'الشعر الأردني الفصيح' توثيق جديد لفاطمة بوهراكة

كتاب '25 عامًا من الشعر الأردني الفصيح 1999-2024' يوثق إبداعات 247 شاعرًا وشاعرة في عهد الملك عبدالله الثاني، مساهمًا في حفظ الذاكرة الأدبية المحلية ويأتي ضمن مشروع موسوعي أوسع يشمل التوثيق الشعري في مختلف الدول العربية.

عمّان - في زمنٍ تتدفّق فيه المعلومات والمعرفة الرقمية، تزداد أهمية التوثيق الأدبي كمرتكزٍ أساسي للحفاظ على الذاكرة الثقافية، وكمنارةٍ تهدي الباحثين والمهتمين في دروب الإبداع المتشعبة. وفي هذا السياق، يبرز الإصدار الجديد "25 عامًا من الشعر الأردني الفصيح 1999-2024، في عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين" كواحد من المشاريع التوثيقية الرائدة التي تُسهم في إثراء المكتبة الأردنية والعربية، وهو عملٌ يأتي تتويجًا لجهودٍ كبيرة بذلتها الباحثة المغربية والشاعرة فاطمة بوهراكة.

الإصدار الجديد هو الثالث عشر في المسار التوثيقي للباحثة، وقد أهدته إلى صاحب الجلالة الأردني، وشمل بين دفّتيه 247 شاعرًا وشاعرة من الأردن، "عاشوا داخل الأردن أو خارجه، خلال فترة حكم الملك عبدالله الثاني ابن الحسين"، كما كتبت بوهراكة في مقدمة الكتاب. وأضافت: "ويرجع سبب اختيار هذه الفترة الزمنية إلى مشاركة الشعب الأردني الاحتفاء بالذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عرش أسلافه المنعمين، وبلوغ العرش الهاشمي أوجَه مع استمرارية التطور الكبير الذي عرفته المملكة الأردنية الهاشمية في عهد جلالته، والذي يعتبر امتدادًا لكل ملوكها منذ التأسيس إلى يومنا هذا. كما شهدت فترة حكم جلالته تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية انعكست بشكل واضح على الشعرية الأردنية التي امتزجت بجنسيات أخرى، فشكّلت إرثًا شعريًّا جديدًا ومختلفًا عن سابقيه. ليس الغاية من تأليف هذا الكتاب، تتابع بوهراكة، تجويد الحركة الشعرية الأردنية الفصحى أو اختيار الأسماء الشعرية المعروفة، بل الهدف منه خلق مرآة توثيقية شفافة تحاول تصوير واقع الشعر الأردني خلال الفترة الزمنية المختارة، وحشد كل التجارب الشعرية الأردنية المشهورة والمغمورة على حدٍّ سواء."

إن التوثيق في عصرنا لم يعد مجرد ترفٍ أكاديمي أو عملٍ ثانوي، بل بات ضرورةً حتمية تمليها طبيعة العصر الرقمي وسرعة التغيير. وغياب التوثيق المنهجي يعني ضياعًا محتملًا للإرث الإبداعي، وتشتتًا للجهود الفردية، وصعوبةً في تتبع مسارات التطور الفني والأدبي. في ظل انفجار المعلومات، يصبح التوثيق هو المرشح الذي يجمع الشتات، وهو الفهرس الذي يرشد إلى الجواهر الثمينة.

من الوظائف التي يضطلع بها التوثيق صون الذاكرة الثقافية؛ فهو الحصن المنيع الذي يحمي المنجزات الأدبية من النسيان والانجراف في تيار الزمن. وبدونه، قد تضيع أعمال شعراء كبار وتتلاشى مساهماتهم.

وكذلك هو رافدٌ للبحث العلمي، فالتوثيق المنهجي مادةٌ خام غنية للباحثين والنقاد، تمكنهم من تحليل الظواهر الأدبية، وتتبع تطور المدارس والاتجاهات، ودراسة التأثيرات المتبادلة بين الثقافات والشعوب.

كما أنه يساهم في تعزيز الهوية الثقافية؛ فمن خلال توثيق الإبداع المحلي، تُسهم هذه الأعمال في ترسيخ الهوية الثقافية للمجتمعات، وتعزيز الانتماء، وتقديم صورة واضحة عن مساهماتها الحضارية. وعندما تُجمع الأعمال الشعرية وتُفهرس وتُحلل، تصبح مصدر إلهامٍ للأجيال الجديدة من الشعراء والكتاب، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة للإبداع والمحاكاة والبناء على ما سبق.

إن إنجاز عمل توثيقي بحجم "25 عامًا من الشعر الأردني الفصيح" أو أي موسوعة أخرى، ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق. إنه يتطلب جهدًا جبارًا يمتد على مراحل متعددة، وينطوي على تحدياتٍ جمّة منها:

التنقيب وجمع المادة: تتطلب هذه المرحلة بحثًا مكثفًا في الدوريات القديمة، والمجلات، والملاحق الثقافية، والدواوين المنشورة وغير المنشورة، وحتى المخطوطات. إنه أشبه بعمل "آركيولوجي" أدبي، حيث يُنبش في طبقات الزمن لاستخراج النصوص المنسية أو المجهولة.

التصنيف والتبويب: بعد جمع المادة الهائلة، تأتي مهمة التصنيف الدقيق وفق معايير منهجية زمنية، جغرافية، موضوعية، فنية، وهو ما يتطلب فهمًا عميقًا للشعر وحركاته واتجاهاته.

التحقيق والتدقيق: لا يقتصر الأمر على الجمع، بل يتطلب العمل التحقيقي التدقيق في النصوص، والتأكد من صحة نسبتها، ومراجعة البيانات البيوغرافية للشعراء، وهو ما يستدعي تواصلًا مباشرًا أحيانًا مع الشعراء أنفسهم أو ورثتهم.

الصياغة والتحرير: يتوجب على المؤلف صياغة المقدمات، والمداخل الخاصة بكل شاعر، والتحليلات الموجزة بأسلوب علمي رصين ولغة بليغة، مع الحفاظ على الموضوعية والحياد.

المتابعة والتحديث: في المشاريع الموسوعية المستمرة، يصبح التحديث الدوري ضرورةً لمواكبة الجديد وإضافة ما يستجد من إبداعات.

وتُعد فاطمة بوهراكة نموذجًا يُحتذى به في هذا المضمار، فمسيرتها الأدبية والعلمية هي شهادةٌ على إخلاصها للتوثيق الأدبي. لم تقتصر جهودها على مجالٍ واحد أو بلدٍ واحد، بل امتدت لتشمل آفاقًا واسعة في العالم العربي.

فبالإضافة إلى "25 عامًا من الشعر الأردني الفصيح"، وثّقت للشعر في العديد من البلدان العربية، ومن أبرز أعمالها الموسوعية:

"الموسوعة الكبرى للشعراء العرب 1956-2006"، التي انطلق العمل عليها بتاريخ 1 يوليو/تموز 2007، وتم إصدارها كمجلدٍ شمل 2000 شاعرٍ وشاعرة عام 2016.

"100 شاعرة من العالم العربي/ قصائد تنثر الحب والسلام 1950/2000"، صدر عام 2017 بأربع لغات: العربية، الفرنسية (ترجمة الأستاذة فاطمة الزهراء العلوي)، الإنجليزية (ترجمة الدكتورة سعاد السلاوي)، الإسبانية (ترجمة الأستاذة ميساء بونو).

"77 شاعرًا وشاعرة من المحيط إلى الخليج (2007/2017)".

"شعراء سياسيون من المغرب (1944/2014)".

"موسوعة الشعر السوداني الفصيح (1919/2019)".

"50 عامًا من الشعر العماني الفصيح في ظل السلطان قابوس (1970/2020)".

"موسوعة الشعر النسائي العربي المعاصر (1950/2020)"، تضم 1011 شاعرة.

"الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح (1867/2011)".

"50 شاعرًا وشاعرة من دولة الإمارات العربية المتحدة (1971/2021)".

"موسوعة الشعر العراقي الفصيح (1932/2022)"، في ثلاثة أجزاء.

"موسوعة الشعر المغربي الفصيح (1953/2023): جذوة عطاء متجددة من ثورة الملك والشعب إلى عهد الملك محمد السادس"، في ثلاثة أجزاء.

"موسوعة الشعر المصري الفصيح (1953/2023)"، في سبعة أجزاء.

كما أُنجزت عنها عدة كتب توثّق مسارها الأدبي والعلمي، منها:

"فاطمة بوهراكة تتكلم بصمت" (باللغة الفارسية) تأليف الدكتور جمال نصاري، طبع عام 2014.

"شراع المحبة"، منشورات شبكة صدانا الثقافية، عام 2014.

"فاطمة بوهراكة: امرأة من ذهب"، تأليف حميد بركي، طبع عام 2018.

"قصائد في رحاب فاطمة بوهراكة: المرأة المؤسسة"، ديوان مشترك لـ 38 شاعرًا وشاعرة من العالم العربي، تنسيق ابتسام البرغوثي، طبع عام 2021.

"أريج الذاكرة في حدائق الإبداع: منهجية التوثيق الشعري عند فاطمة بوهراكة"، تأليف الناقد اليمني د. ماجد قاسم، عام 2024.

"محاكمة فاطمة بوهراكة"، مجموعة قصصية بقلم الأديب المصري عبدالله مغازي، تم توقيعها في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2025.

إن هذا التنوع في التوثيق يدل على رؤية موسوعية لدى بوهراكة، وإدراكٍ لأهمية التكامل بين أجزاء المشهد الشعري العربي، وتقديم صورة شاملة عن الإبداع من المحيط إلى الخليج.

يمثل كتاب "25 عامًا من الشعر الأردني الفصيح 1999-2024" ليس فقط إضافة نوعية للمكتبة الأردنية والعربية، بل هو كذلك شهادة على التفاني والإخلاص في خدمة الثقافة. إنه عملٌ يُسلّط الضوء على قيمة التوثيق كركيزةٍ أساسية لبناء المعرفة، وعلى الجهد المضني الذي يبذله أشخاصٌ كالباحثة فاطمة بوهراكة، الذين يكرّسون حياتهم لجمع وصون الإبداع الأدبي. إن مثل هذه الأعمال هي الإرث الحقيقي الذي تتركه الأجيال للأجيال، ليبقى شعلة الإبداع متقدة، وتبقى الأمة على اتصالٍ دائم بجذورها الثقافية العميقة.

شرح الصورة المرفقة:
فاطمة بوهراكة مع معالي سفيرة المملكة الأردنية الهاشمية السيدة جمانة غنيمات، بمقر السفارة في الرباط، وإهداء لصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني.