السيتكومات المغربية: نسبة المشاهدة العالية لا تعني أنها إبداعية

فن كوميديا الموقف في الإنتاجات الرمضانية ينقلب على صانعي هذا النوع من الفنون ويجعل الجمهور يسخر من مواضيع باهتة لا ترقى إلى مستوى ذوق شعب هزلي بطبيعته.

الرباط - تُعتبر المسلسلات الكوميدية أو ما يعرف بـالسيتكوم الرمضاني، أحد الفنون الاكثر شعبية وشهرة في التلفزيون المغربي من حيث الإنتاج، إذ أنها المهيمنة بين فترات الإفطار ضمن جدول البث، وفي التسعينيات عرفت كوميديا الموقف أو السيتكوم على القنوات الوطنية، بأعمال مثل "عائلة سي مربوح" و"أنا وخويا ومراتو" لسعيد الناصري، و"سير حتى تجي" لمحمد الجم، و"لالة فاطمة" للراحل سعد الله عزيز وزوجته الراحلة خديجة أسد.

وتُعتبر "لالة فاطمة" من أكثر السيتكومات المغربية نجاحًا حتى الآن، من حيث الابتكار التقني وانتقاء المواضيع، ورغم نجاح التجارب الأولى، لم تستطع السيتكومات الحديثة أن تحقق تقدمًا أو أسلوبًا مختلفًا، إذ بقيت تكرر نفسها كل عام مع نفس الوجوه واللعب بالمواضيع.

ويشكل السيتكوم الرمضاني روح القنوات الوطنية في هذه الفترة، إذ يؤثر على نسبة تحقيق نجاحها على مدار السنة، كما يبرز أيضا طريقة الإدراك والاقتراب من الواقع الاجتماعي بحضوره السنوي الدائم كوسيط يشغل حيزًا هامًا من المشهد الإعلامي المغربي.

ويبرز السيتكوم قوة ثقافية هائلة تسخر من المجتمع المغربي بالمواقف الكوميدية الهادفة، واليوم في رمضان 2024 نشاهد مواضيع لا ترقى إلى مستوى الجمهور المغربي الذي بات يشكل قاعدة جماهيرية ناقدة في الشأن الفني، إذ يختار بعناية ماذا يشاهد ولماذا يشاهد ومن أجل ماذا يشاهد.

ورغم تسارع الإنتاجات التلفزيونية المغربية في هذا النوع من الفن، إلا أن هذه الاخير لم تصل إلى ذلك المستوى الذي بلغته السيتكومات الأولى في بدايتها، فرغم التقدم التكنولوجي على مستوى الصورة وتقنيات التصوير تبقى الكتابة رديئة في هذا الصنف، وكأنها لتلاميذ صف السادس الابتدائي، فلم تقم حتى بمحاولة لدراسة الواقع الاجتماعي المغربي وميولاته، وجماليات الأنواع التلفزيونية التي يحبها  بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية والسياسية.

ونأخد على سبيل المثال اللغط الاخير حول سلسلة "ولاد ايزة" للمخرج إبراهيم الشكيري، حيث تحكي قصة الأرملة القوية "يزة"، التي كرست حياتها لتربية ابنها "علي" منذ وفاة زوجها، لكن تتبدل الأوضاع عقب وصول ابنها الثاني "مراد" وزوجته من فرنسا.

والعمل من تأليف أمين أسماعيل، ودنيا بوطازوت، ويشارك في الأداء كل من دنيا بوطازوت، وفتاح الغرباوي، سكينة درابيل، وأحمد الشرقي، وسارة بوعابد، وعبدالحق صالح.

وتظهر هذه  السلسلة بشكل مخزي وفاقدة للأصالة، إذ تقدم الحلقات بطريقة سطحية وخالية من أي قيمة فنية أو مضمون تعليمي، وليست المشكلة فقط في فكرة السيناريو، بل في تنفيذه أيضًا، فالشخصيات والديكور واللباس والمواقف تتبع نمطية سطحية خالية من الابتكار، كما يتم التعامل مع مواضيع حساسة بطريقة ساخرة ومقززة، مما يتنافى مع  تقديم الفن النبيل الذي يحترم الجمهور.

ولا يُعد هذا النوع من السيتكومات سوى تبذيرا لأموال ضرائب الشعب المغربي، عن طريق تقديم محتوى فني فارغ ومقزز يعكس ضعف الإبداع والتفكير النمطي في المجتمع، كما أن استخدام نفس الوجوه من الممثلين في كل سنة يثير الاستياء، ونلامس فيه أداء تمثيلي باهت.

وفي الجهة المقابلة هناك سيتكومات هادفة مثل سلسلة "صلاح وفاتي" التي تدور أحداثها في حلقات منفصلة ومتصلة حول مغامرات زوجين دائمي الشجار والمشادات، وتحدث بينهما مفارقات كوميدية، والعمل من إخراج محمد أمين الأحمر، وتأليف كل من عبدالعالي لمهر ويوسف الرقاب، ويشارك في الأداء كل من عبد العالي لمهر وفدوى طالب، والذي يُعرض على القناة الأولى.

كما نجد أن سلسلة "الكالة" للكوميدي المغربي باسو التي تعرض على قناة اليوتوب، أفضل بكثير من السيتكومات التي تعرضها القنوات الوطنية، من حيث المحتوى الهادف الذي يساهم في توعية الشعب، ومن حيث طريقة الإخراج والأداء التمثيلي للفنان محمد باسو.

ومن خلال اللغط الذي عرفته السيتكومات وبعض المسلسلات الدرامية هذه السنة، بات من المهم جدًا أن تتدخل الجهات المسؤولة لوقف تدني مستوى الإنتاج الفني في القنوات التلفزيونية المغربية، إذ يجب عليها أن تعيد الثقة إلى المشاهدين من خلال تقديم أعمال فنية ذات جودة وقيمة ترفيهية وتثقيفية تناسب ذائقتهم الرفيعة.

فإذا لم يتم رفع مستوى الإنتاج الفني وتقديم أعمال ذات جودة عالية، فإن الجمهور سيتجه نحو منصات أخرى مثل اليوتوب ومنصات شاهد وغيرها لاختيار ما يروق لهم، فيجب على الجهات المعنية العمل بجدية لتحفيز الإبداع والتميز في صناعة البرامج التلفزيونية المغربية، وتوفير البيئة المناسبة لنمو هذا القطاع الحيوي.