العراقيون يأملون باستقرار سياسي ينهي مصاعبهم

محللون يرون أنه لا يوجد استعداد لإيجاد حل سياسي في العراق لأنهم يعالجون الأعراض وليس جذور المشكلة.
رئيس الوزراء يواجه تحديا هائلا في إعادة إعمار بلد دمرته معارك طرد الجهاديين

بغداد ـ بعد عام على إعلان العراق "الانتصار" على تنظيم الدولة الإسلامية، تجد البلاد نفسها اليوم في مهب التنافس السياسي الذي أهملته في أيام الحرب، وأمام تحديات عدة ليس آخرها عجز في الحلول الاجتماعية والاتفاق على حكومة، بحسب ما يشير خبراء.

منذ نحو أربعين عاما، لم يعرف العراق إلا الحرب، بدءا من الحرب مع إيران (1980-1988) إلى غزو الكويت وتبعاته (1990-1991) مرورا بالحصار الدولي والغزو الأميركي للبلاد (2003-2011)، وصولا إلى الحرب الأهلية وبعدها دخول تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على ما يقارب ثلث مساحة العراق في العام 2014.

وانتهت ثلاث سنوات من الحرب الدامية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بإعلان بغداد "النصر" على التنظيم المتطرف ودحره من البلاد.

ويقول الباحث في معهد "شاتام هاوس" ريناد منصور "هذه ليست المرة الأولى التي يحقق فيها العراق نصرا عسكريا. هناك مهمات عدة أنجزت سابقا. لكن النصر الأكثر تحديا اليوم هو النصر السياسي الذي لطالما تم تأجيله".

ويضيف منصور أن "أحدا لم يكن فعلا مستعدا لإيجاد حل سياسي. كانوا يعالجون الأعراض وليس جذور المشكلة".

في يوم "الانتصار"، دخل العراق عصر ما بعد الجهاديين، وشهدت البلاد انتخابات تشريعية في أيار/مايو الماضي شابتها شكوك وطعون، وانتهت بإعادة فرز يدوي أنتج برلمانا جديدا مشتتا من دون غالب أو مغلوب.

وهنا دقت ساعة السياسة "التي هي جذر المشكلة (...) والمحاصصة والتغانم الوظيفي تحت مسمى التنافس الحزبي"، بحسب ما يقول المحلل السياسي العراقي جاسم حنون.

ومذ ذلك الحين، "لا يزال العراق يعيش مرحلة انتقالية وعدم استقرار سياسي وانعدام رؤية واضحة لإدارة البلد"، وفق ما يضيف حنون.

بعد خمسة أشهر من الانتخابات، تم تكليف عادل عبدالمهدي تشكيل حكومة قبل بداية تشرين الثاني/نوفمبر.

لكن رئيس الوزراء الجديد الذي يعد من الشخصيات التوافقية النادرة في البلاد ويتعرض لضغوط الولايات المتحدة وإيران، لم يتمكن من تقديم إلا 14 وزيرا من حكومته، لأنه واجه معارضة عدد من أعضاء البرلمان لبعض مرشحيه، وخصوصا لحقيبتي الداخلية والدفاع الأساسيتين.

ويؤكد مصدر مقرب من الحكومة إن هناك "حلا قريبا (...) لأن الأمر يتعلق بتصفية حسابات سياسية أكثر منه فترة انتقالية".

غير أن التحديات لا تقف عند عقبة تشكيل الحكومة. إذ يواجه رئيس الوزراء اليوم تحديا هائلا في إعادة إعمار بلد دمرته معارك طرد الجهاديين من شمال البلاد وغربها على مدى ثلاث سنوات.

لا يزال العراق يعيش مرحلة انتقالية وعدم استقرار سياسي وانعدام رؤية واضحة لإدارة البلد

ويقول منصور "بعد الانتصار على داعش، كان الناس يتطلعون إلى حياة أفضل. كان هناك أمل. هم نفسهم بدأوا اليوم يتساءلون عما إذا كانت هذه النخبة السياسية قادرة أو حتى مستعدة للتعامل مع جذور المشكلة".

وبقي الوضع على ما هو عليه في المناطق التي تحررت منذ أكثر من عام. ولم توضع حتى الآن أي خطة لعودة النازحين، أو لإعادة إعمار المناطق المتضررة، رغم انعقاد مؤتمر ضخم للمانحين في الكويت في شباط/فبراير الماضي.

وحتى اليوم لا يزال "أكثر من 1,8 مليون عراقي نازحين في جميع أنحاء البلاد، و حوالى 8 ملايين شخص بحاجة الى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية"، وفق تقرير صادر عن المجلس النروجي للاجئين.

ويشير التقرير إلى أن منازل أكثر من نصف النازحين تضررت أو تدمرت بالكامل، منها موجودة في مدن لا تزال تحت الأنقاض بكاملها مثل الموصل وسنجار.

وسيكون على سلطات بغداد أيضا معالجة آثار الاحتجاجات التي تصاعدت وشهدت أعمال عنف في بعض الأحيان، في بلد يحتل المرتبة 12 ضمن لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، للمطالبة بالخدمات العامة بينها معالجة البطالة والكهرباء.

ويخوض العراق اليوم مفاوضات مع شركتي "جنرال إلكتريك" الأميركية و"سيمنز" الألمانية لإعادة شبكة الكهرباء التي ستتأثر بالعقوبات الأميركية على طهران، المورد الرئيسي، رغم فترة السماح الأميركية للعراق.

وفي هذا السياق، يقول منصور "نعم، وقت الحرب قد انتهى، والصيف المقبل سيكون مفصليا بالنسبة لعبد المهدي". كل ذلك لا يلغي أن العراق اليوم يشهد تراجعا ملحوظا في العنف، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام.

والجدير بالذكر أن العراق شهد خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، العدد الأقل من الضحايا المدنيين لأعمال العنف منذ ست سنوات في العراق، بحسب الأمم المتحدة، وأقل من نصف عدد الضحايا في الشهر نفسه من العام 2017.

لكن استمرار سقوط الضحايا، يدل على أن الجهاديين، رغم هزيمتهم، ما زالوا قادرين على شن هجمات من مخابئهم المنتشرة على طول الحدود العراقية السورية.

فعلى سبيل المثال، تضاعف عدد الهجمات في محافظة كركوك بين العامين 2017 و2018، بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يشير إلى انخفاض عدد الهجمات ضد المدنيين وارتفاعها ضد المؤسسات الحكومية والأمنية.

لكن المتابعين اليوم يحذرون من خطر آخر، هو اندلاع حرب داخلية بين الأحزاب الكبيرة المسيطرة على المشهد السياسي، والتي كانت بالأمس تحت راية واحدة باسم قوات الحشد الشعبي وساهمت بشكل كبير في دحر تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول حنون "كل شيء متوقع اليوم بسبب الخلافات بين الأحزاب" التي رأى فيها "مؤشرا خطيرا"، متخوفا من أن يشهد البلد "مواجهة شيعية شيعية يمكن أن تكون هي الكارثة البديلة".

ويدحض المصدر المقرب من الحكومة هذه النظرية، قائلا "المخاوف لا أساس لها (...) كانت هناك فرص عدة للتصعيد والتحول إلى أعمال عنف، لكن الجماعات المسلحة أظهرت انضباطا كبيرا، خصوصا أنها جزء من المؤسسة الحكومية".

ويقول منصور "هناك بالتأكيد صراع داخل المعسكر الشيعي (...) لكن لن نشهد حرب ميليشا ضد أخرى". ويضيف "أعتقد أن الحرب المقبلة ستكون حرب الناس ضد النظام كله، وليس ضد شخص".