السعودية تنهي عصر الأموال السهلة للمستثمرين الأجانب
الرياض - على مدى معظم العقد الماضي، كانت السعودية نقطة جذب كبيرة لصانعي الصفقات والمصرفيين ومديري الأصول الباحثين عن رأس المال، حيث انطلق صندوق الثروة السيادي السعودي بقدرة إنفاق على الاستثمارات العالمية تبلغ مليارات الدولارات، لكن المملكة اليوم تعيد تقييم أولوياتها وحقبة النظر إليها كمصدر للأموال السهلة تقترب من نهايتها.
وتقول صحيفة الفايننشال البريطانية في تقرير الاثنين، أن صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، حول التركيز إلى المشاريع المحلية الضخمة، ويشعر مديرو الصناديق والمصرفيون والشركات التي سعت إلى زيادة رأس المال في المملكة يشعرون بالفعل بآثار التحول.
ويقول رجال أعمال إن المسؤولين السعوديين وضعوا الكثير من الشروط على التفويضات، وغالباً ما يطالبون بتعيين موظفين محليين، وعلى الأقل استخدام بعض التمويل للاستثمار في الشركات والمشاريع المحلية.
وصرح مصرفيون إن آخرين قيل لهم إنه لكي تلتزم الرياض بتقديم أموال جديدة، فإنها تريد أن ترى إعادة الاستثمار في المملكة. وأوضح أحد المطلعين على صندوق الثروة "لقد أصبح الأمر أكثر من مجرد حديث".
السعودية ضخت عشرات المليارات في أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية، وملياري دولار في مشروع للأسهم الخاصة أنشأه جاريد كوشنر صهر دونالد ترامب.
وحصلت شركة إدارة الأصول الأميركية "بلاك روك" على مبلغ 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة لتأسيس شركة استثمارية جديدة في الرياض، والتي أعلنت عنها في أبريل/نيسان. لكن تفويضها يركز في المقام الأول على تطوير أسواق رأس المال في المملكة.
وانخفضت الأسهم المتداولة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي في الولايات المتحدة من نحو 35 مليار دولار في نهاية 2023 إلى 20.5 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران. وشمل ذلك بيع حصتها في "بلومبيرغ" و"جينا مون" و"بلاك روك". والتخلص من ممتلكاتها في شركة كارنيفال، شركة الرحلات البحرية، ومجموعة الترفيه لايف نيشن.
وقال صندوق الاستثمارات العامة في بيان لصحيفة فايننشال تايمز إن لديه "عملية استثمار قوية"، مما يسمح له "باختيار الشركاء والمستشارين الأكثر ملاءمة". وأضاف أن "الاستثمارات التي يقوم بها الصندوق تمر عبر عملية تتألف من لجان متعددة وتركز على قطاعاته الرئيسية، وفقا لتفويض الصندوق واستراتيجيته".
وأفاد مصرفيون إن الشركات لم تعد تشق طريقها إلى أبواب الرياض بحثا عن النقد بالوتيرة التي كانت عليها من قبل. وقال مصرفي مقيم في دبي "لقد انخفض اهتمام العملاء بشكل ملموس، ويرجع ذلك جزئياً إلى أننا نقوم بالفحص بعناية أكبر، وجزئياً لأنه لم يكن هناك قدر هائل من النجاح من هذه الجهود والعروض الترويجية". مضيفا "يدرك الناس أن الأمر لا يتعلق فقط بالحضور وتوقع الشيك."
ويقول التقرير إنه تناقض ملحوظ مع السنوات الأولى للتحول الدراماتيكي لصندوق الاستثمارات العامة من شركة قابضة حكومية نائمة تمتلك أصولًا تحت الإدارة تبلغ نحو 150 مليار دولار في عام 2015 إلى واحد من أكثر الصناديق السيادية نشاطًا وطموحًا في العالم.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو الذي قاد عملية الإصلاح، وقد تولى منصب رئيس الصندوق في عام 2015، وأعطاه مهمة توجيه خطط الرياض البالغة قيمتها تريليون دولار لتنويع الاقتصاد وإبراز المملكة على المسرح العالمي.
وبينما سعت السعودية إلى بناء الاستثمار الأجنبي بسرعة من الصفر تقريبًا إلى هدفها المتمثل في 24 في المئة من محفظتها، وأبرمت سلسلة من الصفقات رفيعة المستوى، بما في ذلك ضخ 45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك في عام 2016 و20 مليار دولار في صندوق بلاكستون للبنية التحتية في العام التالي.
وفي السنوات التي تلت ذلك، قامت بضخ الأموال في مجموعة متنوعة من القطاعات من شركة صناعة السيارات الكهربائية لوسيد إلى مشروعها المثير للجدل "ليف غولف"، وهي مجموعة السفن السياحية، والتعدين، والأصول الرياضية، وشركات الألعاب.
كما ضخت عشرات المليارات في أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية، وضخت ملياري دولار في مشروع للأسهم الخاصة أنشأه جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب.
صندوق الاستثمارات العامة يهدف إلى استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويًا في المملكة حيث يشرف على سلسلة من المشاريع العملاقة بينما يقوم بتطوير صناعات جديدة في السياحة والرياضة والتعدين والتصنيع.
وتزامنت كثافة النشاط مع تشديد السيولة في أجزاء أخرى من العالم، مما ميز السعودية ودول الخليج الأخرى الغنية بالنفط كمصادر للتمويل.
وتزايدت هذه النظرة بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، مما أدى إلى طفرة في الخليج وساعد السعودية على تحقيق فائض في الميزانية في عام 2022، وهو الأول منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
لكن منذ ذلك الحين، خفضت المملكة إنتاج النفط في محاولة لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط الخام. وأدى ذلك إلى الإضرار بالإيرادات الحكومية وأعاد الميزانية إلى العجز حيث تواجه الرياض التزامات مالية ضخمة لتمويل خطط التنمية. ويقول مصرفيون إن الصفقات تعثرت أيضا.
وقال مصرفي استثماري مقيم في لندن "الآن أصبحت القبضة مشدودة وتتراجع نحو البلاد، إنها جزء من استراتيجية النضج. لم يكن من الممكن أن يستمروا على هذا النحو إلى الأبد".
وأكد المسؤولون السعوديون إن طموحات المملكة لم تتغير، ولا يزال هناك نشاط كبير يجري مع استمرار العمل في سلسلة من المشاريع العملاقة. لكن وزير المالية محمد الجدعان قال في مؤتمر في أبريل/نيسان إن الرياض "سوف تتكيف" كما هو مطلوب. وأضاف "سنمدد بعض المشاريع، وسنقوم بتقليص حجم بعض المشاريع، وسنقوم بتسريع بعض المشاريع".
وأضاف مسؤول تنفيذي في شركة لإدارة الأصول مقرها الولايات المتحدة أن الأمير محمد كان يركز على بناء البنية التحتية. وأضاف "لقد تحولت السعودية بشكل هادف إلى مشاريع النمو المحلي، لديهم طموح جريء لما يريدون أن يصبحوا عليه."
وقال مصرفي آخر مقيم في لندن إن توقعات التمويل "ليست مريحة كما يريدون، لذلك عليهم اتخاذ بعض الخيارات الصعبة". وأضاف "هذا أمر معقول، لقد أصبحوا أكثر نضجًا قليلاً، ولن يتعرضوا للإفلاس. لكن هذا يعني أنها أقل ربحية بالنسبة للمصرفيين".
وأضاف أن التحول في الوتيرة كان "مسألة دورية" تماشيا مع انخفاض عائدات النفط، قائلا إن جاذبية السعودية على المدى الطويل "لا تزال قوية للغاية لأن أمامها الكثير من العمل الذي يتعين عليها اللحاق به من منظور التنمية".
ونقل التقرير عن مطلع على بواطن صندوق الاستثمارات العامة قوله إن الصندوق كان يركز أكثر على الاستثمارات الاستراتيجية على عكس السنوات الأولى من تحوله عندما كان "يتطلع إلى انفاق الأموال بسرعة في مجالات معينة".
وقال مسؤول تنفيذي سعودي "هناك توقف فيما يتعلق بالإنفاق، وبالتأكيد لن تكون الاستثمارات العالمية موجودة بشكل كبير خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة". وأوضح أنه ستكون هناك استثناءات، خاصة في المجالات التي تعتبر ذات قيمة مضافة للمملكة، مثل التصنيع والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وتابع المسؤول التنفيذي "إنهم يتحدثون للبنوك، إنها لحظة مفصلية للغاية".
ويستمر الإنفاق في الداخل، حيث يهدف صندوق الاستثمارات العامة إلى استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويًا في المملكة حيث يشرف على سلسلة من المشاريع العملاقة بينما يقوم بتطوير صناعات جديدة، بما في ذلك السياحة والرياضة والتعدين والتصنيع.
ويتعين على الرياض أيضًا الاستعداد كمضيف لسلسلة من الأحداث الدولية، بما في ذلك كأس آسيا لكرة القدم في عام 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029، ومعرض إكسبو 2030. بالإضافة إلى ذلك، فهي الدولة الوحيدة التي تقدم عرضًا لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034.
وأضاف المصرفيون أن الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة – بما في ذلك شركة الطيران الجديدة الرياض للطيران، وكيان الألعاب سافي وشركة التعدين معادن – تقوم بمعظم الاستثمار بنفسها في سعيها لتحقيق أهدافها الخاصة.
وقال المصرفي المقيم في دبي "هناك الكثير من النشاط في شركات محفظة صندوق الاستثمارات العامة، وليس على مستوى صندوق الاستثمارات العامة".
وأضاف أن "محافظ" المصرفيين ستتحول أكثر من الصفقات الاستثمارية إلى التمويل مع قيام الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة بجمع الديون - وقد جمعت الرياض بالفعل حوالي 37 مليار دولار هذا العام. وأضاف "هذا ليس بالضرورة تغييراً في الاستراتيجية، بل هو تطور".