الغنوشي يستقطب رموز بن علي لإنقاذ شعبيته المتآكلة

تعيين محمد الغرياني الأمين العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل كمستشار مكلف بملف المصالحة في ديوان رئاسة البرلمان يأتي وسط اعتراضات عدد من الأحزاب وانتقادات بعضهم الآخر لقرار يمس من حيادية الديوان.
النهضة تلجأ للمصالحة الوطنية ودعوات الحوار لتلافي عزلتها

تونس - يسعى رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، لتلافي عزلته وإنقاذ شعبيته المتآكلة من خلال استقطاب رموز النظام القديم على الرغم العداوة التاريخية بينهما، في محاولة لاستثمار دعوات المصالحة في تدارك مكانة حزبه المتراجعة بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تونس.

ويحمل الشارع التونسي حركة النهضة الإسلامية الشريك الرئيسي في الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات التسع الماضية مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وقال الغنوشي الأحد إن استقطاب النظام القديم إلى البرلمان لا يعد انتكاسة للثورة بل تمهيدا للمصالحة، لافتا إلى نموذج الانتقال السياسي في جنوب أفريقيا إبان سقوط النظام العنصري في تسعينات القرن الماضي.

جاء ذلك في كلمة ألقاها الغنوشي أمام البرلمان ردّا على انتقادات توجه بها نواب إليه على خلفية تعيينه مؤخرا الغرياني، مستشارا لرئيس البرلمان مكلفا باستكمال ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

وتابع الغنوشي "ليس لدينا خيار في التعامل مع النظام القديم إلا أسلوبين إما المصالحة والبحث عما هو مشترك أو الانتقام".

وألحق الغنوشي آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي (منحل قضائيا) الذي حكم تونس قبل الثورة، محمد الغرياني، بخطة مستشار مكلف بملف المصالحة في ديوان رئاسة البرلمان، على الرغم من العداوات القديمة بين الإسلاميين ونظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وتقلّد الغرياني منصب أمين عام حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، من عام 2008 إلى غاية حلّ الحزب في مارس/آذار 2011، إبان أحداث الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (1987-2011).

ودافع الغنوشي عن استقطاب أبرز رجال النظام المنحل إلى البرلمان بذريعة "المصالحة الوطنية"، فيما يحاول زعيم النهضة استرجاع نفوذه المتراجع على وقع ما يعانيه من عزلة داخل الحركة الإسلامية بعد انتفاضة العشرات من القيادات ضد بقائه على رأس الحزب، فضلا الأزمة السياسية التي عاشها داخل البرلمان مع تعالي دعوات سحب الثقة منه.

وقادت رئيسة الحر الدستوري عبير موسي على مدى الأشهر الماضية ضغوطا لسحب الثقة من الغنوشي داخل البرلمان، محذرة من استخدام نفوذه خدمة لأجندات حزبه الإسلامية.

وقال الغنوشي إن "استقطاب محمد الغرياني يتنزل في إطار تحييد مستشاريه"، مضيفا "هناك اعتراضات على هذا، لكن في التعاطي مع النظام القديم لا يوجد إلا أسلوبين، إما أسلوب المصالحة والبحث عما هو مشترك أو أسلوب الانتقام".

ونوّه بأن "أسلوب الانتقام جُرّب في كل (بقية بلدان) الربيع العربي، فسقط هذا الربيع وبقيت تونس بسبب سياسة التوافق التي انتهجتها".

وأردف "في تقديري أن التحاق أحد رموز النظام القديم تحت هذه القبة (البرلمان) لا يعني أن الثورة انتكست إلى الماضي، وإنما الماضي تطور في اتجاه الحاضر".

شعبية الغنوشي تتآكل
شعبية الغنوشي تتآكل

يرى كثيرون أن استقطاب الغنوشي للغرياني كمستشار مكلف بملف المصالحة في ديوان رئاسة البرلمان يتناقض تماما مع مطالب النواب تحييد البرلمان.

وأودع الغرياني السجن عقب الثورة في 2011 بتهم ترتبط بفساد مالي في إدارة الحزب وأفرج عنه في 2013.

وخلف هذا التعيين ردود فعل متباينة واعتراضات من عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان.

ويضم البرلمان كتلة الحزب الدستوري الحر الذي يمثل أبرز وريث لحزب التجمع المنحل ولكنه على خلاف حاد مع الإسلاميين وأحزاب أخرى معارضة لنظام بن علي.

واستطرد الغنوشي "محمد الغرياني قدّم اعتذاره للشعب التونسي وانتقل إلى أرضية الثورة ولم يتبجح بالماضي وإنما انتقل إلى الدستور والثورة".

وزاد بقوله "يجب أن نفتح الطريق أمام كل الطيبين الذين يريدون الانتقال إلى أرضية الدستور والثورة، ونشجعهم على ذلك، بدل أن نرسخ عوامل القطيعة".

وتابع "تعيين الغرياني يأتي في إطار سعيي لتنويع ديواني والبحث عن مستشارين متخصصين في الاقتصاد والقانون وأتصرف ضمن ما هو متاح من خصوصيات لرئيس البرلمان".

وشدد الغنوشي في تصريحات سابقة على أن "ما تعيشه تونس منذ الثورة، يؤكّد الحاجة لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحدا".

وأعرب مرارا عن "الاستعداد لإطلاق مبادرة مصالحة وطنية شاملة" بين قوى الثورة وقوى النظام القديم".

ودعت حركة النهضة صاحبة أكبر كتلة برلمانية في مناسبات عديدة، إلى "مصالحة وطنية شاملة وتهدئة بين كل الأطراف السياسية والاجتماعية والاستثمار في الوحدة الوطنية نظرا للأوضاع التي تمر بها البلاد"، في خطوة تسعى من خلالها لاستدراك فشلها في حل أزمات البلاد التي تشهد وضعية اقتصادية متردية، فيما يحملها التونسيون مسؤولية الأزمة باعتبارها الشريك الرئيسي بالحكم.