العالم يشيح باهتمامه عن فوضى الشرق الأوسط

الشرق الأوسط وقضاياه وصراعاته لم يحظ باهتمام كبير في أعمال الدور الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
آسيا تتقدم والشرق الأوسط يتراجع في سلم الأولويات الإستراتجية الأميركية

بيروت – إلى وقت قريب كانت أزمات الشرق الأوسط وحروبه تتصدر جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. لكن خلال الدورة الأخيرة كان لافتا أن الشرق الأوسط جاء في آخر اهتمامات العالم الغربي المنشغل بالتوجهات الأميركية الجديدة نحو الصين.

وفي حين طغت على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في السنوات العشر الماضية موجة من النشاط الدبلوماسي لإيجاد حل سياسي للأزمات في دول الشرق الأوسط لا يظهر أي منها بشكل بارز (إن وُجدت) في اجتماعات هذا العام في نيويورك.

أثبتت هذه الاجتماعات وما سبقها وما لحقها من تطورات أن الولايات المتحدة لا تزال المحرك الرئيسي للعالم، تتحدّد الأولويات والاستراتيجيات وفق اتجاه بوصلتها. وفي خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يتوقف الرئيس الأميركي جو بايدن عند الأزمات المتفاقمة في المنطقة العربية، وركز بدلا من ذلك على وباء كوفيد-19 وتغير المناخ والتوترات مع الصين وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

وبالمثل سارت الدول الأوروبية التي حصرت كل اهتمامات الشرق الأوسط ومشاكله مرة أخرى في الاتفاق النووي مع إيران رغم أنها أكثر المتضررين باستمرار الانحدار في المنطقة. إلى جانب الاتفاق النووي، انشغلت الدول الأوروبية بتطورات حلف أوكوس (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا)، الذي ينظر إليه أوروبا على أنه قوة عسكرية مرادفة لحلف الناتو تأتي ضمن الإستراتيجية الأميركية لمواجهة.

سيطرت أخبار هذا الحلف على اهتمامات الأوروبيين الغاضبين توقيع أستراليا على اتفاقية لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية ملغية بذلك عقدا كبيرا وقعته مع فرنسا لتصنيع غواصات تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء.

ينظر الأوروبيون إلى هذه الشراكة الجديدة ضمن سياق الضغط الأميركي لإقحامهم في الإستراتيجية الأمريكية لتحدي الصين، لكن الأمر مختلف فالصين ليست العراق أو لبنان أو أية دولة أخرى من دول الشرق الأوسط، التي تدخلت فيها دول أوروبية عسكريا إلى جانب الولايات المتحدة لتتركها اليوم في أتون صراعات لا يخمد.

يتحجّج العالم الغربي بأن معظم الصراعات في المنطقة وصل إلى طريق مسدود. ويبرر تحول اهتمامه عن فوضى الشرق الأوسط بأن الوضع غير قابل للإصلاح في ظل استمرار الفساد وصعوبة اقتلاع جذور طبقة سياسية تركز على الحفاظ على مصالحها الخاصة بدلا من تلبية احتياجات الشعوب.

قال جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "المنطقة مزدحمة بأزمات عالمية أخرى، ولكن هناك أيضا شعور باليأس الغربي بعد سنوات عديدة من الأزمة".

ويضيف بارنز-داسي: "يشعر اللاعبون الغربيون بعدم وجود أفكار وطاقة من حيث تركيز اهتمام رفيع المستوى على وضع المنطقة على مسار أفضل، لاسيما بالنظر إلى التحديات العالمية الأوسع".

في المقابل، يحذر الخبراء من أن هذا التحول سيكون مكلفا بالنسبة لأوروبا، لافتين إلى أن الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط هو "انسحاب شكّلي" حيث يفيد واشنطن في إستراتيجيتها الجديدة أن تبقى المنطقة منشغلة في صراعاتها وتداعيات تلك الصراعات على الإقليم وربما حتى على أوروبا في الوقت الذي تركز فيه على الصين.

ويلفت الخبراء إلى أن تطور العقيدة الدفاعية لدول الخليج العربي والاتجاهات الجديدة للسعودية والإمارات من حيث تنويع التحالفات وتطوير استراتيجيات الحفاظ على الأمن القومي بكل زواياه كما القطع مع سياسية وضع كل البيض في السلة الأميركية لا يناسب واشنطن كثيرا وهذا سيكون له تأثير على الاتفاق مع إيران كما الأزمة في لبنان واليمن والعراق حيث تنتشر الميليشيات الإيرانية.

وفي سوريا تراهن واشنطن على خلافات مستقبلية بين إيران وروسيا ما يطيل الأزمة في هذا البلد، حيث تنشط أيضا جماعات جهادية. أما في ليبيا فالوضع يبدو مختلفا قليلا وستركز واشنطن على الدبلوماسية الأممية مراهنة في نفس الوقت على الانقسامات الداخلية ما يبقى البلد في وضع غير مستقر على مدى طويل رغم خارطة السلام الأممية والدفع الدولي نحو إنجاحها.

والوضع ليس مشرقا في بقية دول المنطقة التي يقف بعضها على شفا كارثة إنسانية ويعاني بعضها الآخر من تداعيات أزمة الربيع العربي ومن تدهور اقتصادي ومن مخلفات جائحة كورونا وارتفاع في معدلات الفقر وتبدو ممزقة بين تلبية شروط صندوق النقد الدولي وتأثيرات ذلك على المجتمع، وما قد يخلفه من اضطرابات شعبية وسياسية.

إذن، تعمّدت واشنطن إهمال الحديث عن أزمات الشرق الأوسط في الاجتماع الـ67 للجمعية العامة للأمم المتحدة، موحية للعالم بأن المنطقة لم تعد تستحق العناء وأن الاستراتجيات الأميركية تغيّرت وأن "عهد الأخطاء العسكري انتهى" كما قال بايدن.

لكن، الخبراء يؤكدون أن الوضع في المنطقة أساسا لم يعد يحتمل تدخلات عسكرية فالوضع منهار تماما، والفوضى الخلاّقة التي بشّرت بها إدارة جورج بوش الابن قبل انتهت دول محطمة ومرهقة ومنقسمة العالم بصدد التخلي عنها.

وتعلّق وقالت الصحفية اللبناني كرم على هذا التوجه قائلة إن "الإدارة الأميركية تخاطر بترك هذه الأزمات تتفاقم وإجبارهم على التدخل لاحقا عندما تخرج عن السيطرة أو تشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة".

وبالنسبة لأوروبا، فالوضع أكثر خطورة مقارنة بالولايات المتحدة حيث التداعيات مباشرة وقصيرة المدى.

ويفسر ذلك هيكو ويمين، مدير المشروع في العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية قائلا إن زعزعة الاستقرار ستمتدّ إلى أوروبا من خلال انتشار حالة اليأس بين شعوب تلك الدول، خاصة الشباب، ما سيقوي من الرغبة في الهجرة بطرق شرعية وغير شرعية، وهذا في المقابل سيعطي زخما لأحزاب اليمين المتطرف وسيقوي نزعة رفض الآخر بين الأوروبيين بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية لأزمة الهجرة واللجوء على أوروبا.

ويؤكد ويمين "بينما قد ترغب الولايات المتحدة في إخراج نفسها من المنطقة، فإن الأوروبيين لا يمتلكون نفس الخيارات"، مضيفا "لا يمكنك أن تكون آمنا إذا اشتعلت النيران في منزل جيرانك".