الصدر يوصد الباب أمام محاولات الالتفاف على قراره بمقاطعة الانتخابات
بغداد - جدّد زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر موقفه الرافض للمشاركة في الانتخابات المقبلة، في خطوة بدت بمثابة رد مباشر على ما راج في الأوساط السياسية مؤخراً عن احتمال وجود "خطة بديلة" لتمثيل التيار الصدري انتخابيًا دون مباركته العلنية، وكذلك على تقارير بشأن ضغوط إيرانية على قوى "الإطار التنسيقي" لإعادة التقارب معه.
وجاءت تصريحات الصدر، مساء الخميس، خلال إحياء ذكرى اغتيال والده المرجع محمد محمد صادق الصدر ونجليه، حيث استغل المناسبة لتوجيه رسائل سياسية واضحة، محذرًا من استغلال التيار عبر "واجهات مزيفة" أو الالتفاف على قراره بالانسحاب من العملية الانتخابية.
وقال في كلمته "سكوتنا نطق ونطق الفاسدين والظالمين سكوت.. قلوب الفاسدين اليوم في أيدينا"، مشددًا على أن رفضه للمشاركة يستند إلى قناعة راسخة بأن "العملية الانتخابية في ظل الفساد لا تعدو كونها إعانة على الإثم"، كما طالب أتباعه بعدم "السير خلف شيوخ الباطن"، في إشارة مفهومة إلى الشخصيات التي تحاول التحدث باسمه أو التحرك باسمه دون تفويض واضح.
ويأتي هذا التصعيد الخطابي في أعقاب تكهنات أثيرت منذ أشهر، بشأن نية بعض الجهات القريبة من التيار الصدري خوض الانتخابات القادمة عبر قائمة "غير رسمية" تحظى بدعم معنوي من زعيمه، من دون الإعلان عن تبنيه لها بشكل مباشر. وقد استندت هذه التكهنات إلى دعوة سابقة وجهها الصدر لأنصاره بتحديث بياناتهم الانتخابية، ما اعتُبر آنذاك مؤشراً على احتمال عودته للمشاركة.
لكن زعيم التيار الصدري حسم الجدل، معلنًا أن "ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا همّ لها إلا المصالح الطائفية والحزبية"، مؤكداً أن أي تحرك انتخابي يتم خارج إطار موقفه العلني يُعد التفافًا مرفوضًا.
ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء
كما وجه رسالة مباشرة إلى أنصاره قائلاً "إني كما أمرتهم بالتصويت، فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح"، لافتاً إلى أن المشاركة تعني "إعانة على الإثم"، في خطوة تؤكد أنه لا يقبل أن يُستغل اسمه أو قاعدته الشعبية في عملية لا يراها شرعية.
اللافت في التوقيت، أن خطاب الصدر جاء متزامنًا مع تقارير تحدثت عن ضغوط إيرانية مورست مؤخراً على قوى الإطار التنسيقي الشيعي، لتقريب المسافة مع الصدريين والسعي لإعادة دمج هذا التيار ضمن التحالفات الانتخابية المقبلة. ويبدو أن الصدر، عبر خطابه الصريح، أراد قطع الطريق على أي مبادرات من هذا النوع، محذرًا من محاولات التوظيف السياسي لقاعدته الجماهيرية.
وقال مصدر سياسي مطلع على كواليس المشاورات، فضّل عدم ذكر اسمه، إن "طهران بدأت منذ بداية 2024 تشعر بقلق من تراجع شعبية الإطار التنسيقي واحتمال عزوف شعبي عن التصويت، خصوصًا في ظل استياء الشارع من الأداء الحكومي. لذلك رأت في إعادة زعيم الصدريين إلى المشهد الانتخابي فرصة لضخ شرعية شعبية مفقودة، ولو بشكل غير مباشر". لكن الصدر، برده الأخير، أحبط على ما يبدو هذا التوجه، مكرسًا خيار الانعزال السياسي.
وكان الصدر قد انسحب من العملية السياسية في يونيو/حزيران 2022، بعد أشهر من الانسداد السياسي الذي تلا الانتخابات، ودعا نوابه الـ73 إلى الاستقالة، في خطوة أربكت المشهد السياسي بالكامل، وأعادت صياغة التوازنات داخل البرلمان العراقي. مذّاك، أصر على البقاء خارج المنظومة السياسية، رافضًا أي شراكة مع من وصفهم بـ"الفاسدين"، رغم دعوات متكررة لعودته من أطراف داخلية وخارجية.
ولا يعبر هذا الموقف الرافض فقط عن احتجاج سياسي، بل يعكس تحوّلًا عميقًا في علاقة التيار الصدري بالمؤسسات التقليدية، إذ بات يركز على الحضور الشعبي والروحي، أكثر من اهتمامه بالمقاعد البرلمانية أو الحصص الوزارية.
وفي ظل تجدد موقف الصدر الحاسم، يُطرح سؤال جوهري حول مصير الانتخابات المقبلة، في حال استمرت بعض الجهات بمحاولة "تمثيل" الصدريين خارج إرادة زعيمهم، أو التلميح بعلاقة غير مباشرة معه.
كما أن امتناع شريحة كبيرة من جمهور التيار الصدري عن المشاركة، قد يشكل ضربة كبيرة لنسب الإقبال في الانتخابات، ويعيد الجدل حول شرعية البرلمان المقبل، خصوصًا في حال بروز قوى من الإطار التنسيقي دون توازن من التيار الصدري، الذي يُعد من أبرز الكتل السياسية من حيث القاعدة الشعبية.
في المحصلة، فإن تجديد مقتدى الصدر لقرار المقاطعة، لا يبدو مجرد موقف سياسي، بل رسالة واضحة برفض التطويع أو الالتفاف، سواء من الداخل العراقي أو الخارج، مع التأكيد على أن الولاء الشعبي للتيار لا يُباع ولا يُستثمر في صناديق الاقتراع، طالما ظلت السلطة رهينة الفساد والطائفية.