الضرائب لن تسقط الإمبراطوريات الرقمية

شبكة الإنترنت موجودة بوصفها منصة عالمية متكاملة، تتحرك خلالها المعلومات والأموال والتجارة الإلكترونية بسهولة حول العالم. الا ان الفضاء الإلكتروني يتجه نحو تمزق تاريخي.
حرب بين الدول الحقيقية والشركات التكنولوجية الكبرى

لن تذرف أبل ولا غوغل ولا فيسبوك ولا أمازون الدموع أمام مبنى 10 دواننغ ستريت إثر تهديدات وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند بفرض ضرائب على كبرى الشركات الرقمية.

طموح الحكومة البريطانية جمع 500 مليون دولار سنويا من الضريبة الجديدة التي تستهدف شركات الإنترنت العملاقة وليس المستهلكين ولا شركات الإنترنت الناشئة.

وهو مبلغ هزيل عندما يتعلق الأمر بشركات تكنولوجية كبرى لديها من المستخدمين ما يفوق سكان الدول الكبرى، تكفي الإشارة إلى أن أبل أول شركة في العالم تجتاز حاجز التريليون دولار من حيث قيمتها المالية.

سبق وأن توعد هاموند خلال كلمته أمام مؤتمر حزب المحافظين الأخير بمضي بريطانيا قدما “بمفردها” في تطبيق الضريبة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه الضريبة على مستوى الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن تطبيق هذه الضريبة الرقمية سيجعل بريطانيا في المقدمة مقارنة بالحكومات الأخرى في هذا السياق.

 “تهديدات” فيليب هاموند بالضريبة لا تبدو قادرة على وضع العصي بدواليب دوران الشركات المستمر بأقصى سرعته، فهي مستمرة بالتوسع بقوة في بريطانيا من أجل الاستفادة من القوة العاملة عالية المهارة في البلاد. غوغل مثل شركات سناب وأبل وأمازون التي ضاعفت عدد مكاتبها في لندن رغم حالة الغموض التي تحيط بمستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

انزعاج الشركات الرقمية من بريطانيا لا يبدو من قيمة الضريبة، بل من طبيعة الموقف السياسي البريطاني المغلف بصيغته التجارية، عندما تنفرد بفرض الضرائب قبل أن يصدر قانون أوروبي مشترك.

يصف الكاتب أليكس ويب في مقال له في بلومبيرغ، الأمر بأنه استغلالية سياسية محضة، مشيرا إلى أن النظام لم يواكب التقدم مع الطريقة التي تصنع كبرى شركات العالم أموالها “فلقد كانت شركات التكنولوجيا قادرة على الوجود حيث يمكنها حصاد الأرباح الهائلة بأكثر الوسائل المواتية ضريبيا، الأمر الذي أسفر عن حرمان الحكومات من مليارات الدولارات من العائدات الضريبية”.

الضريبة البريطانية يمكن تسميتها بفشل المجاراة السياسي، فهناك دول رقمية افتراضية قوية بأموالها المتزايدة وبعدد سكانها الافتراضيين المؤثرين في صناعة الرأي العام الدولي، وهناك دول حقيقية تزعم أنها مازالت متمسكة بالنظام الديمقراطي الكلاسيكي وفرض النظام بقوة القانون.

المنافسة مستمرة، والشعور الذي لا يقبل الشك أن الدول الحقيقية ضعفت كثيرا أمام سطوة وتأثير الدول الرقمية، وفكرة الضريبة البريطانية ليست سوى أسهل الطرق لمحاصرة تلك الدول التي تدير العالم بجيل الهواتف الذكية. بل إن الشعور الجمعي لسياسيي تلك الدول أن الشركات الرقمية تسلب هيبة البلدان وتجردها من سلطتها، عندما تمضي في طريق إسقاط البلدان الحقيقية ليدار المستقبل بسطوة الإمبراطوريات الرقمية.

هناك حرب أخلاقية أضرمت النيران فيها قبل أن يصل سكان فيسبوك إلى مليار مستخدم، دعك من قيمة الضريبة التي توعّد بها هاموند كبرى الشركات التكنولوجية لأنها لم تكن إلا البداية، ولأن الضريبة أكثر الأسلحة المتاحة أمام الحكومات في حربها الرقمية الجديدة للدفاع عن سلطتها، لذلك يبدو هاموند في حالة تأهب، هذه الحرب يقودها وزراء المالية والتجارة وليس لوزراء الدفاع إلا دور هامشي فيها.

دونالد ترامب دخل هذه الحرب مبكرا، لذلك لا يعوّل كثيرا على وسائل الإعلام التقليدية، وعادة ما يصفها بالكاذبة مطالبا بمحاصرتها، يكفيه أنه يمتلك أكثر من خمسين مليون متابع على تويتر، يدير بهم حربه المتقدة منذ الخطوة الأولى التي وضعها في البيت الأبيض. ترامب ينتقد وسائل الإعلام التقليدية ويفتح الآفاق أمام الشركات التكنولوجية. لذلك هناك معارضة شديدة من الولايات المتحدة ضد هذه الضرائب.

الحرب التي تزداد ضراوة بين الدول الحقيقية والشركات التكنولوجية الكبرى، ستمزق الإنترنت أيضا، وهذا ما نبه إليه إريك شميدت الرئيس السابق لشركة غوغل.

توقع شميدت وهو يلقي كلمة في حدث خاص في وادي السليكون مؤخرا، أن الفضاء الإلكتروني يتجه نحو تمزق تاريخي. حتى الآن، شبكة الإنترنت موجودة “في الغالب” بوصفها منصة عالمية متكاملة، تتحرك خلالها المعلومات والأموال والتجارة الإلكترونية بسهولة حول العالم. لكن شميدت يخشى من أن هذا على وشك الانهيار.

تقول غيليان تيت المحررة في صحيفة فايننشيال تايمز “إذا كان وادي السليكون مهتما بهذه القضية منذ فترة طويلة، فإن معظم الاقتصاديين والمستثمرين بدأوا يتنبهون بشكل بطيء للمخاطر والآثار”.

وتقترح طريقة للتفكر في شأن فيسبوك، فقبل أربع سنوات قال الرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، للمستثمرين إن “المنتجات لا تثير ذلك الاهتمام الذي يجعلها تتحول إلى شركات حتى يكون لديها ما يقارب مليار مستخدم”.

قد يكون ذلك منطقيا في عالم فيه ثلاثة مليارات مستخدم يتم ضمهم بسهولة. لكن في حال كان توقع شميدت صحيحا، فقد تحتاج الافتراضات الإيجابية بشأن حجم قاعدة مستخدمي الإنترنت في المستقبل إلى المراجعة خصوصا في ما يتعلق منه بالسوق.

في الوقت الحالي تستمر هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام (آيكان) وهي جهة عالمية مسؤولة عن الحفاظ على بروتوكولات الإنترنت. في اتخاذ تدابير لضمان بقاء جذور الشبكة متصلة، أيا كان ما سيحدث للمنصات.

ويرى كريس مونديني من (آيكان) “حتى في عالم أصبح قوميا وممزقا بشكل متزايد هناك قدر كبير من التعاون يحدث على المستوى الفني”.

هذا لا يعني أن سلاح الضرائب الذي استخدمه وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند ليس جارحا، لأننا كمستخدمين نشارك في الحرب وبضراوة في صف الدول الافتراضية ضد دولنا الوطنية تحت شعور غريب بأننا ندافع عن أفكارنا وحريتنا، بينما الأمر أكبر من ذلك.