الشوفينية والصحراء وشموخ علم

علم كردستان مصدر قلق لعراق تعود على إنكار حقوق الأكراد، حتى وهم موتى.

موقف خارج الزمان والمكان، جمع بين ذوي ضحايا مقبرة جماعية للكرد مع ضابط في الجيش العراقي، نكا جراحا يريد الكرد لها ان تندمل، لكن يبدو ان الاخرين يأبون لهذه الجراح ان تتعافى.

ففي مشهد مهيب مفعم بالحزن والاسى، اراد اهالي ضحايا تلك المقبرة التي تم اكتشافها في بقعة صحراوية قاحلة في جنوب العراق رفع علم كردستان تأكيدا على انتمائهم القومي الذي كان هو السبب الوحيد في قتل ذويهم، فما كان من ضابط عراقي الا ان اخذته العزة بالاثم وفارت في عروقه دماء الشوفينية، لينبري ويدافع عن "شموخ العراق وعزته وسيادته"، فيأمر بانزال علم كردستان، ويكمل بذلك مشهد الحقد القومي الاعمى الذي بدأه نظام صدام حسين بقتل هؤلاء في ثمانينات القرن الماضي وختمه في 2019 ضابط ينتمي لنظام يدعي انه ديمقراطي.

ترى ما الذي يرعبهم من علم كردستان.. هل هي شمسه التي لا يريدون لها ان ترتفع وسط الظلام الدامس الذي يعيشونه؟

فبالامس رأينا احد افراد الجيش العراقي يحاول منع سيدة كردية من رفع علم كردستان داخل سيارتها في المدينة الكردية كركوك، واليوم يأتي ضابط عراقي ليمنع رفع علم كردستان في بقعة بأقاصي جنوب العراق لم يدع الكرد يوما بانها كردستانية.

افعال وتصرفات مشينة الهدف منها اشباع عقدة النقص التي يعاني منها البعض تجاه شعور التبعية التي يعانون منها في دواخلهم تجاه الاخر سواء كان هذا الاخر ايرانيا او اميركيا، فيحاولون التعبير عن هذا الشعور بالوقوف ضد كل ما هو كردستاني، لتثير علامات استفهام كبيرة مفادها... ما هذا العداء غير المبرر للخصوصية الكردية في دولة يفترض وحسب دستورها بانها فدرالية اتحادية يشارك الكرد بقية المكونات فيها.

لطالما يتهم العرب الكرد بانهم لا يعتبرون انفسهم جزءا من العراق، ولكن يبدو ان العربي وحتى ذلك الذي ينتمي لمؤسسة عسكرية رسمية لا يقر في اعماقه بان كردستان جزء من العراق، والا فما الذي يدفع به لرفض رؤية علم كردستان يرفرف في سماء مدن عراقية غير كردستانية، تماما مثلما يرتفع العلم العراقي في مدن كردستانية؟

ما يدفعنا لدق ناقوس الخطر هو ان اغلب من تبنوا هذا النفس الشوفيني المقيت في الفترة الاخيرة هم اؤلئك الذين ينتمون الى المؤسسات العسكرية، تلك المؤسسة التي ينص الدستور العراقي انها يجب ان تبقى بعيدة عن التسييس والانتماءات. فاذا كان افراد هذه المؤسسة يتعاملون بهذا الشكل مع الخصوصية الكردية، فكيف بافراد فصائل مسلحة ومليشيات وقحة خارجة عن القانون ان يتعاملوا معها، وماذا عن الشارع المغيب وعيا وثقافة؟

يبدو ان الواقع الجيوسياسي قد فرض علينا نحن الكرد بالعيش ضمن حدود دولة تتراجع فيها القيم والمفاهيم الانسانية بدلا من ان تتقدم، وتتراجع فيها المثل النبيلة وثقافة التعايش امام التطرف وثقافة رفض الاخر، لذلك فتمني تعافي هذه الدولة من هذه الامراض امر بعيد المنال ان لم يكن مستحيلا. لذلك فمن الواجب التحرك باتجاه سن قوانين تجبر الفرد العراقي على احترام الخصوصية الكردية في العراق سواء كانت قوانين نبذ الكراهية والعنصرية مثلما طالب بها برلماني كردي يوم امس، او من خلال اعادة النظر بالقوانين الاتحادية المتعلقة بالخصوصية الكردية وتوسيع مساحة التعامل معها لتتحول تلك الخصوصية الى واقع حال لا يستطيع التعدي عليها مستقبلا ضابط او "فالت".