الصاروخ الروسي الزاجل

قرار اطلاق الصاروخ نحو مفاعل ديمونا لا يمكن تصوره دون المرور بموسكو تحت أي ظرف من الظروف، لأسباب تكتيكية واستراتيجية معقدة.
لا فائدة من الحديث عن انزلاق خاطئ للصاروخ
حدث غير مسبوق يحمل رسائل متعددة الاتجاهات والاوزان، ويستطيع كل طرف استغلاله

ان يطلق صاروخ نحو مفاعل ديمونا، هو سابقة في زمانها ومكانها، وهو بالتأكيد ليس حدثا عاديا يمكن ان يمر مرور الكرام، بل اقله تقاطع ظروف استثنائية استغلت بشكل مضطرد وسريع، بدروس دقيقة لا مكان للخطأ فيه. 
فثمة مئات الضربات الإسرائيلية المعلنة في الأراضي السورية على اهداف إيرانية محددة، واحيانا كانت من النوع الاستراتيجي لا التكتيكي، ولم يكن يُردُ عليها، أي بمعنى آخر، كانت تتوفر ظروف كثيرة لإمكانية الاشتباك لكن كان يتم تجاوز ذلك لأسباب مختلفة. الا ان الفترة التي سبقت اطلاق الصاروخ شهدت عدة وقائع، أسهمت في تكوين البيئة المناسبة لتكوين محفزات الرد، أولا  الحدث الأمني في مفاعل نطنز الإيراني غير المسبوق، وسلسلة  الحوادث الاستخبارية الأمنية الإيرانية الإسرائيلية وحتى الأميركية المتبادلة، كل ذلك تقاطع مع محفزات روسية سمحت باتخاذ القرار للرد، لكن في حدود وشروط تحاول التأسيس لمعطيات امنية وعسكرية وسياسية محددة. 
فروسيا من جهتها تعاني ضغطا اميركيا اقتصاديا كبيرا جراء العقوبات المفروضة عليها، وجاءت الضغوط الممارسة في الملف الاوكراني لتزيد النقطة التي ستطفح في كيل التوتر بين البلدين، الامر الذي كان مناسبة روسية لإطلاق رسائل واضحة باتجاه واشنطن، وفي الوقت الذي تحتاج فيه ايران لجرعة من الاستقواء بعد حادثة نطنز، واستمرار المفاوضات مع مجموعة الاتفاق النووي في فيينا، علاوة على اتصالات اقليمية ذات صلة بملفات رئيسة، يمكن ان تؤسس لتفاهمات لاحقة في حال استقرت الرسائل في امكنتها الصحيحة وتم تلقفها بعناية.
وعلى الرغم من العلاقات الروسية الإسرائيلية ذات الطابع الرفيع والذي تحكمه ضوابط منفصلة عن مؤثرات أخرى متصلة بسوريا او ايران او غيرهما، وبصرف النظر عن جنسية الصاروخ الذي اطلق باتجاه ديمونا، فان قرار اطلاقه لا يمكن تصوره دون المرور بموسكو تحت أي ظرف من الظروف، وذلك لأسباب تكتيكية واستراتيجية معقدة لا قدرة لكل من طهران ودمشق على تحمّل تداعياته منفردتين، وكل ما اطلق من معلومات وتفسيرات وتبريرات حول الانزلاق الخاطئ  للصاروخ، امر ليس في موضعه.
ان الحدث غير المسبوق في الظروف الحالية القائمة، يحمل رسائل متعددة الاتجاهات والاوزان، ويستطيع كل طرف معني بما يمكن ان يترك من تداعيات استغلاله وفقا للكيفية التي يريدها، فثمة من اعتبره كبحا لجماح السلوك الإسرائيلي في الملف النووي الإيراني، وثمة من اعتبره إشارة لاعادة ترتيب موازين قوى جديدة، وإعادة تنظيم قواعد اشتباك في أزمات المنطقة المتداخلة، وثمة من فَسَّره نوعا من تعزيز الاتجاه بعدم فتح أي عوامل لحرب إقليمية  محدودة او واسعة على غرار العام 2006،  لكن في النتيجة ثمة قراءات متعددة ومتنوعة  لخلفيات الاطلاق وما يمكن ان يتركه من آثار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من الواضح ان الصاروخ الزاجل اعطى مؤشرات على قيام نموذج غامض ومتروك لأي ظرف وازن مستجد، قوامه ضغوط أميركية باتجاه روسيا، ومشروع انسحاب أميركي وازن من أفغانستان وما يعنيه من انسحاب من حضن روسيا والصين وربما التأسيس لسياسات ملء فراغ جديدة، يقابله مفاوضات إيرانية نووية في فيينا، وإعادة تموضع وتمدد لمشاريع محادثات اقليمية في غير اتجاه. 
وفي أي حال من الأحوال، من الصعب قراءة الحدث دون استذكار اثر صاروخ الكورنيت الذي سمحت به موسكو آنذاك في حرب العام 2006، فهل الصاروخ الروسي الزاجل هيأ او سيهيئ  لصور مختلفة في المنطقة ام هو مجرد حدث عابر ترك المجال للتكرار لاحقا؟ ان الشرق الأوسط وقضاياه لا يحتمل أي انزلاق مقصود او غير مقصود.