الكغاط يوثق للمسرح المغربي تأليفا وإبداعا

جهد توثيقي متميز ونادر قدمه الباحث والناقد المسرحي المغربي د.فهد الكغاط في معجمه "معجم المسرحيات المغربية".
الكغاط انطلق في إنجاز المعجم المسرحي الموسوعي سنة 2012
معجم الكغاط يقرب المسافات، وينفض الغبار عن المنسي والمهمل

جهد توثيقي متميز ونادر ذلك الذي قدمه الباحث والناقد المسرحي المغربي د.فهد الكغاط في معجمه "معجم المسرحيات المغربية.. من البداية حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين" والذي انطلق فيه من مجموعة من التساؤلات المحورية في تشكيله لمنهجية التوثيق في المعجم، منها: ما هو نص مسرحي مغربي؟ وما هي أول مسرحية مغربية منشورة؟ ما هي النصوص المسرحية التي ألّفها أو اقتبسها أو ترجمها كتاب مغاربة قبل الاستقلال؟ ما هي مسرحيات محمد القرى، وعبدالواحد الشاوي، والمهدي المنيعي، والبشير العلج، أين ومتى قدمت هذه المسرحيات، من مثل فيها ومن قام بإخراجها؟
ما هي المسرحيات المغربية، المؤلفة والمقتبسة، التي قدمت الهواة والمحترفين من الاستقلال إلى الآن؟ ما هي مسرحيات أحمد الطيب العلج، والطيب الصديقي، وعبدالله شقرون، المنشورة وغير المنشورة، المؤلفة والمقتبسة؟ ما هو تاريخ كتابتها؟ وما هو التصنيف التجنيسي الذي وضعه كتابها لها؟ ما هي الأعمال التي قدمت منها على خشبة المسرح؟ من أخرجها، ومن صمّم ديكورها، ومن شارك في أداء أدوراها؟ ما هي النصوص المسرحية التي ألّفها أو اقتبسها أو استنبتها أو أعدها أو ترجمها كتاب مغاربة على امتداد تاريخ المسرح المغربي، أي على امتداد ما يفوق تسعين سنة بقليل، من 1923 إلى 2017؟ متى كتبت هذه المسرحيات، وكيف صنفها كتابها؟ ما هي النصوص التي نشرت منها، في الكتب والمجلات والجرائد؟ وما هي الأعمال التي قدمت منها في المهرجانات الوطنية والدولية؟ ما هي النصوص المسرحية المنشورة وغير المنشورة، التي ألّفها كتاب مغاربة بالفرنسية، أو الإنجليزية، أو الإسبانية أو غيرها من اللغات الأجنبية الأخرى؟
وأكد الكغاط أن المعجم يقدم إجابات تامة عن بعض هذه الأسئلة وغيرها، حين يكون ذلك ممكنا، وإجابات جزئية عن بعضها الآخر، حين يتعذر الوصول إلى الجواب التام. وقال "أعتقد أن أي معجم مثل الذي يضمه هذا الكتاب يمثل في الواقع مشروعا متواصلا، لا يبلغ أبدا حالة الاكتمال، ويمكن اعتباره على الدوام قيد التحقيق، طالما أنه يقبل التنقيح والإضافة. من هنا، فإنه لا يمكن أن نحدد لمعجمنا حالة نهائية، وأن نعتبرها دالة على تمامه. بل إن هذا العمل يعتبر مشروعا مفتوحا، يمكن الرجوع إليه باستمرار من أجل المراجعة والضبط والتنقيح".

معجم الكغاط يقرب المسافات، وينفض الغبار عن المنسي والمهمل، ويؤكد أن للمسرح المغربي تاريخيا من التأليف والإبداع، وله من الأسماء والتجارب ما يسمح لنا بالافتخار به

وأضاف أن الأسئلة هنا تدفع إلى إثارة قضية التوثيق للإبداع المسرحي بالمغرب، وأهمية ذلك بالنسبة إلى الباحث والممارس المسرحي معا. لا شك في أن من أبرز الصعوبات التي تعترض الباحثين والدارسين في مجال المسرح بالمغرب، ما يتمثل على الخصوص في قلة الأرشيف وفي غياب التوثيق للمنجز المسرحي، سواء تعلق الأمر بالنصوص الدرامية، أو بالعروض المسرحية. وإذا كان عدد من المؤسسات الثقافية في أوروبا وفي بعض بلدان العالم العربي قد أسس للأرشفة والتوثيق في الفنون والآداب بصفة عامة، وفي المجال المسرحي بصفة خاصة، فإننا في المغرب لا نزال نفتقر إلى مراكز ثقافية ومؤسسات مسرحية، من شأنها أن توثق للتجارب المسرحية المغربية، وأن تعمل على حفظ ذاكرة الإبداع المسرحي بالمغرب، بجانبيه النصي والفرجوي معا".
ورأى الكغاط أن جميع أرشيف المسرح المغربي بمختلف مواده النصية والمشهدية، والتوثيق المنهجي للحركة المسرحية بالمغرب من البداية إلى الآن، مهمتان كبيرتان ينبغي أن تضطلع بهما مؤسسة ثقافية عمومية، أو مؤسسة مسرحية متخصصة. ولما كنا في المغرب نفتقر إلى مثل هذه المؤسسات، فوحدها أعمال فردية محدودة جدا حاولت أن تسد الفراغ الكبير الذي تعرفه المكتبة المسرحية المغربية فيما يخص الأرشفة والتوثيق المسرحيين. وإذا كان بعض هذه الأعمال قد وثّق لمسارات مجموعة من الفرق المسرحية، أو لتجارب بعض أعلام المسرح المغربي، وبعضها الآخر كان عبارة عن بيبلوغرافيات للنصوص المسرحية الصادرة في كتاب أو المنشورة في مجلة أو جريدة.
ولفت إلى إن هذا المعجم يوثق للمسرحيات المغربية المؤلفة، وأوضح "أن المسرحيات التي وثقنا لها في هذا المعجم هي المسرحيات التي ألفها أو اقتبسها أو استنبتها أو أعدها أو ترجمها كتاب مغاربه لأجل أن تعرض على خشبة المسرح أمام الجمهور. وأما التمثيليات الإذاعية، وهي أعمال درامية تكتب لأجل أن تذاع على أمواج الإذاعة، فقد استبعدناها في هذا العمل لأنه من الصعب جدا أن نحيط بها كلها أو على الأقل بجزء كبير منها، وإن كان من المهم هنا أن نشير إلى أن المبدع المسرحي عبدالله شقرون قد وثّق في عدد من مؤلفاته للتمثيليات الإذاعية التي قدمها إلى المستمعين في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي على أمواج الإذاعة المغربية".
وأشار الكغاط إلى أنه لم يدرج أيضا في هذا العمل صنفين آخرين من الأعمال الدرامية: الأول النصوص المسرحية المكتوبة بالأمازيغية، باستثناء ما قدم منها في دورات المهرجان الوطني للمسرح بمكناس وتطوان، وبعض ما طبع منها ونشر في كتب. إننا لا نتوفر في المغرب على أي أرشيف خاص بهذا الصنف من المسرحيات، كما أن المكتبة المغربية لا تقدم إلا مراجع محدودة جدا عن بعض التجارب المسرحية الأمازيغية. والثاني المسرحيات الموجهة للأطفال، وهي أعمال ينبغي أن يخصص لها معجم توثيقي مستقل.
يتألف هذا المعجم من ثلاثة أقسام هي: أولا معجم المسرحيات المغربية، سواء أكانت مؤلفة، أم مقتبسة، أم مستنبتة، أم معدة. ثانيا مسرحيات مغربية بالفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية. ثالثا مسرحيات عالمية نقلها مترجمون مغاربة إلى العربية.
وحول المنهج الذي اعتمده قال الكغاط إن "المنهج الذي اعتمدناه في تقديم مواد هذا المعجم يتلخص فيما يلي:ـ كل مدخل من مداخل المعجم هو عنوان مسرحية مؤلفة، أو مقتبسة، أو مستنبتة، أو معدة ـ رتبنا مداخل المعجم ترتيبا هجائيا، وعرضنا كل واحد منها على أساس خمسة أجزاء هي:
ـ الأول "التأليف/ الاقتباس/ الاستنبات/ الإعداد". يشير إلى مؤلف النص المسرحي، أو مقتبسه، أو مستنبته أو معده.
ـ الثاني "النشر": لما يكون النص منشورا، فإن هذا الجزء يقدم معطيات عن ذلك. وهكذا فإذا تعلق الأمر بكتاب، فإننا نشير إلى دار النشر، ومكانها، ورقم الطبعة، وتاريخ النشر، وعدد الصفحات، وحجم الكتاب، وإذا تعلق الأمر بمجلة أو جريدة أو ملحق جريدة، فإننا نشير إلى الاسم والعدد، وتاريخ الصدور.
ـ الثالث "تاريخ كتابة النص": يشير إلى تاريخ كتابة النص، لما يكون ذلك متوفرا.
ـ الرابع "عتبات": يشير إلى التصنيف التجنيسي الذي وضعه المؤلف لنصه المسرحي، عندما يكون ذلك متوفرا.
ـ الخامس "عروض": يقدم هذا الجزء معطيات ـ  متى توفرت ـ عن عروض أنجزت للمسرحية.

مثال توضيحي 
لنأخذ أحد مداخل المعجم من أجل توضيح ما سبق، وليكن مسرحية "انتصار الحق بالباطل" لعبدالخالق الطريس:
انتصار الحق بالباطل 
تأليف: عبدالخالق الطريس 
المطبعة المهدية، تطوان، 1933
83 صفحة، حجم صغير.
تعد أول مسرحية مغربية منشورة.
نشرت أيضا في الكتب الآتية: 
رضوان احدادو، مسرح عبدالخالق الطريس، دار الشويخ للطباعة، تطوان، الطبعة الأولى 1988.
عبدالرحمان عبدالوافي الفكيكي، مسرحية انتصار الحق بالباطل للأستاذ عبدالخالق الطريس – دراسة تحليلية، منشورات جمعية تطاون أسمير، مطبعة الخليج العربي، تطوان، 2006.
نشرت كذلك في مجلة الفنون، المغرب، العدد 3-4، السنة 3, أكتوبر – ديسمبر/كانون الأول 1976، من ص. 10 إلى ص. 82. 
ذيل المؤلف نصه المسرحي بالمكان والتاريخ الآتية: "رواية تمثيلية في ثلاثة فصول".
عرضت لأول مرة بمسرح اسبانيول بتطوان في 10 يونيو/حزيران 1936.
تأليف وإخراج: عبدالخالق الطريس 
ديكور وتزيين : Antono Torres
عرض: فرقة طلبة المعهد الحر.
أدى أدوارها: مصطفى بن عبدالوهاب ـ محمد أحمد الفاسي ـ عبدالكريم بنونة ـ محمد أشعاش ـ عبدالخالق القناقي ـ أحمد مدينة ـ محمد امغارة. 
وأوضح الكغاط أن ما قدمه النموذج التوضيحي السابق حول هذه المسرحية "انتصار الحق بالباطل" يتألف من الأجزاء الخمسة التي تشكل المنهج الذي اعتمدناه في تقديم مواد هذا المعجم والتي حددناها لعرض كل مدخل من مداخل المعجم. 
المعجم الذي صدر عن دار توبقال للنشر خصه د.يونس لوليدي بتقديم مهم قال فيه: "من مصطلح "الفهرس إلى مصطلح "البيبليوغرافيا إلى مصطلح "معجم"، هذا هو المسار الذي قطعه – إلى حد الآن – التوثيق والتأريخ لحركة التأليف المسرحي المغربي. وإن كان د.الكغاط قد اختار أن يطلق على منجزه الضخم هذا تسمية "معجم" فلأنه يعلم الطابع الموسوعى للمعجم عندما يتصدى لكل ما يتعلق بعلم ما أو بفن ما أو تاريخ ما.
وكشف أن الكغاط انطلق في إنجاز هذا المعجم المسرحي الموسوعي سنة 2012، وطيلة هذه السنوات كنت مواكبا لهذا العمل الضخم الذي يتطلب جهدا كبيرا، وإخلاصا في العمل، وتدقيقا وتمحيصا يؤكدان شغف د.فهد الكغاط بالتوثيق والأرشفة وحفظ الذاكرة المسرحية المغربية في شقيها النصي والفرجوي.
وقال لوليدي "إذا كان التوثيق والأرشفة عمل مؤسسات في أوروبا، فإنهما في المغرب عمل أشخاص، آلوا على أنفسهم حفظ ما لم تحفظه الجهات الرسمية. وهكذا سار د.فهد الكغاط على خطى عدد من الأكاديميين والباحثين المغاربة ـ ممن سبقوه أو تزامنت أعمالهم مع عمله ـ أمثال: محمد أديب السلاوي، ومحمد الكغاط، والمهدي الودغيري، وعبداللطيف ندير، وأحمد مسعاية، ومصطفى رمضاني، ومحمد يحيى قاسمي، وغيرهم كثير. وبقدر ما استفاد الكغاط من الذين سبقوه، بقدر ما سعى إلى أن يحمل معجمه هذا عددا من الإضافات، لعل من بينها:
أولا: إن هذا المعجم يضمّ حوالي ثلاثة آلاف عنوان، وهو عدد ضخم من المسرحيات التي وثقها د.فهد الكغاط، وهو إن كان يلتقي في عدد منها مع الذين سبقوه، إلا أنه ينفرد بالجزء الأكبر منها.
ثانيا: عمد الكغاط إلى توثيق المسرحات غير المنشورة أيضا، أي أن معجمه يضم ـ بالإضافة إلى المسرحيات المنشورة ـ مسرحيات مخطوطة أو مطبوعة على الستانسيل، أو مسرحيات عرضت ولا تزال نصوصها غير متداولة بين الناس.
ثالثا: حمل هذا المعجم إضافات من حيث التوثيق، إذ كلما أمكن ذلك إلا وأشار د.فهذه الكغاط إلى التجنيس الذي وضعه المؤلف المسرحي لمسرحيته، وأشار كذلك إلى عرض هذه المسرحية ومكان عرضها وزمانه.
رابعا: جرت العادة أن يتم التوثيق للمسرحيات المغربية من خلال التمييز بين المسرحيات المؤلفة والمسرحيات المقتبسة، غير أن د.فهد الكغاط أضاف تمييزات دقيقة أخرى هي: المسرحيات المستنبتة والمسرحيات المعدة والدراماتورجيا، مما أضفى على معجمه مزيدا من الدقة في التصنيف، بما أن عددا من المسرحيات المستنبتة والمعدة كانت تدرج تحت خانة المسرحيات المقتبسة، على الرغم من الخصوصيات التي تميز كل نوع من هذه الأنواع.
خامسا: إن قائمة مراجع هذا المعجم تدل بوضوح على أن صاحبه لم يترك مصدرا إلا واشتغل عليه، سواء تعلق الأمر بالبيبلوغرافيات السابقة، أو بالدراسات والأبحاث، أو بالأطاريح، أو بالمجلات والجرائد، أو بالملصقات والمطويات، وكتيبات المهرجانات.
وأشاد د. لوليدي بالمعجم معتبرا إياه "مفخرة للحركة المسرحية المغربية، كما أنه سيصبح مرجعا لا غنى عنه للباحثين والأكاديميين والمسرحيين ـ المغاربة والعرب ـ يقرب المسافات، وينفض الغبار عن المنسي والمهمل، ويؤكد أن للمسرح المغربي تاريخيا من التأليف والإبداع، وله من الأسماء والتجارب ما يسمح لنا بالافتخار به، رغم ما قد يعرفه من حين إلى آخر من كبوات تدخل ضمن الصيرورة الطبيعية لكل عمل إنساني".