العراق يحتفي بالشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر

الأمسية المقامة بدار الشؤون الثقافية في مسرح الرشيد وأدارها الدكتور أحمد العلياوي تتزامن مع إصدار الأعمال الكاملة للشاعر بطبعة دار الشؤون الثقافية وتشهد القاء كلمات عدة وقراءات نقدية عن تجربته الثرية.
الساعدي: يومٌ الشعر العالمي مناسبة مهمة للاحتفاء والتذكير بأهمية الشعر في حياتنا
أبو جناح: شاعرنا اعتمد في كل أشعاره على القيم الإنسانية الخالصة والمضمون الثقافي الرفيع
ثامر: بدأ الشاعر من الرومانسية والغنائية لكنه فتح بعد ذلك آفاقاً درامية وملحمية
المعموري: شاعر كشف لنا عبر الجهد السيري اللغة السيرية الرفيعة والعالية جداً
الفواز: حسب شاعر إشكالي توصيفا وإنجازا وخلخل الكثير من اليقينيات
الزبيدي: ثمة دال يكاد أن يكون مركزياً في قصائده هو دال الريح
حسن أمين: شيركو بيكه س استفاد كثيراً منه عن القصيدة المدورة ومطولاته الشعرية

احتفى العراق بالشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر في أمسية ثقافية بمناسبة يوم الشعر العالمي، تزامنت مع إصدار أعماله الشعرية الكاملة بطبعة دار الشؤون الثقافية، وشهدت الأمسية التي أقامتها دار الشؤون الثقافية في مسرح الرشيد وأدارها الدكتور أحمد العلياوي القاء كلمات عدة كان في مقدمتها كلمة مدير عام دار الشؤون الثقافية العامة الشاعر الدكتور عارف الساعدي التي تناول فيها برؤى نقدية شاملة "الشعر العراقي وأزمة انسداده" وأعقبته كلمة عائلة الشاعر المحتفى به التي ألقاها شقيقه الأستاذ الدكتور صاحب أبو جناح حيث أعجزه العارض المرضي الذي ألم به منذ أيام عن الحضور، ويعد حسب الشيخ جعفر - حسب رأي النقاد – "واحداً من أهم ألغاز القصيدة العربية على مرّ عصورها. فما لا نعرفه عن الشاعر أكبر بكثير مما نعرفه. الرجل الصامت في سيرته اليومية، العاكف على ذاته، قليل الأصدقاء كان قد فضل في وقت مبكر من حياته أن يعيش داخل قصيدته زاهداً بالحياة التي صارت بالنسبة إليه مجموعة من الذكريات التي عاشها كما لو أنه اخترعها". ومن ثم تليت قراءات نقدية عن تجربة الشاعر قدمها النقاد الكبار: فاضل ثامر، ناجح المعموري، علي الفواز، أحمد مهدي الزبيدي، اضافة الى مداخلة للشاعر والاديب ئاوات حسن أمين مدير عام دار الثقافة والنشر الكردية، وتناولت تجربة الشاعر وعرجت على أبرز محطاته الثقافية الواسعة والمتنوعة.وتضمنت الأمسية قراءات لقصائد منتخبة للشاعر ألقاها الفنان القدير عزيز خيون بطريقة ممسرحة ، مقدماً رؤية درامية من خلال كولآج شعري (أداءً ، تمثيلاً ، ترتيلاً ، وغناءً) للمحتفىٰ به، ضمن مشروع ثقافي بدأه خيون في منتصف ثمانينيات القرن الماضي قدّم من خلآله رؤيته الدرامية لعدد من الشعرآء،  فيما قدم عازف العود الكبير الفنان سامي نسيم قطعاً موسيقية، وفي ختام الأمسية أهدت الدار نسخاً من الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر العراق الكبير حسب الشيخ جعفر على الحضور. ولأهمية هذه القراءات النقدية نورد خلاصاتها تباعاً:

 يوم الشعر العالمي الشعر العراقي وأزمة انسداده

وفي بداية الأمسية ألقى مدير عام دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار الشاعر الدكتورعارف الساعدي ورقته النقدية المهمة التي قدم فيها رؤاه لـ"أزمة الشعر العراقي وانسداده" وفيما يأتي نصها:

حين يخصص يومٌ للشعر في هذا العالم فإن هذا التحديد مناسبة مهمة للاحتفاء والتذكير بأهمية الشعر في حياتنا، ولكن الأهم أنه فرصة مناسبةٌ للمراجعة الحقيقية لواقع الشعر العربي ومستقبله، ونظرة موضوعية للمشاكل والمعوقات التي تقف بوجهه، وبما أن هذا الموضوع واسع وكبير لذا سأتوقف عند تجربة الشعر العربي في العراق وهي كبيرة جداً بلا شك.

لا شك أن أزمات الثقافة العربية ترتبط دائماً بالأحداث السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلدان، ودائما الثقافة تتبع هذه التحولات، فلم نحظ بثقافةٍ حقيقية تبادر بفعل سياسي، أو اجتماعي، إنما دائماً نجد الأثر السياسي أكثر ضوءاً من غيره على الثقافة، والشعر أكثر تجليات الثقافة في العراق، لأسباب عديدة يعرفها أكثر المشتغلين في هذه الحقول، وبما أن الشعر حقلنا الأصيل، ووجهنا الثقافي المهم، لذا فإن مراجعته بين مدةٍ وأخرى واجبٌ ثقافيٌ ــ كما أظن ــ بوصف العراق نافذةً مهمةً من نوافذ الحداثة الشعرية العربية، وله إرثٌ عظيمٌ منذ الحضارات الأولى وأول نص قيل في هذا العالم واول ملحمة كتبت على وجه الأرض وأول شاعرة أنشدت الشعر هنا وصولاً  لأيام العباسيين حيث (بشار بن برد وأبو نؤاس وأبو تمام والبحتري والمتنبي والمعري والشريف الرضي...) والأسماء تكثر وتطول في قائمة ذهبية ولدت في العراق وكتبت شعرها هنا.                                                    

 لذا فالحديث عن الشعر العراقي هو حديث عن إرث عظيم وحاضر مهم استجاب لمتطلبات الحداثة فكان السياب والملائكة والبياتي والبريكان وسعدي يوسف وسركون بولص وحسب الشيخ جعفر وفاضل العزاوي وعشرات آخرين من خيرة الأسماء الشعرية في العراق، لذلك فالمسؤولية الشعرية هي مسؤولية مضاعفة، ماضياً وحاضراً.        

ولكن حين نلتفت للراهن الشعري العراقي نجد ـ حسب ما أظن ـ مشهداً ـ للأسف ــ مختلفاً عن كل المشاهد السابقة، وسأتحدث عن النسبة الأعلى في الشعرية العراقية، وهذا لا يعني عدم وجود تجارب كبيرة ومهمة، إنما وجودها لم يشكل فارقاً مهماً، ولم يؤثر في بقية المشهد الشعري العراقي الذي اختلط فيه الجيد بالرديء، وأصبح مثل ساحات الملوك، ممتلئاً بالحصى الكثير، وبالقليل من الدر واللؤلؤ، فالمشهد الشعري الموجود حالياً ليست له علاقة بالشعر العراقي الحداثي الذي انبثق نهاية الأربعينيات، واستمر حتى أجيال ما بعد الستينيات، الشعر العراقي ذو المرجعيات الفكرية والمعرفية والجمالية، الشعر العراقي الذي شكل عصباً مهماً ومغذياً من مغذيات الحياة المعاصرة، كيف تراجع ذلك الشعر؟ وما هي أبرز أزماته؟ وهل فعلاً الشعر العراقي يعيش أزمة كبيرة؟ وحين يتأثر الشعر العراقي، ويعيش أزمة ما، هل يعني هذا أن الشعر العربي في أزمة كبيرة أيضا؟ أم إننا معزولون عن بعضنا البعض؟ ونعيش في جزرٍ متباعدة، وتجمعنا اللغة فقط؟                       

الأزمة التي بدأت أشعر بها منذ أكثر من عشرة أعوام في الشعر العراقي المعاصر تتجلى في مظاهر متعددة، أولها في المهرجانات التي تُقام، وفي المجاميع الشعرية التي تطبع وليس لها سوق، وفي الصفحات الثقافية الفقيرة في الصحف والمجلات، وفي التجمعات والمنتديات الكثيرة، من حيث عدد الشعراء، ولكنها الفقيرة من حيث النوعية، الشعراء كثرٌ جدا في هذا البلد، ولكن الشعر عملتهم النادرة جدا جدا ، كذلك غياب الحركات الأدبية والمدارس الشعرية التي تحرك الراكد في الشعرية العراقية، وحين نتناول هذه الجزئيات سنرى ان العراق من اكثير البلدان العربية شغفاً بإقامة المهرجانات والملتقيات الشعرية، ولكنها للأسف مهرجانات يغلب على معظمها الطابع الاجتماعي وليس الثقافي، فمنذ سنين طويلة لم تستطع الشعرية العراقية في مهرجاناتها أن تُضيف رقماً جديداً للجمهور الذي يستمع للشعر، فالشعراء انفسهم، والجمهور أيضا هو نفسه من الشعراء، إذ لم تستطع ماكنة الثقافة بكل دفاعاتها الكبيرة أن تُعيد الثقة بين الشاعر والجمهور، وأن يأتي الناس غير المتخصصين ليستمعوا الى الشعر، وهذا ما لم يحدث إلا نادرا حيث يأتي الناس في افتتاح بعض كبريات المهرجانات، ولكنهم لن يحضروا لبقية الجلسات، فيما يحظى الشعر الشعبي بجمهور عريض في أي محافظة من محافظات العراق، وإن الشباب العراقي يحفظ الشعر الشعبي، ويحضر الفعاليات بشكل واسع، وكذلك بقية الفنون كالغناء والموسيقى والمسرح حيث يأتي الجمهور لهذه الفعاليات، ويقطع التذاكر، ويدفع المال لكي يحضر ، وهو مؤشر كبير لتراجع جمهور الشعر في العراق، وربما سببه الشعراء أنفسهم، حيث غيب الموت معظم أبناء الجيل المؤسس للحداثة الشعرية، وانزوى من انزوى منهم، وشعر الآخرون بلا جدوى كل شيء ، فيما انقطع الجيل الجديد عن فكرة الحداثة، فأنتجوا نصوصاً أقل ما يُقال عنها أنها تكرار لتجارب سيئة في الشعرية العراقية، وإلَّا ما معنى أن يقرأ شاعرٌ في عام 2022 قصيدة هجاء بالآخرين، يسب ويشتم بالناس لأنهم يختلفون عنه، أو انهم انتقدوه في يوم من الأيام، ومن ثم يمتدح ذاته بطريقةٍ تدعو للضحك، لأنه لا يمت الى هذا العصر بصلة اطلاقا، ويقول في قصيدته إنه أعظم الشعراء، وهذه ظاهرة لا تخص شاعرا واحدا إنما كثر من الشعراء يصعدون على المنصة فينفشون ريشاتهم بطريقة مخجلة، وما قيمة المنصات الإبداعية التي تحتفي بمثل هذا الشعر الذي انقرض منذ سنين طويلة ولكنه هنا في العراق له رواده من الشعراء، شباباً وكهولاً للأسف، حتى إنهم وصلوا الى مرحلة لا يميزون فيها بين الشعر وضده، فكل شيء موزون لديهم يحسبونه شعرا، ثم ما قيمة الموزون الذي يُكتب بطرقٍ تقليدية ساذجة، حيث الشاعر يشبه الديوك التي تنفش ريشها وتصيح فيما هي تقف على تل من النفايات.                                                                   

الشعر العراقي يعيش أزمة كبيرة كما أزعم، أغلب شعرائه الان لا يفرقون بين الشعر من عدمه كما قلنا، الموضوعات تطغى على البناء الفني دائما، فعدد الشعراء الندابين يكثر يوماً بعد آخر، وفي كل مناسبة دينية أو اجتماعية او سياسية تجد حضوراً للشعراء، وكأنَّما القصيدة واجبٌ اجتماعي يجب على الشاعر تقديمه في كل مناسبة من هذه المناسبات، وهي طريقة للأسف جرجرت الشعر الى زوايا مظلمة، وحوَّلت الشاعر الى ندابة تدور في مجالس العزاء وتكرر نفس البكائيات في كل مجلس.                                   

الشعر العراقي الان يعاني أزمة الأسئلة، فهو شعرٌ ممتلىء بالإجابات ، شعرٌ يقينيٌ في معظمه، لا أسئلة فيه، ولا قلق معرفياً أو وجودياً أو فنياً، كله يصف الحياة من الخارج، ولا يشترك فيها، شعرُ قشورٍ وليس شعراً غائصاً في الروح والعقل، طغيان الشعبويات على الكثير من الشعر العراقي الان، حيث ثقافة الشعراء التي لا تتعدَّى قراءة البوستات اليومية في الفيس بوك، دون أنْ تتغذَّى تلك الثقافة بالجديد من المعرفة والأدب العالمي، لهذا فالشاعر يلجأ الى بئر ذاته يمتح منه إلى أنْ يجفَّ سريعا، فتخرج في النهاية قصائد ممتلئة بحواف تلك البئر، من طينٍ يابسٍ وماءٍ راكد، وهذا ما يحدث ــ للأسف ــ لدى عدد من الشعراء العراقيين الذين بدأوا جيدين شعرياً، ولكنهم ركدوا وانسدَّ نهر إبداعهم دون أنْ يكون له مصبٌّ يخرج منه، أو نبعٌ يتزود بالجديد، فركد الماء وماتت النباتات داخله.                                                   

وربما كانت المهرجانات والمسابقات الشعرية والجوائز التي تُفصَّل على قصائدَ معينةٍ وأغراضٍ محددةٍ قد حوَّلت عدداً من هؤلاء الشعراء الى ببغاوات تردد وتكتب ما يُطلب منها، بوصف الشاعر الآن نجَّاراً وعدّتُه النجارية هي اللغة، فتخرج النصوص باردةً ومصنوعةً صناعةً لا روح فيها.

ربما شكل غياب النقد العراقي أزمةً أخرى من أزمات الشعر هنا، فقد ابتعد عن متابعة ما يحصل من تدهور شعري وعدم تأشير ذلك التدهور بوضوح دون لف أو دوران، فقد بقي النقد الأدبي يعجن بالمصطلحات النقدية التي لا  يُفهم منها شيءٌ اطلاقاً، فلم نر ناقداً إلى الان يتحدَّث عن مشاكل وأزمات الشعر العراقي المعاصر، فيما نجد عدداً من النقاد مازال منشغلا بالرواد وما بعدهم بقليل، فيما انشغل عدد آخر من النقاد بمجاملات يومية لا تشكل ثقلاً يضاف لرصيد المعرفة الإبداعية.                                                                           

كذلك تقف الأكاديمية العراقية ايضاً سبباً من أسباب تردي الوضع الشعري في العراق، وذلك بسبب تكلس الدرس الأكاديمي، وعدم انفتاحه على المشهد المعاصر، بل إن معظم الأكاديميين  الان يعيشون عزلة كبيرة عن الوسط الثقافي، وبهذا فقد تراجع الدرس النقدي الأكاديمي واختفت ملامح النقد المباشر للتجارب الشعرية.                                                    

السوشال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي ربما كانا من الأسباب التي صدَّرت الهوامش على أنها متونٌ رئيسةٌ وملهمة، فشعراء من أنصاف الموهوبين حين ينشرون نصوصهم سيحصل البعض منهم على الاف الإعجابات والتعليقات، بسبب سعة الأصدقاء في صفحته الشخصية، فيما شاعرٌ كبيرٌ مثل حسب الشيخ جعفر حين ينشر نصاً جديداً وهو بحسب ما نرى حدثٌ ثقافيٌ حين ينشر "حسب الشيخ جعفر" قصيدة جديدة، ولكنه لم يستطع أنْ يحصل على إعجاب مئة شخص.                                   

هناك مظاهر كثيرة تؤشر لأزمة الشعر في العراق، التقليديون الذين يتناسلون يومياً ويكرر واحدهم الآخر، والغنائيون جداً في الشعر العراقي الذين يعالجون قضايا كبرى يمرُّ بها البلد بسذاجةٍ عاليةٍ للأسف، وهذا ينم عن ضعفٍ ثقافيٍ في تكوين هؤلاء الشعراء ومرجعياتهم الفكرية والثقافية.        العراق البلد الذي كان من أكثر البلدان العربية ظهوراً للمدارس الشعرية، فمنه تنطلق موجات الحداثة والتجديد، وفي كل جيل تنطلق البيانات الشعرية والحركات المجددة، ولكنه منذ سنين طويلة قاربت العشرين عاما دب الكسل في مفاصله الشعرية، فلم نسمع عن جيل شعري جديد، أو حركة إبداعية مغايرة، فما الذي يحدث ؟ هل تراجع الحياة في العراق في الخدمات والبنى التحتية أسهم بتراجع حياة الشعر لدينا؟ ومن سيضخ الدماء في القصيدة غير أولئك المغامرين الذين نبحث عنهم؟

حسب الشيخ جعفر

كلمة عائلة الشاعر حسب الشيخ جعفر

أما كلمة عائلة الشاعر المحتفى به فألقاها شقيقه الأستاذ الدكتور صاحب أبو جناح وفيما يأتي نصها:                                      

يسرني ويشرفني أن أقف اليوم بينكم نيابة عن أخي محيّياً أصدقاءنا في وزارة الثقافة، وبخاصة الأخوة في دار الشؤون الثقافية لجهودهم المتقنة في إعادة طباعة النتاج الفكري والأدبي والمجموعات الشعرية الكاملة لصفوة شعراء العراق وأدبائه ووضعها بين أيدي الأجيال الجديدة من القراء الشباب في طبعات أنيقة تليق بهذا النتاج الذي أضحى دعامة راسخة في صرح الثقافة العراقية والعربية المعاصرة .

أيها الأصدقاء..

نعلم جميعاً أن الثقافة هي الزاد الروحي الرفيع للأمم الحية، بل هي الملهم الأعظم لبناء قواعد الحضارة الانسانية، وهي أيضاً الثمرة اليانعة المستنيرة للمجهود الحضاري الإنساني، ويتبوأ الفن بأنماطه ومظاهره اللغوية والتشكيلية والنغمية الذروة العليا في المعمار الحضاري والثقافي لكل أمة سطّرت لها وجوداً في تاريخ الإنسانية وفي حاضرها الراهن.

فالفن بكل أنماطه ملاذ الروح الإنسانية، فهو الواحة التي تستظل به النفوس البشرية، بل هو سبيلها للتطلع نحو آفاق السمو الروحي، وصفاء المشاعر، لتأوي الى ذاتها متأملة فيما يكتنفها من وجود بعيداً عن مشاغل الحياة اليومية ورتابتها وسأمها.

وادراكاً من وزارة الثقافة لهذا الدور الحيوي للوظيفة الثقافية بادرت بهمة عالية ونشاط حثيث لإقامة مواسم وأعياد لنشاطات الدوائر المعنية فيها من آداب الى فنون الى عمارة أثرية الى معارض للكتاب محلية واقليمية ودولية، الأمر الذي أحيا الآمال الفسيحة لدى كل مواطن عراقي وعربي تعنيه وتهمه المشاغل الثقافية والفنية التي بات يتلقاها بوتيرة منتظمة ودأب يبعث الارتياح ويثير الاعتزاز والاعجاب ويستدعي الشكر والامتنان للقائمين عليها.

أصدقائي الأفاضل..

إن استجابتكم للدعوة الكريمة الموجهة من وزارة الثقافة والسياحة والآثار بهذه المناسبة الثقافية الرفيعة بيوم الشعر العالمي وبمناسبة صدور المجموعة الشعرية الكاملة، إنما هي تكريم ووفاء ومحبة للشاعر الذي استجمع كل طاقته الشعرية، واستثمر جميع مواهبه ومكوناته الثقافية الثرية، وأمسك بزمام اللغة التي انقاد له معجمها الشعري بطواعية نادرة وسلاسة مدهشة، الأمر الذي جعله يحظى بهذا التآلف الجميل منكم وبهذا الاستقبال العريض من جمهور القراء العرب من عشاق الشعر والفن الرفيع، ولا يخفى أن السر في ذلك أنه اعتمد في كل أشعاره على القيم الإنسانية الخالصة والمضمون الثقافي الرفيع مادةً لمشاغله الشعرية، بعيداً عن الأطر الضيقة والانغلاق الفكري بمختلف ألوانه وقيوده التي تحجر الفكر وتحجب مدى الرؤية والوعي المستنير.

فشكراً لكم على حضوركم البهي واجتماعكم المؤنس، واسمحوا لي أن أعبر نيابة عن أخينا الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي أعجزه العارض المرضي الذي ألم به منذ أيام عن الحضور والاستمتاع بلقائكم الحميم، ونيابة عن أفراد أسرتنا وعن جمهور قرائه المتجدد أبداً، عن شعور الوفاء والامتنان والمحبة لكل من بذل جهداً خاصاً للإعداد لهذا الحفل الكريم من الأفاضل العاملين في وزارة الثقافة، وفي مقدمتهم معالي السيد الوزير الأستاذ الدكتور حسن ناظم، والأستاذ عارف الساعدي مدير عام دار الشؤون الثقافية، ولمن بذل جهداً رائعاً في طباعة الأعمال الشعرية ومتابعتها بإتقان ودقة عالية تليق بمنزلة الشاعر في نفوس جمهور قرائه، وهنا لا بد من التنويه بالجهد الإستثنائي الذي بذله الصديق الشاعر المبدع الدكتور عارف الساعدي مدير دار الشؤون الثقافية وفريقه المثابر في الدار، فشكراً لهم جميعاً .. وليكن الله في عونهم دائماً وأبداً .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فاضل ثامر

موجز الرؤية النقدية للناقد الكبير فاضل ثامر

وقدم الناقد الكبير فاضل ثامر الرئيس السابق للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ورقته النقدية لتجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر ومما قاله فيها:

الحديث عن الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر حديث طويل ولا أظن أن كلماتنا التي خصص لها الزميل مدير الحفل خمس دقائق فقط ممكن أن تفي بكل شيء، ولهذا سأضع ورقتي جانباً وأتحدث حديثاً ودياً.. ظلت تربطني صداقة وثيقة بالشاعر الكبير منذ الستينيات، أي تقريباً منذ أن نشر قصيدته الأولى في مجلة الآداب اللبنانية عام 1962. حضر الى بغداد وأتيحت له فرصة طيبة للسفر الى موسكو لإكمال دراسته هناك وحصل على ماجستير في الآداب من خلال دراسته في معهد خاص للدراسة في هذا المجال. واصل تجربته الشعرية في الحقيقة في موسكو كما واصلها بعد عودته ومازال منتجاً. يمكن أن نقول أنه قد أمضى ستة عقود وهو يكتب ويعيش التجربة الشعرية، ولهذا كانت تجربته هي بمثابة معايشة يومية لتطور الوعي الشعري لدى الشاعر، وبالتأكيد بدأ الشاعر من الرومانسية والغنائية، لكنه فتح بعد ذلك آفاقاً درامية وملحمية كثيرة في دواوينه المختلفة. أنا شخصياً تابعت المجاميع الشعرية كـ"نخلة الله" و"زيارة السيدة السومرية"، ومن هذه المجاميع كانت البداية القوية والدقة الشعرية العالية، فكانت فيها إضافات مهمة للشعر العراقي لعله يشكل إشكالية بالنسبة للتعقيب، فهو شاعر ستيني بالتأكيد لأن تجربته هي تجربة ستينية بامتياز إلا أنه يختلف عن بعض الأقران من شعراء الستينيات وخاصة شعراء جيل البيان الشعري الذي وضعه فاضل العزاوي ومجموعة أخرى من الزملاء، هؤلاء اتجهوا اتجاهاً مغايراً، أعلنوا القطيعة مع منجزات الحداثة الخمسينية التي مثلتها تجارب نازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وأعلنوا تقاربهم مع الأشكال الشعرية مابعد الحداثة، إذا جاز التعبير، وتفوقوا على الكثير من القوالب ودعوا الى تطوير اللغة ووقفوا قريباً من الحافات الأولى لقصيدة النثر، من روادها أدونيس والماغوط، بالنسبة له في الحقيقة لم يتنكر للجيل الخمسيني وإنما حاول أن يطور هذه البنية الشعرية الخمسينية نحو آفاق أوسع، فاستطاع أن يقدم هذا العطاء من خلال هذا الخطاب الشعري خلال هذه الفترة فكان يعكس مستوى وعيه الشعري وتطوره. لنقل أن تجربته الشعرية هي تجربة معاناة حياتية حقيقية فهو ذلك الفتى القروي الذي جاء من مدينة وادعة قريبة من القرية لكنه اصطدم فجأة بالبنية الكبيرة، بداية اصطدم بمدينة بغداد، ثم اصطدم بمدينة موسكو، وجد أن القيم تختلف وأن التعاملات تختلف، وهذا سبب له الكثير من التشوش والاضطراب، حاول أن يعبّر عن ذلك شعرياً، وحاول أن يستعيد توازنه قدر المستطاع، ولهذا نجده كان يلجأ دائماً الى نوع من التمائم الكتابية التي تركها في مدينته القرية، ميسان، وفي بدايتها وجد (نخلة الله) وغيرها، وفي علاقته بـ(نخلة الله)، كان دائما يخاطب هذه النخلة، واستمر في هذه التجارب الشعرية في دواوينه الأربعة الأولى، بعد ذلك انطلق الى تجارب أخرى وآخرها كانت تجربة مؤثرة جداً، وأيضا كتب مجموعة من التجارب التي التي استفاد فيها في الحقيقة من (كليلة ودمنة) و(حكايات ايسوب) وماشابه، فمجموع تجربته تجربة متكاملة لا يمكن اسقاط أي شيء منها ربما نجد الكثير من جوانب الإخفاق في هذه المرحلة أو تلك لكن بشكل عام هي تجربة ناضجة، ومن التجارب التي يفخر بها الشعر العراقي والتجربة الشعرية الحداثية العربية بشكل عام، وأنا أعتقد أن حسن الشيخ جعفر يستطيع من خلال هذا الديوان أن يكون سفيراً للشعر العراقي في العالم، وأعتقد ان الجميع ينتظرون بلهفة هذا الإنجاز الكبير وأدعوا الى تنظيم حلقة دراسية لكي نستطيع أن نقول فيها ما كتبناه في أوراقنا.

ناجح المعموري

موجز الرؤية النقدية للناقد الكبير ناجح المعموري

الورقة النقدية الثانية كانت للناقد الكبير الدكتور ناجح المعموري الرئيس الحالي للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وركز فيها على تجربة الاشعر المحتفى به في استلهامه للأسطورة:

لقد ذهب حسب الشيخ جعفر بدعوة أو دورة صحفية الى موسكو ونشر صفحة في مجلة الأقلام "الريح تمحو والرمال تتذكر" ولو توفرت لنا الفرصة المناسبة الآن لمعاودة قراءة هذا الجهد والكتابة عنه فحتماً ستتغير الرؤيا بسبب تغير المصادر الثقافية والمعرفية التي حزنا عليها عبر تاريخ طويل، وأعني بها مثلاً العناية بالفلسفة والدراسات الثقافية لأن الدراسات الثقافية وصلت الى مرحلة تعاملت مع الأنثى بوصفها ديناً وهذه إحدى المصادر المهمة والحيوية التي ترجمت من قبل الدكتورة الجليلة هناء خليف غني، والجهد السيري لحسب الشيخ جعفر تمركز حول العلاقة مع الأنثى وهذا جانب أساسي وحيوي، واذا رجعنا قليلاً الى مرحلة الشباب في الأهوار وفي القرية ستظهر العلاقة الثنائية بين حسب كشاعر يمتلك عقلاً بنائياً في العلاقة مع الشعر والتجارب الشعرية سنجد بأنه قد وصل الى عتبة أساسية، وكشف لنا عبر الجهد السيري، اللغة السيرية الرفيعة والعالية جداً، وهذا ما ميز حسب الشيخ جعفر أكثر واكثر عن غيره من الشعراء الملاحظة المهمة التي لها علاقة بالفلسفة، ويبدو أن الشاعر انتبه بعناية هيغل وجهده الفلسفي بتقديم أطروحة سريعة كانت آنذاك وقبل ان يذهب حسب الشيخ جعفر الى الخارج ركز على دور الأنا ودور الذات، لهذا نجد بأن حسب الشيخ جعفر تمظهرت امكانياته الشعرية العالية جداً في لحظات العزلة والقطيعة مع الفضاء الخارجي الذي اكتفى بدور الذات وقدم الكثير من النصوص المهمة في هذا المجال، الملاحظة المهمة التي اود التذكير بها أن حسب الشيخ جعفر كان ذكياً في تضمين الدواوين بمجموعة من الهوامش، وابلعودة لهذه الهوامش سيجد المطلع بأنه قد ركز على تفاصيل أساسية أو مركزة جداً حول فضاء الأسطورة، ويبدو لي بأن الشاعر يدرك أن الفضاء النقدي العراقي لايمتلك إمكانية بالتعرف على المعنى الأسطوري المخفي والمتقدم عليه في نصوص حسب الشيخ جعفر، وهذا ما أكد لي لاحقاً بأن حركة النقد العراقي تجهل بالكامل التجربة الفنية التي استعانت بالاساطير السومرية بشكل واضح جداً، وهذا مايمكن الإشارة له بملاحظة ضرورية جداً حول أحد الأسماء النقدية البارزة والكبيرة والتي لها مكانة كبيرة في الحياة الثقافية العراقية والعربية ومازالت حتى بعد وفاته، وأعني به طراد الكبيسي قد وقع في إشكالات ليست بسيطة عندما كتب دراسة نقدية طويلة تحت عنوان "زفاف الآلهة الموطوءة" وهنا تتضح صورة غير العارف وغير القادر على التوصل للمد النقدي التحليلي الذي يتطلب الذهاب الى المرحلة التي وظفت من قبل الشاعر حسب الشيخ جعفر، لأنه كتب عن شوبلاتيدو فلاح الإله أنكي والذي هبطت الآلهة عشتار في بستانه وذهب اليها شبلاتيدو على الرغم من أنها كانت محزمة بحزام سحري واستطاع أن يدنو منها ويغتصبها، تفاصيل الاسطورة تفاصيل كثيرة وطويلة، ونحن نعلم بأن العقل الغربي دائماً مايقدم النصوص العراقية مجزأة حتى لايوفر فرصة للناقد أو المثقف العراقي أن يتعامل مع ذاكرته أو مع خزان الذاكرة الممثل لها بالأساطير، لهذا اعتمد طراد وهذا أحد الأخطاء الجسيمة على مقاطع ترجمها صاموئيل كريمر بينما في الحقيقة قبل أن يتوفى صدرت المجموعة الكاملة التي ترجمها قاسم الشواك وأشرف عليها أدونيس وأيضا ترجم هذه الأسطورة شوقي عبدالأمير وصدرت في بيروت. إشكالية طراد الكبيسي من صياغة العنوان لانه لم يستطيع التوصل لما ينطوي عليه هذا التجاوز الذي حصل من قبل فلاح وهو أيضا محمي بطاقة اسطورية ممنوحة له ويتجاوز على الآلهة عشتار. أنا قدمت كتاب صدر عن المدى بعنوان "الجنس في الأسطورة السومرية" وقد كتب عنه الصديق علي الفواز ونشرت المقالة آنذاك وكانت في الحقيقة جيدة وفيها شيء من المجازفة لأن النص معقد جداً، طراد الكبيسي تعامل مع ظاهرة الجنس المقدس أو طقوس الجنس المقدس التي عرفها العراق القديم آنذاك باعتبارها شكل من أشكال الزفاف التقليدي المعروف في الأرياف أو المدن وهذا أوقعه في خطأ كبير جداً. الملاحظة الأخيرة وسأكتفي بها قرأت مقالاً نقدياً للشاعر عبدالزهرة زكي حقيقة هو واحد من المقالات النقدية الذكية والتي انطوت على ملاحظات شاعر مع توفر اللغة النقدية الشعرية، عبدالزهرة زكي أشار بشكل سريع الى خزان الذاكرة الأسطوري الذي يتمتع به الشاعر حسب الشيخ جعفر لانه ضمّن مثلا الزورق الذهبي في إحدى قصائده ولم يشر حسب بشكل واضح وصريح عن منطقة النيشان والتي وظفت في السرد من قبل عدد من القصاصين كان أول القصاصين فهد الأسدي وجمعة اللامي وجاسم عاصي وشوقي كريم وهذه منطقة متوترة ومشحونة بالميثولوجيا والأساطير. الملاحظة الأخيرة أتمنى أن تذهب دار الشؤون الثقافية أو وزارة الثقافة لعقد ما يشبه الحلقة الدراسية لحسب الشيخ جعفر وأرجو توجيه الدعوات لمن لديه خبرة ومعرفة بالميثولوجيا لأن حسب شاعر مظلوم لأنه حتى القراءات النقدية عنه كانت سريعة. حسب خزان من الأساطير ولم يتجاهل الطفولة والشباب، والملاحظة الأخيرة أن حسب على الرغم من تمركز الأنا وهذه واحدة من خصائص المبدعين الكبار لم يعش الخوف في العلاقة مع الآخر كان يتحاور معه ويوظف كبار الثقافات مثلما وظف ماحصل عليه في موسكو وبغداد بالعودة الى الأماكن والعودة الى الأزمنة وقد أبدع في هذا التحول وفي هذا الانتقال.

علي الفواز

موجز رؤية الناقد الكبير على حسن الفواز

في حين طالب الناقد الكبير علي الفواز نائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في ورقته النقدية بأن يقرأ حسب الشيخ جعفر وفق حساسيته الشعرية، لأن حسب استدعى الى قصيدته الفلسفة والميثولوجيا واستدعى الأسطورة بكل تمثلاتها حيث قال: 

أظن أن صناعة المتحف الثقافي من الصناعات المعقدة والصعبة وحسناً بادرت دار الشؤون الثقافية لأن تطبع الكتب الكاملة لحسب لكي تصنع له متحفه الخاص، وأظن أن أقصى السعادة أن يكون الشاعر داخل متحفه يلتذ بتاريخه، بذاكرته، بزماناته السابقة، لأن حسب شاعر اشكالي على مستوى التوصيف وعلى مستوى الإنجاز، وهو شاعر خلخل الكثير من اليقينيات الثابتة في تاريخنا الشعري لاسيما في المرحلة الستينية التي تشكلت على وفق مرجعيات ثقافية، على وفق تمثلات شكلانية معينة على مستوى أبنية ايديولوجية وتمثلات ثقافية من حد معين. حسب كان واحداً من الشعراء الذين كسروا هذه المنظومة المغلقة حينما جاء من موسكو بمرجعيات شعرية مختلفة، فهو جاء بذاكرة بوشكين وذاكرة آخماتوفا، وأظن أن هذه الذاكرة حينما جاءت الى المشهد العراقي الصاخب والمحتدم بالثورات الشكلانية لم يجد ألفة من هذا الفضاء الثقافي، وهذا ماجعل البعض من النقاد يتعامل مع حسب بحساسية وبحذر شديد، فضلاً عن أن حسب حينما جاء الى بغداد عام 1969 كانت التجربة الستينية على وشك اأن تكتمل مع البيان الشعري المعروف الذي صدر بمجلة شعر 69، أيضا من العلامات الفارقة في تجربة حسب هي القصيدة المدورة ربما في مجموعته الأولى "نخلة الله" كان هو الأقرب الى التجربة السيابية بغنائيتها، بتمثل صورها الشعرية، بحساسيته، بنفسيته، لذلك البعض لا يضع هذه المجموعة، حتى وإن حملت الى حد ما نبوءة بالتجدد الشعري، لكن التجربة الكبرى التي مثلت حسب بكل مايعينه حسب من كتلة شعرية مثيرة للجدل والاسئلة كانت مع الكتب الشعرية التي صدرت فيما بعد وهي "الطائر الخشبي" و"زيارة السيدة السومرية" و"عبر الحائط في المرآة" التي شكلت منعطفاً تاريخيا ومنعطفاً فنياً ومنعطفاً اشكالياً، إذاً أجادت هذه التسمية في مقاربة الشعرية العراقية، وأظن أن القصيدة المدورة بكل ما تعنيه هذه القصيدة على الرغم من أن هذه القصيدة هي لعبة فنية لكنها بتقديري شكلت فضاءً ثقافياً استطاع الشاعر بإتقان وبمهارة أن يمزج داخل هذا التشكل وهذا التلاحق الصوتي المهم أن يستدعي الكثير من الأزمنة وأن تكون هذه القصيدة السائلة متدفقة بغنائية وبرؤى شعرية ربما لم تألفها الذائقة الشعرية العراقية. صحيح أن نازك الملائكة بكل ماتعنيه من الريادة الشعرية قد وقفت بالضد من قصيدة التدوير واختارت قصيدة من قصائد حسب وقالت إن الشاعر يفتقد الإرادة في كتابة هذه القصيدة لكن لأن هذه القصيدة لها حيازة فنية ولها قدرة على التجاوز أو أن تكون ملمحاً من ملامح تجاوز الشعر العراقي استطاع أن تكون علامة مهمة من داخل المنجز الشعري العراقي. عموماً كما قلت إن الحديث يطول عن حسب لكن بتقديري أن حسب يمثل تجربة لها خصوصية معينة وينبغي أن يقرأ وفق حساسيته الشعرية، لأن حسب استدعى الى قصيدته الفلسفة والميثولوجيا واستدعى الأسطورة بكل تمثلاتها، وحاول أن يجر الأسطورة من تمثلها السيابي ذات البعد الانبعاثي على طريقة الشعراء التموزيين الى القصيدة الأورفيوسية، القصيدة التي قد يجد البعض أنها تمثل خيبة الشعراء الستينيين أو خيبة الجيل الستيني الذي عانى من عصر مرحلة ما بعد عام 63 ، المرحلة الخطرة التي تحولت الى نكسة سياسية، هذه التمثلات هي التي جعلت من حسب يستدعي، ربما بحكم وعيه الماركسي وربما الايديولوجي، ومن أهم الملامح أن حسب تخلص من عقدة الايديولوجية المضخمة داخل القصيدة، ربما كان ممتداً من خارج القصيدة لكن داخل القصيدة بدأ هذا الكائن الفلاحي، الكائن الرومانسي، الكائن المعرفي الذي يحاول أن يجرف الأشياء لكي يصنع صورة .

احمد الزبيدي

موجز رؤية الناقد الكبير أحمد الزبيدي

وركز الناقد الكبير الدكتور أحمد الزبيدي في ورقته النقدية على "المتوالية الدلالية" في شعر حسب الشيخ جعفر قائلا:

الورقة أعتقد أنها ستقدم شيئاً جديداً لم يلتفت اليه بتجربة حسب الشيخ جعفر عنوانها هي "المتوالية الدلالية" من يقرأ أعمال حسب الشيخ جعفر سيجد ثمة دال يكاد أن يكون مركزياً يتابعه في قصائده، يمكن القول في أغلبها هو دال الريح وأحياناً يجمعها بـالرياح، هذا الدال له رمزيته في الحضارات القديمة ومرتبط بالقوة والطاقة المحركة، هذا الدال الذي كان المعول الذي استخدمه الإله شمش في نصرة كلكامش في مواجهة خمبابا ، هذا الدال وهذه الرمزية العالية التي تكون مع رئيس مجمع الآلهة إنليل فهذه الطاقة لم تكن طاقة اعتباطية موجودة في تجربة حسب الشيخ جعفر، وباختصار جداً أن الاعمال في "نخلة الله" تتكون من خمس عشرة قصيدة، في كل هذه القصائد يوظف هذه الطاقة، طبعا هنالك إحصائية كم مرة يتكرر، فمائة بالمئة يوظف هذه الدالة في المجموعة الأولى، في المجموعة الثانية "الطائر الخشبي" المتكونة من ثلاث عشرة قصيدة، إحدى عشرة قصيدة يوظف فيها الدال، أي 85 بالامئة، في "زيارة السيدة السومرية" إحدى عشرة قصيدة، هناك تسع قصائد طوال، أي 82 بالمئة، "عبر الحائط في المرآة" 90 بالمئة، "في مثل حذو الزوبعة" 85 بالمئة، "أعمدة سمرقند" 22بالمئة، "كران البور" 119 قصيدة، 26 بالمئة فقط يوظف هذه الدالة، "الفراشة والعكاز" 22 قصيدة 11 50 بالمئة فقط، "رباعيات العزلة الطيبة" خمس قصائد، يوظفها خمس مرات، أي مائة بالمئة يوظف الدالة في هذه المجموعة، "أنا اقرأ البرق احتطاباً" يتكون من 1354مقطوعة شعرية، يوظف 116 أي ثمانية بالمئة ، أخيراً "تواطؤاً مع الزرقة" من 123 أربعة واربعون بالمئة فقط. بعد قراءة هذه القصائد اكتشفت أن هذا الدال يكثر أو يهمين في القصائد الغنائية، القصائد التي يعود فيها الى الريف، الى بيئته، إنه الدال الذي يعني له الزمن ويحركه الى الماضي، أما المجموعة التي قلّ فيها هذا الدال هو "أعمدة سمرقند" لأن هذه القصائد هي عبارة عن قصائد سردية أو درامية، مجموعة حكايات وقصص مأخوذة من "كليلة ودمنة"، فحسب في هذه المجموعة هو راوي يروي قصة فيتحدث عن حدث، ولذلك هنا يعطي للشخصيات حريتها في التعبير عن الحدث، وهذا السبب أدى الى غياب الحس الغنائي، أدى الى ضعف هذا الدال في توظيفه في هذه المجموعة الشعرية، بينما هناك قصائد غنائية مثلاً "يا نخلة الله الوحيدة في الرياح" فهذا لاتجده في القصائد الدرامية، وفي قصيدة "حورية البحر" يتحدث عن فتاة جميلة يرمز لها بحورية البحر، يتحدث عن امرأة على الساحل، عن مشهد حاضر وآني وليس عن نخلة الله أو عن ذكريات أو الماضي، وفي "كران البور" أيضا في الهامش يفسر الدال الذي هو قريب من الرياح، تجد في القصيدة كلمة الهبو يذكرها في الهامش الغبرة التي تحملها الرياح في الجو، نجد في الهيث يفسرها في الهامش الريح اللاهب والحروق أيضا هي الريح اللاهبة، وهناك نماذج كثيرة في هذه الورقة لكن الوقت لايسمح بذكرها، حتى في "الريح تمحو والرمال تتذكر" دائما الريح لها هيمنة في قصائده، وأيضاً يوظف هذا الدال كما في قصيدته "في مثل حذو الزوبعة" يأتي بنص :جاءت الريح طائرة من الغرب حاملة في رأسها ودورانها كومة أوراق يابسة، وفي "رباعيات العزلة الطيبة" الناشر وضع الإهداء بخط يد حسب أيضا وظف هذا الدال، طبعا في قصائده الدرامية يضعف توظيف هذا الدال كذلك مثلاً في قصيدة "الصفارة" هي محاورة شعرية يوظف شخصية الشاعر.

مداخلة الشاعر ئاوات حسن أمين

وفي مداخلته قال الأديب ئاوات حسن أمين مدير عام دار الثقافة والنشر الكردية: 

أؤكد أن مختارات الشاعر حسب الشيخ جعفر تترجم الآن من قبل الناقد الكردي المعروف عبدالله طاهر برزنجي الى الكردية وعلى وشك أن ينتهي منها، وثانيا هذه أول مرة أقوم فيها بترجمة آنا اخماتوفا من قصائده وقام بترجمتها للغة العربية وقام بمراجعتها الأخ آزاد برزنجي، ثالثاً شيركو بيكه س في مذكراته يذكر أنه استفاد كثيراً من حسب الشيخ جعفر ومن صداقته خلال تعارفهم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في بغداد عن القصيدة المدورة واستفاد في كتابته من خلال مطولاته الشعرية الكرسي أو المزهرية.

الجدير بالذكر أن الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر المولود عام (194 في ناحية هور السلام بمدينة العمارة، "جنوبي العراق" وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في محافظة ميسان، وانتقل وهو في سن الثامنة عشرة إلى موسكو ليدرس في معهد غوركي للآداب عام 1959 لمرحلتي الليسانس والماجستير فحصل على ماجستير في الآداب عام 1965. ثم عاد إلى وطنه وعمل في الصحافة والبرامج الثقافية الإذاعية، كما عمل محرراً في الصحافة الثقافية البغدادية. وهو عضو عضو الهيئة الإدارية في الاتحاد العام للأدباء والكتاب منذ 1969 حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي، وحضر المؤتمرات الأدبية والشعرية في العراق والدول العربية والاتحاد السوفيتي. من دواوينه الشعرية‌ نخلة الله، شعر، 1969.الطائر الخشبي، 1972.زيارة السيّدة السومريّة، شعر، 1974.عبر الحائط في المرآة، شعر، 1977.وجيء بالنبيين والشهداء.في مثل حنو الزوبعة.الأعمال الشعرية، شعر، 1985.أعمدة سمرقند، شعر، 1985.كران البور.الفراشة والعكاز.تواطؤاً مع الزرقة.كما أصدر رباعيات العزلة الطيبة رماد الدرويش مذكراته عن مرحلة الدراسة في موسكو.الريح تمحو والرمال تتذكر، رواية، 1969.مختارات من الشعر الروسي.وترجم قصائد مختارة لغابرييلا ميسترال، وقصائد مختارة لبوشكين.حصل تقديراً لأعمال الشعرية على جائزة السلام السوفيتية في سنه 1983 وجائزة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر الـدورة الثامنة : 2002 - 2003.