الشعوب مقابل الطاقة والأمن على الرف

المتاحف الحزينة التي صار حزب الله يقيمها في لبنان ما هي إلا بشارة بمستقبل فجائعي ستعيشه المنطقة في ظل الهيمنة الإيرانية المطلقة بعد توقيع الاتفاق النووي.
الميليشيات ليست شأنا محليا لكي تغض الولايات المتحدة النظر عنها في حوارها مع إيران
اللعبة الإيرانية تقوم أساسا على تحسين الموقف الأميركي ليبدو أقوى مما هو عليه في الواقع

كل التردد الذي تبديه إيران في مسألة التوقيع على الاتفاق النووي الجديد هو محض لعب يُراد منه الايحاء بأن النظام الإيراني مصر على أن يحصل على تنازلات يعرف أنه لن يحصل عليها من الجانب الأميركي الذي يتعرض لضغوط إسرائيلية.

اللعبة الإيرانية تقوم أساسا على تحسين الموقف الأميركي ليبدو أقوى مما هو عليه في الواقع. فالولايات المتحدة تسعى إلى إقناع حلفائها في المنطقة أنها لن تقدم امتيازات مضافة لإيران لقاء قيامها بالتوقيع على الاتفاق. تلك كذبة يحاول الطرفان الأميركي والإيراني التستر عليها في محاولة للإفلات من الضغوط.

كل ما أرادته إيران قد تم الاتفاق على تنفيذه في ملاحق الاتفاق التي لن يطلع عليها أحد سوى المعنيين بها من الأطراف الموقعة على الاتفاق. العقوبات ستُرفع في إطار زمني في مقابل استمرار إيران في سياساتها العدوانية في المنطقة. هل سيمنع ذلك من تحول إيران إلى دولة نووية؟ ذلك سؤال ينطوي على الكثير من الخداع. فقد لا تكون إيران قد امتلكت ما يؤهلها للانتقال إلى النادي النووي.

الاختراق الإيراني الذي حققته إيران في المنطقة عن طريق ميليشياتها هو الأكثر خطرا. ذلك لأنه يهدد استقرار دول المنطقة وأمنها. ليست دول المنطقة خائفة من السلاح النووي الإيراني الذي لا تزال المعلومات عنه غير مؤكدة. ما يُخيف أن تستمر الميليشيات الإيرانية في العبث بمصائر شعوب لم تعد قادرة على استعادة حريتها بإرادتها.

إسرائيل مهتمة بذلك الجانب أكثر من اهتمامها بالجانب النووي الذي تعرف الكثير عن خرائطه. لا تفعل ذلك حبا بالشعوب اللبنانية والعراقية واليمنية والسورية، ولكن لأنها لا ترغب في أن تكون إيران جارتها التي تفرض عليها خيارات لا تريدها. ما لا يُصرح به عن الضغوط الإسرائيلية انما يكمن في تلك المسألة بالتحديد.

ما دامت هناك ميليشيات إيرانية في الدول المذكورة فإن إسرائيل لن تشعر بالأمان. سعت الولايات المتحدة ولا تزال تسعى أن تعطي إسرائيل ضمانات مستقبلية، ولكنها ضمانات لا يصدقها الإسرائيليون. فالاتفاق النووي سيهب إيران حرية في الحركة ستكون معها قدرتها على تنفيذ سياساتها متاحة أكثر مما مضى. ذلك لأن الاتفاق سيكون ضمانة لإيران أكثر مما يكون للآخرين.

ليست الميليشيات شأنا محليا لكي تغض الولايات المتحدة النظر عنها في حوارها مع إيران. بوجود تلك الميليشيات يمكن لإيران أن تهدد المصالح الأميركية إذا تغاضينا بكل غضب عن مصائر الشعوب التي ما كانت الولايات المتحدة تهتم بها يوما ما. فهل ضمنت مصالحها في مواجهة نظام عدواني سبق له أن قصف منشآت النفط في السعودية ويمكنه أن يعطل طريق الملاحة الدولية في البحر الأحمر ويهدد إسرائيل بصواريخ حزب الله وحماس في لبنان وغزة؟

مهما قيل عن الحسابات الأميركية الدقيقة فإن استرضاء إيران في هذه المرحلة يعد مغامرة خطيرة قد تؤدي إلى أن تسقط المنطقة كلها في دوامة عنف لن تخرج منها بيسر. وهو الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله إيران فهي دولة حرب، السلاح هو أقصى ما يمكن أن تقدمه للدول التي تحتلها. وليست المتاحف الحزينة التي صار حزب الله يقيمها في لبنان إلا بشارة بمستقبل فجائعي ستعيشه المنطقة في ظل الهيمنة الإيرانية المطلقة بعد توقيع الاتفاق النووي.

سيكون توقيع الاتفاق النووي لحظة كارثية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط. لحظة سيئة على مستوى الأمن والاستقرار العالميين. فمنطقة الشرق الأوسط هي قلب العالم. الجغرافيا تقول ذلك كما أن الطاقة والعالم اليوم في أزمة طاقة هي التي تقول كلمتها. ولكن إدارة الرئيس جو بايدن يبدو أنها غير معنية بتلك الحقيقة. وفي ذلك ممارسة للارهاب العالمي سيحدث أثره في المستقبل القريب.

يريدون إيران النفطية لذلك فإنهم يغضون النظر عن سلوكها العدواني. هل ذلك صحيح؟ يمكن أن نصدق أن الغرب في عصره الحالي يمكن أن يضحي بمصائر شعوب من أجل ضمان مصادره من الطاقة. ذلك رهان معقد في ظل شعور المملكة العربية السعودية ودول الخليج بالتهديد الإيراني الذي قد يعرقل إمدادات الطاقة.    

كل ذلك يؤكد حقيقة أن إيران المترددة في توقيع الاتفاق النووي انما هي متلهفة للقيام بذلك غير أنها تلعب دورا مسرحيا مطلوبا منها تسعى من خلاله إلى الايحاء بأنها لم تنل ما تحلم به وأنها قدمت تنازلات من أجل السلم العالمي.