الشراكة في صناعة الفشل


لسوء الحظ أن الفشل السياسي في العراق ليس بسبب الأحزاب الحاكمة ورجال الدين وحدهم، ذلك ما يخجل أن يعلن عنه العراقيون، عما إذا كانوا شركاء في صناعة الفشل.
ليس مستغربا أن يتصرف السياسيون العراقيون كما يفعل رجال الدين

لأن هناك فلسفة سياسية أولية غائبة بشكل مريع، يتحول سؤال ما الذي ممكن أو ينبغي أن يتعلمه السياسيون في العراق اليوم، إلى صدمة مضاعفة عن صدمة الكآبة والازدراء التي تعيشها البلاد.

فمن يدرك منهم قواعد السياسة التاريخية، يعيش أزمة ثقة مع نفسه مع أنه محمي في المنطقة الخضراء، لأنه في وسط لا يمكن أن يكون سياسيا في أي حال من الأحوال، هناك ما هو أبعد يبدأ من نقل تقاليد المسجد إلى الدولة، ولا ينتهي بالتجهيل إلى درجة أن أحد أكبر المسؤولين في الدولة العراقية “هل مازالت توجد بقايا دولة” اعترف في جلسة خاصة، بأن أشد متطرف ولاء إلى إيران يحلم أن يصل في موقعه اليوم إلى أسوأ مراحل النظام السابق باعتبارها إنجازا بالنسبة إليه! في تعبير عن التردي والترهل والفشل المستمر في إدارة الدولة العراقية.

ولأن السياسيين العراقيين بلا عقيدة وطنية، الوطن بالنسبة إليهم مجرد خرافة طائفية راقدة في التاريخ، لذلك تنتهي شجاعتهم في العمل بإيقاظ الخرافة، لا يستطيعون أن يجدوا الإلهام سوى في تلك الخرافة لتحسين السياسات المستمرة بالفشل.

ليس مستغربا في عالم السياسة في العراق اليوم أن يتصرف قادة وزعماء، تقول الفكرة من الوهلة الأولى إنهم منتخبون، كما يتصرف رجال الدين.

لا أشك أنهم يفكرون بالوسيلة التي تعيد صياغة فكرة القيادة السياسية في وقت تتعرض فيه ثقة العراقيين بهم إلى الاهتراء، لكنهم عاجزون عن التعلم من أي حقيقة غير الماضي الذي يعيشون في جلبابه.

خذ مثلا أحدهم عندما تقلد أرفع المناصب في الحكومة العراقية قادما إليه من خبرة حياة وعمل ومعيشة امتدت إلى أكثر من ثلاثة عقود في الغرب، لم يستطع التخلص من إحساس أنه غادر الحسينية التي كانت في زقاق بيتهم القديم فعليه العودة إليها والاحتفاء بها، لذلك ارتد طائفيا مع أنه قادم لإدارة الدولة من متحف كبير اسمه لندن أو باريس أو نيويورك.

ليست لديهم مشكلة في موضوع صعوبة إرضاء الشعب، لأنهم لا يفكرون بذلك أصلا، فالولاء للمذهب فوق أي اعتبار حتى إذا تسبب بالموت المجاني. الشعب يموت من أجل المذهب تلك حقيقة ناجزة لا يمكن التراجع عنها. أما ماذا سيحل بهم عندما يجثم الجوع والتهميش وانعدام الحياة الكريمة وعدم الشعور بسقف حام للوطن، ذلك ما سيجيب عليه انفجار قدر الضغط الكاتم بين العراقيين على فكرة حماية المذهب المرتفعة أسهمها لحد الآن.

ما يحدث في العراق السياسي اليوم هو نقيض ما يرتبط باسمه، ولسوء الحظ بأن الفشل الذي يغلف المشهد برمته، ليس بسبب الأحزاب الحاكمة ورجال الدين وحدهم، ذلك ما يخجل أن يعلن عنه العراقيون على الأقل أمام أنفسهم، عما إذا كانوا شركاء بطريقة أو بأخرى في صناعة الفشل.