الصحافة الغربية تتعامل مع انتفاضة العراق بطريقة غير عادلة


ما يحدث في العراق سيغير وجه المنطقة، ذلك ما تدركه الصحافة الغربية عالية الحساسية، وهو أمر يفترض أن يدفعها إلى المزيد من المتابعة الجادة لإعادة الثقة إلى الشعوب العربية بالإعلام الغربي.
الانتفاضة العراقية ليست قصة إخبارية محلية كي تهملها وسائل الإعلام الغربية، إنها أكبر من توق العراقيين للإطاحة بالحكومة الفاسدة

غابت القصة الحقيقية عن انتفاضة العراق في الصحافة الغربية، فما ينشر ليس أكثر من تقارير إخبارية مكررة تتناولها وكالات الأنباء الدولية بشكل يومي من دون أن تلفت الانتباه إلى الجدل الحقيقي الكامن في مواقف جيل شاب يعيد كتابة التاريخ ولا يمكن للإعلام أن يكون غائبا عن هذه اللحظة الفارقة في المدونة العراقية.

ينصح أحد النشطاء، المتظاهرين بكتابة لافتات باللغة الإنكليزية حتى وإن كانت فيها أخطاء إملائية من أجل إيصال صوتهم إلى العالم، لأن هناك اهتماما أقل بحقيقة الثورة العراقية المتصاعدة في وسائل الإعلام الغربية. الواقع أن هذه النصيحة مفيدة لكنها ليست كافية عندما يتعلق الأمر بوسائل إعلام عالمية لا تبدو مهتمة بما يكفي بثورة العراقيين.

دعوني استدعي مثالين عن أشهر الصحف الأميركية والبريطانية لإعادة قراءة محتوى ما نشر فيهما من تقارير على مدار الأسابيع الماضية، لأنهما الأبرز في تعامل الصحافة الغربية مع الخبر العراقي، كما أن هاتين الصحيفتين تحظيان بمتابعة القراء في مختلف دول العالم ولا يقتصر قراؤهما على الجمهور البريطاني والأميركي.

فمهما فعلت صحيفة نيويورك تايمز وقدمت اعتذارات بحق العراقيين، فإنها لن تمسح أكاذيبها الشنيعة على مدار عقد التسعينات من القرن الماضي، لذلك تبدو حساسية ومسؤولية هذه الصحيفة أنها مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تقدم صورة حقيقية عما يواجهه المتظاهرون العراقيون من قمع حكومي مدعوم من ميليشيات تحركها إيران. على الأقل كي تكفر عن أخطائها حيال العراقيين على مدار أكثر من عقد.

أطالع نيويورك تايمز بشكل يومي تقريبا علني أجد فيها ما يلفت عن العراق الذي يعيد كتابة تاريخه المعاصر، لكنها للأسف تكتفي بتقارير متاحة يقوم بها اثنان من المراسلين، أليسا يوهانسن روبن تمتلك خبرة جيدة عن الواقع العراقي منذ أن عملت مديرة لمكتب نيويورك تايمز في بغداد عام 2007، وهي كصحافية حصلت على جوائز مرموقة وخبرت أوضاع الشرق الأوسط بعد تجربة عمل في العراق وأفغانستان، لذلك تبدو قادرة على صناعة مادة متميزة للقارئ الأميركي عما يحدث بشكل حقيقي في العراق، ولا يمكن أن نعزو ترددها في ذلك إلا إلى الخشية على حياتها أو محددات تفرضها عليها إدارة الصحيفة!

ما يدفعنا إلى هذا الاستنتاج أن أليسا محظوظة بمساعدة المراسل العراقي فلاح حسن، وهو بلا شك قادر على أن يقرأ ما يحدث على الأرض بشكل واضح يخلو من أي التباس وتزييف للحقائق، لتكون الصورة أكثر وضوحا أمام الجمهور الأميركي أولا والدولي ثانيا على اعتبار أن صحيفة نيويورك تايمز تحظى بمتابعة عالمية.

مثال نيويورك تايمز يدفعني إلى صحيفة الغارديان البريطانية التي يعول عليها ملايين القراء في العالم أن تكون صوتهم في مواجهة الحكومات والأحزاب الفاسدة، بوصفها الصحيفة التي ترفض التمويلات الحزبية والحكومية وتعول على دعم الجمعيات الخيرية والقراء الأوفياء، إلا أنها لسوء الحظ لا تقدم أكثر مما تقدمه نيويورك تايمز، مع أنها وفق التقويم الصحافي المفرط بالتفاؤل مشغولة بأخبار العالم وتعاملها كالخبر البريطاني، حيث تحظى قصص الشرق الأوسط بشكل عام بمتابعة وعناية خاصة من إدارة تحريرها.

على مدار أكثر من شهرين من انتفاضة العراقيين لم تنشر الغارديان ما يليق بهذه الثورة الشبابية، بل لم تصنع قصتها المتميزة، حتى مراسلها الشجاع في بغداد غيث عبدالأحد، افتقد إلى المبادرة واكتفى بقصة يتيمة عن مدينة الشطرة في محافظة ذي قار يسأل أهاليها عن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي المنحدر منهم، بعد أن مارست حكومته أقسى أنواع الوحشية في قتل مئات المتظاهرين.

قد تعزو الغارديان سبب ضعف تغطيتها لانتفاضة العراق إلى التقشف المالي الذي تعيشه الصحيفة، وتقليص المراسلين الخارجيين، لكن ذلك لا يحول دون أن تقدم قراءة تحليلية لقارئها في مختلف دول العالم عن الواقع العراقي الجديد وتوق الجيل الشاب إلى التغيير بعد أن انكشف للعالم الفشل الحكومي وفساد الأحزاب الدينية الحاكمة.

ليبرالية الغارديان تجعلنا نعول عليها أكثر من أي صحيفة بريطانية أو أميركية أخرى لإيصال صرخات الشباب العراقيين إلى العالم، لكن هذا، للأسف، لم يحدث بشكل كاف إلى حد الآن.

دعونا نستذكر ما قامت به الغارديان بعد اندلاع تظاهرات الربيع العربي عام 2011 عندما خصصت نافذة في موقعها الإلكتروني باللغة العربية لترجمة أهم ما تنشره من تقارير باللغة الإنكليزية، مثلما استمرت على مدار الساعة في متابعة الأحداث آنذاك في تونس ومصر. لم تنتظر الغارديان أن يأتيها القارئ العربي، بل ذهبت إليه مباشرة.

وما يحدث في العراق سيغير وجه المنطقة، ذلك ما تدركه إدارة الصحيفة البريطانية عالية الحساسية، وهو أمر يحرضها على المزيد من المتابعة الجادة لإعادة الثقة إلى الشعوب العربية بالصحافة الغربية. يكفي أن الخيبة تراود أي متابع عراقي للصحافة الغربية عندما يرى على سبيل المثال كل تفاصيل الاحتجاجات في هونغ كونغ مع عشرات القصص من التظاهرات والمتظاهرين متاحة بشكل دائم ومركز، لكن التظاهرات العراقية تعامل بطريقة غير عادلة من قبل الصحافة الغربية.

الانتفاضة العراقية ليست قصة إخبارية محلية كي تهملها وسائل الإعلام الغربية، إنها أكبر من توق العراقيين للإطاحة بالحكومة الفاسدة، هي حكاية دولة اشترك الغرب في احتلالها وتدميرها والإسهام في تخلفها بتسليمها لأحزاب دينية فاسدة، واليوم يمتلك شعبها المبادرة لاستعادة وجهها الحقيقي، بعد أن رُسم لها وجه مزيف. لهذا السبب فإن وسائل الإعلام الغربية مطالبة بأن تعيد قراءتها العادلة بحق ما يحدث في العراق اليوم.