الشرعية اليمنية وسقوط الأقنعة الحزبية

لا يمكن تحرير اليمن من الانقلابيين عن طريق محاصصة باسم الشرعية.

بين أزمات أمنية واقتصادية، تتجدد معاناة اليمنيين المستمرة، وبالرغم من رفع السلطة الشرعية لشعارات العمل الدءوب على تحقيق الأمن والاستقرار، إلا أن رقعة الفساد السياسي والإداري والمالي اتسعت، وتم تقويض بناء وظهور مؤسسات الدولة الحديثة.

تشكلت في جسد الشرعية اليمنية شبكة من مراكز النفوذ، ذات مصالح خاصة، منحت تغطية شرعية وسياسية؛ لتصل مواقع متقدمة في سلم الشرعية، محققة لها عائدات اقتصادية ضخمة ومشاريع استثمارية كبرى، وظهرت طبقة جديدة من المسؤولين، الذين لبسوا قميص الشرعية، وقدموا من الأحزاب والمتنفذين ومراكز القوى، على أنهم رجال المرحلة، والأجدر برعاية شؤون المواطن اليمني وقيادة مواجهة الانقلاب، لكنهم وجدوها فرصة ثمينة؛ لجني الأموال وزيادة فرص تسلقهم لمواقع السلطة العليا. أولئك المسؤولون يستمدون بقاءهم ليس من رضا المواطن عنهم، فهم بعيدون عن همومه واحتياجاته بآلاف الأميال، بل من انخراطهم في صف الشرعية المسنود بدعم شبكة نفوذ عميقة، تتخادم معهم، وتحول دون المخلصين في استرداد الدولة والوطن المسلوبين؛ لأن في ذلك ضربا لمستقبلهم السياسي ومساسا خطيرا بمكاسبهم.

استغلت الأحزاب مقاومة كثير من اليمنيين للانقلاب، وفرضت نفسها قائدة للمقاومة، جانية من وراء ذلك حصد أكبر قدر من التعيينات لكوادرها، فحرفت بوصلة النضال إلى نضال؛ لتقوية نفوذها داخل مؤسسات الشرعية، وتحسين الوضع الاقتصادي والإداري لقيادات صفها الأول والقيادات الوسطى. نجم عن ذلك صراع محموم بين الأحزاب، بررته بوجود اختلافات سياسية، لكنه في حقيقة الأمر يعزو إلى احتدام صراعها حول غنائم سلطوية واقتصادية، تعتقد أنها هي التي تكفل لها الحضور الفاعل في المشهد السياسي والتأثير على الرأي العام وتوجيهه بما يخدم أهدافها.

مؤسسات السلطة الشرعية المدارة عن طريق المحاصصة والتقاسم بين حلفاء الشرعية، لا يستفيد منها سوى الأحزاب وشركائها ومراكز القوى القبلية والمناطقية، إذ أن الشرعية وحلفائها تستخدم في الوظيفة العامة سلاح الابتزاز، فتمنح في هرمها الوظيفي درجات الصف الأول وما يليه، أما لكسب مواقف مساندة لها، أو لإسكات معارض لها، دون أن يكن هناك أي حضور لمعايير النزاهة والكفاءة؛ ولذلك أصبح جل من حولها من الفاسدين والمطبلين، إما حبا في السلطة أو رغبة في عطائها! والذين لا تحكمهم المبادئ، يحتكمون لقاعدة من يكسب؟! إن كان من معارضيهم شجبوا ونددوا، وإن كان من مؤيديهم أيدوا وساندوا.

تزعم الأحزاب أن مواقفها نابعة من خوفها على الوطن، ووقوفها أمام مؤامرات الأعداء، وحرصها على وحدة الصف، غير أن تلكم المواقف يتقاطر منها لعاب الطمع على ما هو حق للجميع، ولذلك فهي لا تفتأ تشكك باستمرار في مواقف الآخرين، وتدعي الوطنية وترمي الآخرين بالعمالة؛ لتغطي فشلها الذريع في المساهمة في تقديم نموذج مشرف لسلطة يحترمها ويثق فيها اليمنيون.

إن إدارة وضع كالذي يمر به اليمن، يحتاج لأحزاب جسورة، لا تتجاهل أو تستهين بالآخرين، تتحمل المسؤولية معترفة بالخطأ، مقدمة حلولا جذرية لا سرابا وحلولا شكلية، تتنازل عن المغانم الحزبية العائقة أمام مشروع الدولة الحديثة، تسعى لمحاسبة من انتفخت كروشهم ونمت أرصدتهم على حساب القضايا الوطنية، وعليها أن تعي أن ثمة فرق بين أن تكن أحزابا وطنية من أجل الوطن، أو أن تكن أحزابا من أجل مصلحتها المودية بالوطن! وأن تدرك أنه لا يوجد أسوأ من ساسة لئام، لا يوحدهم عدو، يحملون الوطن في جيوبهم! عاجزين عن حمله على أكتافهم! يختلفون في تقاسم الكعكة الصغيرة، فأنى لهم حماية الكعكعة الكبيرة؟