السعودية تنتهج سياسة تصفير الأزمات لدعم التحولات الاقتصادية

المملكة تتحرك بثبات نحو تسوية الأزمة اليمنية بعد اتفاق أنهى سنوات من القطيعة مع إيران وقبله مصالحة مع تركيا ومؤخرا مع دمشق، بينما تخطط للتحول إلى مركز مالي عالمي.

الرياض - تتحرك السعودية بثبات على مسار تصفير المشاكل والأزمات من أجل إعطاء دفعة أقوى لمشاريع واعدة وطموحة تراهن عليها لإحداث نقلة نوعية في مختلف المجالات وهو ما يفسر إلى حدّ كبير تعديل بوصلتها صوب مصالحات إقليمية وتسويات كتلك التي أنهت سنوات من القطيعة الدبلوماسية مع إيران وقبلها مع تركيا رغم أن أنقرة كانت من بادر بتصحيح مسار العلاقات مع الرياض ثم مؤخرا مع دمشق حيث تجري ترتيبات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وغادة فتح سفارتي البلدين بعد 10 سنوات من القطيعة.

وتتصدر تسوية الأزمة اليمنية وانهاء الصراع الدموي الأجندة السعودية، حيث أن حل النزاع ووقف اطلاق النار واطلاق حوار يميني يمني هو مفتاح الاستقرار الذي ترغب المملكة بلوغه.

وبعد ثماني سنوات على أولى ضربات حملتها العسكرية في اليمن دعما للشرعية، تسعى السعودية إلى دفع جهود التسوية السلمية في اليمن والتركيز على مشاريعها الطموحة في الداخل، رغم الآمال الضئيلة في تحقيق سلام دائم في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.

وقد تجد السعودية في اتفاق استئناف العلاقات مع إيران التي تدعم الحوثيين في اليمن وتتّهمها الرياض بتهريب السلاح لهم، زخما لمسعاها لإنهاء ما كان يبدو على مدار السنوات الماضية حربا بالوكالة بين القوتين الإقليميتين.

ويقول الخبير في معهد 'مجموعة الأزمات الدولية' أحمد ناجي إنّه في وقت تحرص فيه السعودية على إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة في المملكة، تسعى أيضا "إلى تحويل نهجها في اليمن من إستراتيجية عسكرية إلى إستراتيجية أمنية وسياسية ناعمة".

ويرى ناجي أنّ "العمليات العسكرية مثل الضربات الجوية" قد تتوقّف الآن على الأرجح، موضحا أن الأولوية هي "للحل الدبلوماسي".

وبدأ التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري في 26 مارس/اذار 2015 بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وزحفهم نحو مناطق أخرى في البلد الفقير.

وقُتل مئات الآلاف من الأشخاص لأسباب مباشرة وغير مباشرة، فيما نزح 4.5 ملايين شخص داخليا، وأصبح أكثر من ثلثي السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

وأدّى وقف لإطلاق النار توسّطت فيه الأمم المتحدة بين أبريل/نيسان الماضي وأكتوبر/تشرين الأول إلى انخفاض كبير في الأعمال القتالية.

وقبل انتهاء الهدنة، كانت المملكة بدأت بالتفاوض مع الحوثيين عبر قنوات خلفية، بينها محادثات جرت بين الطرفين في سلطنة عمان المجاورة.

ويقول محللون إن أولوية الرياض حاليا تأمين المناطق الحدودية ووقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة المفخخة التي استهدفت منشآتها النفطية المهمة.

ويقول ناجي "تتفاوض السعودية حاليا مع الحوثيين للتوصل إلى تفاهمات تمكّنها من تأمين أراضيها الحدودية مع الحفاظ على نفوذها" في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.

وتابع "هذا النهج الجديد قد يمكّن السعودية من الحفاظ على موقعها كلاعب رئيسي في السياسة الداخلية اليمنية، لضمان عدم تأثّر المملكة بالتهديدات الأمنية في حالة استمرار الصراع على المستوى المحلي".

وكان الهدف المعلن للتدخل السعودي هو حماية المدنيين من هجمات الحوثيين واستعادة الحكومة سلطتها ومنع اليمن من أن يصبح ملاذًا للقوات المدعومة من إيران.

لكن بعد ثماني سنوات لا يزال المتمردون يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد ويمتلكون ترسانة كبيرة من الأسلحة التي استخدموها أيضا في هجمات صاروخية على السعودية والإمارات، العضو الآخر المهم في التحالف. وصمد الحوثيون طيلة السنوات الماضية بفضل دعم إيراني كبير بالمال والسلاح.

ويهدّد استئناف هذه الهجمات مسعى السعودية للتحوّل إلى مركز للأعمال والسياحة والترفيه والرياضة، في إطار خطة تنويع الاقتصاد لوقف الاعتماد كليا على النفط التي تنفذها.

وتقوم المملكة المحافظة التي ظلت منغلقة لعقود ببناء مدينة نيوم المستقبلية بقيمة 500 مليار دولار، والكثير من المنتجعات والمعالم السياحية.

ويقول خبير سياسي منخرط في المفاوضات بين الرياض والحوثيين مشترطا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل التحدث للإعلام، "هناك تركيز كبير في السعودية الآن على التنمية والسياحة والمشاريع الضخمة".

وبالنسبة للرياض، هناك مخاوف من أن "أي شيء ينطوي على صراع" سيضرّ بالاستثمار والاستقرار.

ويذكر الخبير أنّ المحادثات غير الرسمية مع الحوثيين تنضج الآن لتتحوّل إلى "تفاهم" محتمل يمكّن أن يمهّد الطريق لدور عسكري سعودي أقلّ حجما قبل الحوار اليمني بين أطراف النزاع الداخلية برعاية الأمم المتحدة.

وقال "هم يريدون الانتقال من شكل من أشكال التفاهم السعودي-الحوثي، إلى القدرة على تسليم هذا التفاهم لعملية أوسع للأمم المتحدة. (...) يسعون لغسل أيديهم وتجنّب تداعيات أي تصعيد مستقبلي في الصراع".

وأكدّ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذا الشهر خلال زيارة إلى موسكو وجود "جهود للوصول أولا إلى وقف إطلاق نار دائم ومن ثم إطلاق عملية سياسية بين الأطراف اليمنية تنهي هذه الأزمة". وقال "سوف نستمر في هذا الحوار وهناك حوارات عبر مسارات متعددة".

وفي المقابل، تخشى جهات يمنية أن يأتي أي اتفاق إيراني-سعودي على حساب السلطة، كأن تنسحب المملكة من النزاع وسط ضمانات بعدم استهدافها وتترك الحكومة وحدها في مواجهة المتمردين الذين كادوا أن يسيطروا على كامل البلاد لولا التدخل السعودي في مارس/اذار 2015، لكن مصادر أخرى استبعد تماما هذا السيناريو.

وقال مسؤول سعودي طلب عدم ذكر اسمه إن المملكة "تشترك في حدود طويلة مع اليمن وبالتأكيد لن نتسامح مع أي تهديد لأمننا".