العرب بين وحشين طامعين في الذكرى 48 لحرب أكتوبر 1973

انقلب القتال من قتال العدو الإسرائيلي الى قتال عدو يريد الهيمنة على البلاد العربية ونشر الميليشيات المسلحة ونشر التشيع.
إسرائيل تتوسع في الأراضي المحتلة وايران تنشر ميليشياتها وأتباعها
العرب باتوا محاطين بالأعداء ذات اليمين والشمال والمنطقة على وشك الانفجار

أمس مرت الذكرى 48 على حرب أكتوبر 1973 وهي الذكرى التي أعادت تقييم الوضع الاستراتيجي للعرب، بعد انتصار العرب على إسرائيل، وهو انتصار معنوي وليس ماديا حيث أن العرب لم يستردوا شيئا من الأراضي المحتلة، واستمرت الحرب في حالة تكافؤ بين الطرفين وكانت روسيا تمد مصر وسوريا بالسلاح والولايات المتحدة تمد إسرائيل به، وتوقفت الحرب نتيجة الخطر الذي شكله تقابل القوتين النوويتين: الاتحاد السوفيتي وأميركا دون تحقيق أي استرداد للأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 اي سيناء وهضبة الجولان.

اليوم وبعد مرور 48 عاما على تلك الحرب، هل بات العرب أقرب الى التحرير والنصر؟ من الناحية العسكرية، يرجح أنه بمقدور العرب اليوم هزيمة إسرائيل، فقد كان سر نجاح حرب اكتوبر هو المفاجأة والتزامن في الهجوم على إسرائيل من الشمال ومن الجنوب، ولولا الدعم الأميركي لإسرائيل، لكانت النتيجة مختلفة. ولكن الوضع اليوم اختلف كثيرا، فهناك ميليشيات منتشرة في شمال إسرائيل وجنوبها ولا يحتاج الأمر إلا هجوما متزامنا من غزة وحزب الله والضفة الغربية، وقد شاهدنا كيف أربكت غزة إسرائيل في معركة سيف القدس في أيار الماضي، ولو أنها تلقت دعما من الفصائل المختلفة لكانت النتيجة حاسمة لمصلحة الفلسطينيين.

الأمر اليوم بات أكثر تعقيدا، فلم تعد القدرة العسكرية هي العامل الوحيد في اتخاذ قرار الهجوم، بل هناك عوامل أخرى جعلت العرب يحجمون عن النضال، لأن الأولويات اختلفت، فبدلا من قتال إسرائيل وتحرير فلسطين، بات العرب محاطين بالأعداء ذات اليمين والشمال، وباتت المنطقة على وشك الانفجار في حروب طائفية لم تكن من قبل في الحسبان، وهم لا يريدون قتال إسرائيل حتى مع امتلاكهم للقدرات العسكرية والمناضلين المستعدين للشهادة.

امتنعت الفصائل المسلحة في الأراضي المحتلة وجنوب لبنان عن المشاركة في الهجوم على إسرائيل بسبب اختلاف انتماءاتها وولاءتها، فهناك فصائل تربط بين حماس وايران، ولا تريد تعزيز موقف ايران الطامعة ببلاد العرب، وهذه القوى لها ثقل كبير وتسليح يوازي أسلحة حماس ولكنها لا تريد تعقيد الأمور أكثر اذا هزمت إسرائيل ووجدت ايران أنصارا لها في الداخل العربي، وانقلب القتال من قتال العدو الإسرائيلي الى قتال عدو يريد الهيمنة على البلاد العربية ونشر الميليشيات المسلحة ونشر التشيع، فالتاريخ محفوظ وقد فعلتها ايران من قبل حين تغلغلت في الخلافة العباسية ودخلت في احتراب مستمر مع الدولة الأموية وهزمتها وأخرجتها من المشرق العربي الى المغرب ومن ثم الى الأندلس عام 711م.

يأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه، فها نحن اليوم قادرون على هزيمة اسرائيل وتحرير فلسطين كاملة، والعائق الوحيد هو النظام الحاكم في ايران، الذي جاء من باريس عام 1979 بعد أن مهدت له الاستخبارات الأميركية الذي كان يرأسها آنذاك جورج بوش الأب، الذي كان يخطط لحفظ أمن إسرائيل الى الأبد، فتمخض ذكاؤه عن فكرة إعادة التاريخ وجعل المنطقة ملغومة بالاقتتال الطائفي الى ما شاء الله.

نجحت خطة بوش الأب وعلى الرغم من قوة العرب وانتشار الفصائل المسلحة التي تتوق الى محاربة إسرائيل، إلا أن الدول العربية تخشى من هيمنة ايران المحتومة بالنظر الى انتشار ميلشياتها في الدول العربية وهي مسلحة ومدربة جيدا، وتستطيع القضاء على إسرائيل اذا شاركت الفصائل الفلسطينية في القتال، ولكن النتيجة ستكون وبالا على العرب، لأن الميلشيات العقائدية لديها رسالة أبعد من التحرير وتعتبر نشر التشيع فرضا عليها، والغريب بالأمر هو أن الاستخبارات الأميركية أدركت ما لم يكن العرب يدركونه إلا بعد حصوله، ثم انشغلوا بالتحليل لمعرفة المآرب بعيدة الأمد.

اليوم بات العرب بين وحشين طامعين بالتمدد هما ايران واسرائيل، وأصبحوا في حالة جمود، فإسرائيل تتوسع على حساب الأراضي المحتلة عام 1967، وايران تنشر ميليشياتها وأتباعها بين العرب بهدف إعادة الخلافة الشيعية واستعادة أمجاد الماضي. ومهما كانت قوة العرب، فلا قبل لهم بعدوين في آن واحد.