العلاقات الإسرائيلية - الأردنية في أعقاب حرب غزة

لم يتأثر أي بلد بالحرب بشكل عميق أكثر من الأردن. يجب على إسرائيل أن تخفف من مخاوف الأردن لإنقاذ معاهدتها المهمة مع جارتها بينما تتعاون بشكل كامل في البحث عن حل دائم للصراع الإسرائيلي -الفلسطيني.

وصلت العلاقات الإسرائيلية – الأردنية تحت قيادة رئيس الوزراء نتنياهو إلى مستوى منخفض جديد. ومن المؤسف أنه بعد 30 عاماً من السلام، هناك كآبة وخيبة أمل عميقة بين البلدين. لقد فشل، باستثناء التعاون الأمني، التطلع إلى الشراكة الاستراتيجية. لا يتفق العاهل الأردني الملك عبدالله ونتنياهو بشأن العديد من القضايا. ويرى الملك أن نتنياهو مسؤول بشكل خاص عن تدهور العلاقات بين البلدين. وما يثير قلق الأردن بشكل خاص هو المعاملة الوحشية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومخاوفها بشأن أي تغيير في وضعها كحارس للأماكن الإسلامية المقدسة (الحرم الشريف)، ومخاوفها بشأن حدود العلاقات الاقتصادية الثنائية. وما زاد الطين بلّة للعلاقة المتضررة بالفعل هو المذبحة المأساوية الغافلة والدمار الذي لحق بالفلسطينيين في غزة نتيجة للحرب بين إسرائيل وحماس.

وبالنسبة للأردن، فإن الحل المستقبلي للصراع الفلسطيني هو الأكثر إثارة للجدل لأن أي شيء يحدث للفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية، له تأثير مباشر وغير مباشر على أمن الأردن واقتصاده وتركيبته السكانية بسبب قربه وأيضا لأن نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني. ولم يبذل نتنياهو أي جهد يذكر لمعالجة المخاوف المبررة للملك عبدالله بشأن الأوضاع الأمنية المتدهورة بسرعة في الضفة الغربية. فمنذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما يقرب من 220 فلسطينيًا في الضفة الغربية حتى كتابة هذه السطور، وليس هناك ما يشير إلى أن العنف سينحسر في أي وقت قريب.

أجل، من السخف هنا هو أنه بالنظر إلى أن الأردن في سلام مع إسرائيل منذ عام 1995، فقربه من إسرائيل، ومخاوفه المتبادلة بشأن استقرار المنطقة يجعل الحاجة إلى التعاون الكامل في تبادل المعلومات الاستخباراتية والعلاقات التجارية والأمن القومي أن تصبح أكثر شدة وأهمية من أي وقت مضى. ولكن اعتبر نتنياهو الأردن أمرا مفروغا منه، في حين ظلت عمان في الواقع وفية لجهودها التعاونية مع إسرائيل وتواصل لعب دور حاسم في مراقبة وتأمين الحدود التي يبلغ طولها حوالي 300 ميل مع إسرائيل لمنع تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين إلى داخل إسرائيل والضفة الغربية.

لقد غيرت الحرب بين إسرائيل وحماس الديناميكية السياسية للعلاقة الأردنية – الإسرائيلية بشكل كبير. فرغم أن الأردن أعرب عن تعاطفه تجاه الإسرائيليين بسبب المذبحة التي لا يمكن تصورها والتي ارتكبتها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين الأبرياء، إلا أن الغزو الإسرائيلي لغزة والدمار المروع والموت كان سبباً في إثارة غضب الأردنيين إلى مستوى غير مسبوق بين البلدين منذ توقيعهما على معاهدة السلام في عام 1994.

أكثر من 50% من السكان الأردنيين هم من أصل فلسطيني ولديهم صلة قوية بإخوانهم أينما أقاموا. وأدى مقتل أكثر من 14 ألف فلسطيني في غزة، بما في ذلك ما يقرب من 6000 طفل و4000 امرأة، إلى إثارة ضجة لا مثيل لها في الأردن، حيث أدان الأردن إسرائيل وطالب بوقف فوري للأعمال العدائية. وفي الواقع، ومن منطلق التعاطف والتضامن، اختار العديد من الشباب الأردني تبني “أيديولوجية حماس”.

قدم الوفد الأردني العامل في الأمم المتحدة قرارا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”، تبنّته 120 دولة. وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، استدعى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي سفير الأردن لدى إسرائيل قائلا إن قراره بالإستدعاء كان “تعبيرا عن رفض الأردن وإدانته للحرب المستعرة في غزة، والتي تقتل الأبرياء وتسبب كارثة إنسانية غير مسبوقة”.

يعتبر الأردن الإخلاء القسري والتهجير للفلسطينيين في غزة بمثابة حرب ضد المدنيين من شأنها أن تهز بشكل أساسي العلاقات الثنائية الإسرائيلية – الأردنية، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الأردن لديه أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين من أي دولة أخرى، مما يجعله متعاطفًا وحساسًا بشكل غير عادي للقضية الفلسطينية.

ومما يثير قلق الحكومة الأردنية بشكل خاص أن حكومة نتنياهو عازمة على حرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على الأردن محليًا. وما يقلق المملكة الهاشمية هو أن بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية الحالية يعيدون إحياء فكرة أن الأردن هو فلسطين من خلال أفعالهم في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن نتنياهو يدرك مدى حساسية الحكومة الأردنية تجاه هذه القضية البالغة الأهمية، إلا أنه لم يفعل شيئًا لتهدئة مخاوف الأردنيين المتزايدة من أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيتم دفعهم بالكامل إلى الأردن.

يمكن لعمان أن تلعب دوراً دبلوماسياً إقليمياً مهماً في وقف تصعيد الصراع، وخاصة في الضفة الغربية، قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة. إن الأردن، الدولة الأكثر استقراراً والتي تتمتع بقيادة سياسية معتدلة في منطقة اشتعلت فيها الصراعات العنيفة، كانت ولا تزال تخدم إلى جانب إسرائيل باعتبارها حجر الزاوية في الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، والتي يتعين على البلدين أن يحرساها بغيرة.

هناك العديد من الإجراءات الضرورية التي يجب على الحكومة الإسرائيلية اتخاذها لتخفيف وإصلاح المظالم الأردنية السابقة والحالية واستعادة وتحسين العلاقات الثنائية بينهما، الأمر الذي من شأنه أن يخدم مصالحهما الوطنية على أفضل وجه.

أولاً، نظراً لارتباط الأردن المباشر وغير المباشر مع الفلسطينيين، لا ينبغي لإسرائيل أن تتجاهل مخاوف الأردن بشأن الاشتباكات العنيفة بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى. في الآونة الأخيرة أجبر العنف المتزايد في الضفة الغربية الأردن على تعزيز أمن حدوده لمنع تصاعد العنف من الامتداد إلى أراضيه. أضف إلى ذلك، فإنه يمكن أن يتسبّب بتدفق الفلسطينيين إلى الأردن، وهو ما تريد عمّان تجنبه. يجب على إسرائيل أن تؤكد مجددا بلهجة لا لبس فيها أنها تحترم سيادة الأردن، وأن أي حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سيكون منفصلا عن استقلال الأردن ولن ينتهك بأي شكل من الأشكال إستقلاله الذي تعترف به إسرائيل.

ثانياً، يجب على إسرائيل أن تلتزم بمواصلة إمدادات المياه والغاز إلى الأردن دون انقطاع. وهذا أمر بالغ الأهمية لاستعادة ثقة الأردن في أي حكومة إسرائيلية، حيث تآكلت هذه الثقة بشكل خطير في عهد نتنياهو. ويتيح مشروع “الازدهار الأزرق والأخضر” الذي تموله الإمارات العربية المتحدة والموقّع في أغسطس/آب 2023، استبدال المياه الإسرائيلية المحلاة بالطاقة الشمسية الأردنية. هذا مشروع مهم للأردن ويجب حمايته وتنفيذه بالكامل تحت أي ظرف من الظروف.

ثالثًا، على الرغم من أن العلاقات الأمنية التعاونية وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الأردن وإسرائيل لا تزال وثيقة، إلا أنه يجب على الحكومة الإسرائيلية ضمان بقاء تعاونهما الأمني سليمًا وقويًا. ويجب على إسرائيل أيضًا أن تتعامل بعناية مع احتياجات الأردن الأمنية الفريدة نظرًا لاستمرار التوتر الإقليمي والتهديدات التي تشكلها الجماعات المسلحة المتطرفة، فضلاً عن مخاوف الأردن بشأن التهديدات الإيرانية التي تشاركه فيها إسرائيل. تحتاج عمّان إلى الشعور بالاطمئنان إلى أن إسرائيل تحمي ظهر الأردن.

رابعاً، يتعين على إسرائيل أن تؤكد للأردن أنها لن تسعى تحت أي ظرف من الظروف أو تسهل أي تغيير في الوصاية والمسؤولية الإدارية للأردن على الأماكن الإسلامية المقدسة (الحرم الشريف) في القدس. من وجهة النظر الأردنية، فإن الترتيب الحالي يمنح الأردن أساساً استراتيجياً يسمح له بأن يكون له رأي في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين فيما يتعلق بالقدس. ورغم أن المملكة العربية السعودية تطمح إلى الاضطلاع بهذا الدور، ينبغي لإسرائيل أن تحترم اتفاقها مع المملكة الهاشمية منذ ضم إسرائيل القدس الشرقية لها في عام 1967.

خامساً، يتعين على إسرائيل تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الأردن من خلال توسيع استيراد وتصدير السلع والخدمات وتشجيع الإسرائيليين على الاستثمار في الأردن، وخاصة في القطاع التكنولوجي، وزيادة السياحة بمجرد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وتراجع المشاعر الشعبية المعادية لإسرائيل في الأردن.

يجب على حكومة نتنياهو الحالية أو أي حكومة إسرائيلية مستقبلية ألا تدخر أي جهد لحماية روابطها وتحسين علاقاتها باستمرار مع الأردن بصفته الحليف العربي الأكثر أهمية لإسرائيل وشريك السلام وأقرب جيرانها. وبما أن لديهما مصلحة أمنية وطنية مشتركة قوية وتحالفًا استراتيجيًا، ينبغي على إسرائيل أن تعمل جنبًا إلى جنب مع الأردن في البحث عن حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لأنه سيؤثر بشكل مباشر على المصلحة الوطنية الأردنية على كل الجبهات.

من المؤكد أنه بالنظر للحرب بين إسرائيل وحماس التي تجعل من المستحيل أو المرغوب فيه استعادة الوضع الذي كان قائماً من قبل، فقد أصبح الآن أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى بالنسبة لإسرائيل والأردن تخفيف خلافاتهما وتعزيز تحالفهما الاستراتيجي وإيجاد نقاط مشتركة بشأن كيفية حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

إشارة

لمزيد من المعلومات حول كيفية التوصل إلى اتفاق سلام مستدام على أساس حل الدولتين، يرجى الرجوع إلى مقالتي في مجلة الشؤون العالمية (World Affairs)، “مبررات إقامة كونفدرالية إسرائيلية- فلسطينية-أردنية: لماذا الآن وكيف؟”