العراق يتحرك لتعزيز دفاعاته الجوية بعد الحرب بين إسرائيل وإيران

السوداني يؤكد أن بلاده تحركت دبلوماسيًا خلال الحرب لنزع فتيل الأزمة، وفي الوقت نفسه بدأت خطوات ملموسة لتعزيز أمنها السيادي.
الرئيس العراقي ينتقد عدم اقدام التحالف الدولي على حماية المجال الجوي لبلاده

بغداد - تجد الحكومة العراقية نفسها أمام تحدٍ متصاعد في ظل الأزمة الأمنية المتفاقمة في الشرق الأوسط، خاصة بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران وما تبعه من اختراق للمجال الجوي العراقي. وفي خطوة استراتيجية، أعلنت بغداد عزمها بناء منظومة دفاع جوي متكاملة، في وقت تسعى فيه إلى تطويق تداعيات الحرب الإقليمية ومنعها من الانعكاس على الداخل العراقي.
وشدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وفي مقابلة مع شبكة "بي بي سي" الإنكليزية، على أن العراق لم يقف مكتوف الأيدي حيال التصعيد بين تل أبيب وطهران، بل تحرك دبلوماسيًا لنزع فتيل الأزمة، وفي الوقت نفسه بدأ خطوات ملموسة لتعزيز أمنه السيادي.
في حديثه، كشف السوداني عن تعاقدات وشيكة لبناء منظومة دفاع جوي متقدمة قادرة على تأمين الأجواء العراقية في مواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة. وقال: "هناك تعاقدات حالية وسيتم توقيع تعاقدات جديدة قريبًا لضمان أمن الأجواء، خاصة بعد خرقها من قبل الكيان الإسرائيلي"، في إشارة إلى الغارات الجوية التي نُفذت في سياق المواجهة مع إيران.
واعتبر أن ما جرى "تجاوز خطير للسيادة العراقية وخرق صريح لميثاق الأمم المتحدة"، مؤكدًا تقديم العراق شكوى رسمية إلى مجلس الأمن وتحركه على المستوى الدولي لضمان دعم موقفه.
ويمثّل العراق ساحة استراتيجية تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، ما يجعله عرضة للضغوط في أي صراع إقليمي. ورغم ذلك، يؤكد السوداني أن بلاده اعتمدت سياسة "الدبلوماسية الهادئة والمتوازنة" لتفادي الانزلاق في أي مواجهة.
وقال "أوصلنا رسائل واضحة إلى كل شركائنا حول خطورة الوضع، وشددنا على أن سيادتنا خط أحمر وغير قابلة للمساومة" مضيفًا أن الحكومة كانت مستعدة لمواجهة تداعيات التصعيد، معتبراً أن "اتساع رقعة الحرب كان سيهدد أمن العراق واستقراره، ويؤثر على تدفقات الطاقة والنفط في المنطقة، ما ينعكس مباشرة على مصالحنا الاقتصادية".
ومن اللافت أن موقف الحكومة العراقية حظي بدعم المرجعية الدينية العليا في النجف، التي أصدرت بيانًا حذرت فيه من خطورة استمرار الحرب في المنطقة. وأوضح السوداني أن "المرجعية كانت واضحة في دعوتها لوقف التصعيد، والحكومة، بدعم من القوى السياسية الوطنية، نجحت في إبعاد العراق عن أتون الحرب".
وأكد رئيس الوزراء أن "العراق مستمر في دعم القضية الفلسطينية"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن "قرار السلم والحرب بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية فقط"، في إشارة إلى رفضه لأي تصرفات غير منضبطة من الفصائل المسلحة أو الجهات غير الرسمية.

القواعد الاميركية في العراق تمثل تحديا أمنيا مع تصاعد تهديدات الميليشيات
القواعد الاميركية في العراق تمثل تحديا أمنيا مع تصاعد تهديدات الميليشيات

وفي ظل التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، يبذل العراق جهوداً للحفاظ على توازنه في العلاقات مع الطرفين. وقال السوداني "لدينا علاقات جيدة مع كل من إيران وأميركا، وهما يدركان أهمية استقرار العراق وعدم زجه في صراعاتهما".
وحذر من أن أي محاولة لزعزعة النظام الإيراني ستكون لها تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها، مضيفًا أن "وجود نتنياهو في حكومة الكيان مبعث قلق بسبب سعيه الدائم لتأجيج الأزمات".
وعن مستقبل الوجود العسكري الأجنبي في العراق، أكد رئيس الوزراء العراقي أن مهمة التحالف الدولي ضد "داعش" ستنتهي في أيلول/سبتمبر 2026، مشيرًا إلى أن الحكومة تُجري حوارات مع واشنطن ودول التحالف للانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية قائمة على السيادة والتعاون المشترك.
وأوضح "أجرينا جولتين من الحوار مع الولايات المتحدة، وسنعقد الجولة الثالثة لصياغة شكل العلاقة المستقبلية"، في إطار احترام الدستور والقانون العراقي.
ورغم التحديات الإقليمية، يواصل العراق العمل على ترسيخ الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية. وأشار السوداني إلى أن الانتخابات التشريعية المقبلة تمثل "رسالة مهمة تؤكد التزام الدولة بالمسار الديمقراطي"، مؤكداً حرص الحكومة على إجرائها في موعدها وتهيئة كل مستلزماتها.
وتحدث أيضاً عن التقدم في ملف الإعمار قائلاً "حققنا إنجازات في إعادة البناء رغم كل الصعوبات"، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية تجاوز 88 مليار دولار خلال العامين الماضيين.

من جانبه جدد رئيس جمهورية العراق، عبداللطيف جمال رشيد، موقف بلاده الرافض لانتهاك أجوائها خلال الصراع الذي استمر 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، مشددًا على أن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، بقيادة الولايات المتحدة، كان من المفترض أن يتحمل مسؤولية حماية المجال الجوي العراقي خلال تلك الفترة.

وفي حوار مع صحيفة الموندو الإسبانية، قال رشيد: "نستنكر بشدة انتهاك السيادة الجوية للعراق خلال النزاع الأخير"، مضيفًا: "كنا نسعى للحصول على تجهيزات دفاعية لحماية أجوائنا، لكن فترات الحكم الديكتاتوري السابقة أعاقت هذا التقدم" مشيرا إلى أن من واجب قوات التحالف اتخاذ خطوات فعالة لضمان حماية الأجواء العراقية.

وأكد الرئيس أن الحكومة تتبنى موقفًا واضحًا بملف حصر السلاح بيد الدولة، يتمثل في ضرورة أن يكون السلاح حكرًا على القوات الأمنية الرسمية بمختلف صنوفها.

وأوضح رشيد أن وجود القوات الاميركية في بلاده يستند إلى اتفاقات رسمية مع الحكومة العراقية، وأن مسألة استمرارها أو انسحابها تُبحث ضمن مفاوضات تسير حاليًا بشكل إيجابي بين الجانبين.

وفي خضم بيئة إقليمية مشتعلة، يحاول العراق أن يوازن بين ضرورات الأمن والسيادة من جهة، وبين دور الوسيط الإقليمي الساعي لنزع فتيل النزاعات. وبينما تلوح أجواء الحرب في سماء المنطقة، تتحرك بغداد على الأرض لتعزيز دفاعاتها، في رهان على أن التماسك الداخلي والحوار الإقليمي هما مفتاح حماية الدولة من الانجرار إلى صراعات ليست من صنعها.