية وأيضا لفك عزلة الحليف القطري

وشكلت صفقة الإفراج عن القس الأميركي أندرو برونسون أحدث حلقة في سلسلة الابتزاز التركي، حيث ساومت واشنطن لإنهاء العقوبات على الاقتصاد التركي وأيضا على تطبيق خارطة منبج السورية القاضية بإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة وتسيير دوريات مشتركة أميركية تركية.   

وفي ملف مقتل خاشقجي كان واضحا منذ البداية أن التصعيد التركي يذهب إلى أبعد من الرغبة في كشف الحقيقة، إلى التوظيف السياسي والابتزاز لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية وأيضا لفك عزلة الحليف القطري.

وحرصت أنقرة على إضفاء المزيد من التشويش على التحقيق في مقتل خاشقجي رغم التعامل السعودي الحازم مع القضية التي وضعتها ضمن أطرها القانونية والقضائية.

ودفعت تركيا وقطر ضمن حملة ممنهجة تستهدف تشويه سمعة السعودية، إلى محاولة تحميل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل خاشقجي، لترسيخ فكرة أن أمر قتل الصحفي السعودي صدر عن الأمير محمد.

لكن كل المحاولات التركية والقطرية باءت بالفشل، فلم تجد أنقرة من خيار إلا التصعيد باتجاه تدويل القضية، الأمر الذي رفضته الرياض بشدّة.

وفي تأكيد لوجاهة التمشي القانوني السعودي، اعتبرت فرنسا اليوم الخميس أن تحقيق النيابة العامة السعودية في جريمة قتل خاشقجي "يسير في الاتجاه الصحيح" مع الإعلان عن إحالة مشتبه بهم إلى القضاء.

وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية انييس فون دير مول إن إعلان السلطات السعودية عن إحالة موقوفين "في إطار التحقيق السعودي يسير في الاتجاه الصحيح"، مضيفة "سنستمر في درس بدقة وعناية تبعات هذه العملية".

وتابعت "التحقيقات الجارية خصوصا من قبل المدعي السعودي وأيضا أشخاص آخرين يجب أن تكشف بشفافية كافة الوقائع".

وقال وكيل النيابة العامة السعودية شعلان الشعلان في مؤتمر صحافي في الرياض إن النيابة طلبت الإعدام لمن "أمر وباشر جريمة القتل" وعددهم خمسة أشخاص، من بين 11 وجهت إليهم تهما في القضية.