شعلة عبدالإله السياب الفنان المبدع والمربي الفاضل تنطفئ

رحيل الأستاذ والفنان الكبير لا يمكن تعويضه لما كان عليه من عطاء فني خلاق سيظل شاخصاً في ذاكرة الفن العراقي الأصيل.

في الثالث عشر من يوليو/تموز 2024 أفل نجم ورمز عراقي ثقافي وفني أصيل ذلك هو الفنان والمربي الفاضل الأستاذ عبد الإله السياب الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عاماً إذ عرف عنه أنه   تميز بمزجه بين أصالة فنه الإبداعي التشكيلي وبين عمله تربوياً فاضلاً شهدت له مدينة النجف الأشرف التي رأى النور في رحابها عام 1940، وعلى الرغم من أنها مدينة عرفت بقدسيتها وصرامة تقاليدها المحافظة إلا أنها كانت تحتضن الكثير من العلماء والأدباء والمثقفين في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والفنون الذين كانوا ومازالوا  يشار لهم بالبنان الى يومنا هذا، وكان الأستاذ السياب واحداً منهم، والذي استطاع أن يبلور حبه وشغفه للفنون التشكيلية وبالذات فن الرسم وأن يصقل مواهبه المتوهجة لتلقى تعليماً أكاديمياً رصيناً حين بالتحاقه بالدراسة في معهد الفنون الجميلة في بغداد ليتحصل على الدبلوم بتفوق في عام 1961، حيث درس على أيدي نخبة من أبرز أساتذة الفنون في هذا المعهد العريق.

المتتبع للسفر الإبداعي لهذا الفنان الكبير  يجده حافلاً ومزداناً بفيوضات إبداعية  تشكيلية  متنوعة تميزت بأساليب تنم عن قدرات غير تقليدية، حيث درس على أيدي كبار الفنانين العراقيين: فائق حسن، أسماعيل الشيخلي،عطا صبري، خالد الرحال، وغيرهم.. وكانت له مكانته المرموقة التي شملت النواحي والابداعية بشكل خاص والنواحي التدريسية والتربوية التي تمثلت بحصوله على العضوية في نقابه الفنانين العراقيين في وقت مبكر، فضلاً عن جمعية الفنانين التشكيليين وساهم في معظم معارضهما، وكان عضواً مؤسساً في جماعة فناني النجف وساهم في جميع معارضها وآخرها المعرض التشكيلي الخاص بفناني النجف الاشرف الذي أقيم مطلع العام الحالي في غاليري نقابة الفنانين العراقيين – المركز  العام، بمشاركة الفنانين: حمودي الرفيعي، حيدر الدباغ، نصير جواد، ليث نوري، سلام كمال الدين.

 أقام الراحل أكثر من ثمانية معارض شخصية في مدينتي النجف الأشرف والعاصمة بغداد، كما شارك في معرض السنتين العربي الأول في بغداد عام 1979، وساهم في معارض عراقية عدة في الأردن، وفي أغلب المعارض داخل وخارج العراق، وتميزت أعماله بالواقعية المحلية ، التي استلهمها من وقع الشارع والسوق والمدينة والريف، والمرأة وتحولاتها وتنوع أدوارها الاجتماعية والجمالية ، فضلاً عن الزيارات الإيماني لمراقد الأئمة وفي مقدمتها مرقد الإمام علي بن أبي طالب   عليه السلام، وواقعة عاشوراء الأليمة وما انطوت عليه من  تجليات وتمظهرات ثورية كان يصوغها وفق رؤاه الجمالية والإبداعية، ليغوص في تفاصيل الحياة اليومية،تاركاً بصماته الموحية والمعبرة والدالة، ليس على  سطوح لوحاته حسب ، والتي أخذت طريقها الى عقول وقلوب المتلقين من مختلف المشارب والأجيال، بما فيهم تلامذته في عديد مدارس مدينة النجف الأشرف التي كان لنا شرف الدراسة فيها من بين المئات من طلبتها لاسيما إعدادية النجف للأعوام من 1968- 1972، حيث قام بتدريس مادة الرسم في إعدادية النجف، وثانوية الخورنق، وثانوية الإمام الحسين، ومتوسطة الإمام علي، كما أوفد إلى السعودية للتدريس عام 1965.

 ومن أعماله المهمة ومأثوراته أنه رسم لوحة جدارية سيراميك بحجم (6 في4 متر مربع) في مدينة الكوفة سنة 1979 قرب مسجد الكوفة ورفعها بعد ذلك النظام السابق، وطبعت له وزارة الثقافة والإعلام سابقاً إحدى لوحاته في إيطاليا مع لوحات الفنانين العراقيين الرواد، كذلك طبعت له ثلاث ملصقات جدارية في مناسبات مختلفة، وكتبت عنه صحف ومجلات عراقية وعربية أمثال: الجمهورية، طريق الشعب، الراصد، الف باء، اليمامة السعودية، وغيرها الكثير، وحصل على شهادات تقديرية كثيرة وكتب شكر وتكريم خلال مسيرته الفنية، وله مقتنيات من لوحاته في بلدان كثيرة وأغلبها في دول الخليج العربي، وعرضت له قاعات عدة في بغداد ومنها : قاعة حوار، قاعة نادي العلوية، قاعة الأورفلي، قاعة إناء، قاعة أكد، قاعة الرواق، قاعة دجلة.

لقد شكل رحيل الأستاذ عبد الإله السياب الفنان المبدع  والمربي الفاضل خسارة فادحة لايمكن تعويضها لما كان عليه من عطاء فني خلاق سيظل شاخصاً في ذاكرة الفن العراقي الأصيل .