الكويت تراهن على مشاريع أثرية للتحوّل لمقصد للسياحة الثقافية

البلاد تشهد اكتشافات حديثة وحفائر وترميمات وأعمال تطوير بمواقع مختلفة.

عرفت الكويت علم الآثار قبل عقود مضت، وقد حظي ذلك العلم المتعلق بدراسة تاريخ البلاد، وما تركه الأجداد من معالم وآثار يعود تاريخها لآلاف السنين، باهتمام بالغ من قبل الكويتيين الذين حرصوا على أن يكون لهم إسهاماتهم الخاصة في هذا المجال، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل على يد مجموعة من الآثاريين والعلماء الذين قدموا الكثير من الدراسات المتخصصة التي نشرتها الدوريات العلمية العالمية المعنيّة بحقل البحوث الأثرية.

وتتنوّع جهود المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في المجال الأثري، ما بين ترميم معالم مكتشفة، واكتشافات أثرية جديدة، واستمرار أعمال الحفائر والبحث والتنقيب عن مزيد من الآثار التي لم تكتشف بعد.

ويضاف لتلك الجهود المساعي الكويتية لتسجيل المشهد الثقافي لجزيرة فيلكا الأثرية، على قائمة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

وفي إطار العمل على حماية وتطوير المناطق والمزارات الأثرية، جاء الإحتفال بإعادة افتتاح القصر الأحمر في محافظة الجهراء بعد إعادة تأهيله، وافتتاح متحف السلاح، وذلك بحضور وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري، حيث رأي وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب، أن مشروع إعادة ترميم القصر الأحمر في منطقة الجهراء يساهم في الحفاظ على هذا التراث العظيم، فهذا القصر الذي شيد عام 1896 بأمر المغفور له بإذن الله الشيخ مبارك الصباح، رمز للصمود والتاريخ، ويعتبر شاهدا على الروح الوطنية والشجاعة التي أظهرها أهل الكويت في الدفاع عن أراضيهم.

ويُعد القصر الأحمر معلما تراثيا وتاريخيا مهما، إذ يجسد كفاح الآباء والأجداد في الدفاع عن الكويت، وتعود تسميته بالقصر الأحمر إلى الطين الأحمر الذي يشكل المادة الرئيسية التي استخدمت في بناء القصر، ويضم القصر 33 غرفة، وستة أحواش، وبه بئر حفرت أثناء حصار القصر في معركة الجهراء في العام 1920.

أكبر مستوطنات الجزيرة العربية

وتتواصل الحفائر والأنشطة الأثرية على أرض الكويت، والتي كان آخرها ما أُعلن عنه هذا الأسبوع، حيث كشف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عن استئناف البعثة الأثرية الكويتية البولندية عملها في موقع بحرة 1، وهو مستوطنة ما قبل التاريخ تقع في صحراء الصبية شمال الكويت. يعود تاريخ بحرة 1 إلى 5700 قبل الميلاد وهي تُعرف بأنها أقدم وأكبر مستوطنة معروفة في شبه الجزيرة العربية من فترة العبيد.

ووفقا لبيان، فإنه منذ عام 2009، كانت بحرة 1 نقطة محورية للبحث الأثري، بفضل التعاون بين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي والمركز البولندي لآثار البحر الأبيض المتوسط ​​في جامعة وارسو. يشرف على البعثة البروفيسور بيوتر بيلينسكي (PCMA UW) مع الدكتورة أجنيسكا بينكوفسكا التي ترأس الفريق كنائبة للمدير خلال هذا الموسم.

وخلال تفقده للموقع، أعلن السيد محمد بن رضا - الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف بالتكليف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – ان فريق البعثة البولندية اكتشفت فيها هذا الموسم عن ما يحتمل ان تكون فناء او ورشة لصناعة الحلي والزينة المصنوعة من الأصداف حيث عثر على العديد منها من امام مساكن ثقافة العييد التي تم التنقيب عنها في مواسم مختلفة، بالإضافة الى العديد من الفخاريات التي تتجاوز ال ٧٠٠٠ سنة، وكذلك راس صغير لآدمي مصنوع من الطين وهو يعتبر الاول من نوعه في منطقة الخليج العربي.

واشار السيد محمد بن رضا، إلى أن المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب،  بدأ في هذا الموسم باشراك قطاعات مختلفة للتعاون مع البعثات الأثرية في الكويت وتحديدا بين جامعة الكويت والبعثة البولندية لاستخدام اجهزة مختبرية حديثة للاجابة على تساولات مصدر المواد الأصلية المستخدمة في الموقع وكذلك أنواع النباتات والبيئة القديمة.

ومن جانبه، قال الدكتور حسن أشكناني – أستاذ الآثار والانثروبولوجيا في جامعة الكويت، إن اكتشاف الراس الادمي الذي يعود إلى 7700- 7500 سنة يعتبر من اهم الاكتشافات الأكثر إثارة للإعجاب في هذا الموسم من التنقيب الأثري.

وأوضح بأنه بحسب النقاشات العلمية مع البعثة البولندية ان على الرغم من صغر حجمها، رأس صغير من الطين مصنوع بدقة ويتميز بجمجمة مستطيلة وعينين مائلتين وأنف مسطح - وهي سمة مميزة للتماثيل الصغيرة من ثقافة عبيد. وقد تم العثور على تماثيل من هذا النوع في سياقات قبرية ومنزلية في بلاد ما بين النهرين، ولكن هذا الاكتشاف في موقع بحرة 1 إضافة الى الورشة. يعطي تصورا اعمق لتطور ثقافة الإنسان في العصر الحجري الحديث.

ويقول البروفيسور بيوتر بيلينسكي، المدير المشارك للبعثة، الذي درس القطعة: "إن وجودها في بحرة 1 يثير أسئلة مثيرة للاهتمام حول غرضها والقيمة الرمزية أو ربما الطقسية التي كانت تحملها لشعب هذا المجتمع القديم".

ومن بين الاكتشافات المهمة الأخرى في بحرة 1، وجود أدلة على إنتاج الفخار المحلي. وقد تم التعرف على نوعين من الفخار في بحرة 1: فخار عبيد مستورد ونوع معروف باسم الفخار الأحمر الخشن. ولطالما اعتُبر هذا النوع من الفخار منتجًا محليًا في منطقة الخليج، ولكن الأدلة القاطعة جاءت أخيرًا من موقع بحرة 1، بما في ذلك وعاء من الطين غير المحروق. وتؤكد هذه النتائج، فضلاً عن التحليلات العلمية التي أجريت تحت إشراف البروفيسورة آنا سموجورزيوسكا، أن بحرة 1 هي أقدم موقع معروف لإنتاج الفخار في الخليج، مما يؤكد على تطور هذه المستوطنة القديمة.

كما انضم لهذا الموسم الدكتور رومان هوفسيبيان المتخصص في علم الآثار النباتية، لفحص شظايا فخارية مختارة بحثًا عن آثار نباتات ستساعد في تحديد النباتات المحلية من منتصف الألفية السادسة قبل الميلاد.

الحفاظ على إرث مدينة الأحمدي

وفي سياق متصل، وفي إطار تغيّر مفهوم العمل بقطاع الآثار في الكويت، ليكون من بين أولوياته التوعية بقيمة آثار البلاد وأهمية الحفاظ عليها، إضافة إلى أعمال التنقيب والترميم، مع السعي لتوظيف تلك الآثار في تنشيط الحركة السياحية بالبلاد، فقد وقّع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على اتفاقية مع شركة نفط الكويت، تتعلق بالحفاظ على إرث مدينة الأحمدي.

وقّع على الاتفاقية في قاعة كبار الشخصيات بمعرض أحمد الجابر للنفط والغاز التابع للشركة، الأمين العام للمجلس الوطني الدكتور محمد خالد الجسار والرئيس التنفيذي للشركة أحمد جابر العيدان، وذلك بحضور الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف بالتكليف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد بن رضا

ونائب الرئيس التنفيذي للتخطيط والابتكار محمد العبد الجليل وعدد من المسؤولين المعنيين من الجانبين.

وألقى العيدان كلمة أشاد فيها بالتعاون القائم بين الجانبين للحفاظ على مدينة الأحمدي، مؤكداً أهميتها التراثية والثقافية والتاريخية للكويت، ومعرباً عن أمله في مزيد من التعاون بالمستقبل لتحقيق هذه الغاية.

من جانبه، أعرب الدكتور الجسار عن سعادته بالشراكة مع نفط الكويت مشدداً على أهمية التعاون مع كافة الجهات المعنية في الدولة للحفاظ على مدينة الأحمدي، وموضحاً أن إنشاءها يعتبر نقلة نوعية في تاريخ الكويت الثقافي والمعماري والمدني، وما يترتب على ذلك من أهمية الحفاظ على تلك الفترة التاريخية للدولة.

يُذكر أن عمليات الحفر الأثري في دولة الكويت، كانت قد بدأت عام 1958 أي قبل 66 عاماً، وقد أسهمت في ذلك إدارة الآثار والمتاحف منفردة وبالتعاون مع مؤسسات متخصصة منها العربية والأجنبية، ومنذ ذلك الوقت استمرت عمليات الكشف الأثري، ولم تتوقف إلا خلال فترة الغزو العراقي لدولة الكويت، واستأنفت تلك الأعمال بعد أن تم تحرير كامل التراث الكويتي.

وبالتحديد فإن البدايات الأولى للبعثات الآثارية العاملة في دولة الكويت، ترجع إلى اهتمام علماء الآثار الدنماركيين الذين زاروا البلاد لأول مرة في العام 1957، والذين بدأ فريق منهم بقيادة جيوفري بيبي وبيتر فيلهيلم جلوب الأنشطة الآثارية في العام 1958، ليُصبح ذلك العام  علامة بارزة لانطلاق الدراسات الآثارية في الكويت.

وتُقدّر المواقع الأثرية التي تم الكشف عنها في مختلف مناطق البلاد بالعشرات. ووفقاً للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب، فإن الكويت غنية بالكثير من المواقع الأثرية ومواقع الحفائر التي تتواصل من أجل كشف المزيد من الآثار والتعرف أكثر على تاريخ الكويت، وهي المواقع التي تشهد جهودا متواصلة من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإدارة الآثار والمتاحف بالمجلس من أجل صون وحماية تلك المناطق وترميم معالمها الأثرية والمكتشفات الأثرية بها.

ويعود تاريخ نشأة علم الآثار في الكويت لعقود مضت، وقد جاء تطور هذا العلم بفضل الاهتمام الذي توليه الدولة بالآثار باعتبارها جزء من الثقافة والهويّة الوطنية للكويتيين، حيث صدر ول قانون للأثار للاثار بالبلاد عام 1960، فيما تم إنشاء أول نواة لمتحف الكويت الوطني عام 1957، وكان من بين نتائج الاهتمام الكويتي المُبكّر بقطاع الآثار إنشاء إدارة الآثار والمتاحف التي تتبع اليوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وتدل أعمال لتنقيب الأثري على أرض الكويت، والتي جرت بمشاركة علماء أجانب وكويتيين، على أن الكويت من أقدم مناطق الشرق القديم التي استوطنها الانسان، كما تدل الآثار المكتشفة في الكويت وخارجها وبخاصة في جزيرة فيلكا، وفي بلدان الخليج العربي المجاورة، وجنوب وادي الرافدين على وجود تاريخ حضاري مميز للكويت في العصور البرونزية (الألف الثاني والألف الأول قبل الميلاد) والعصور الهيلنستية ما بين القرن الثالث والأول قبل الميلاد، وهو تاريخ  مماثل للحضارات المعاصرة في المنطقة.

وبحسب المصادر الجغرافية والتاريخية، فإن الكويت تفرّدت بموقع متميز استفاد منه سكان البلاد في الكثير من الأنشطة على مر العصور، خاصة وأنها كانت منفذاً طبيعياً لشمال شرق الجزيرة العربية، حيث لعبت دوراً بارزاً في الملاحة البحرية والعلاقات التجارية بين وادي الرافدين والخليج والجزيرة العربية.

وتأتي تلك الجهود التي يبذلها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في إطار السعي لجعل الكويت مقصدا للسياحة الثقافية في منطقة الخليج والعالم العربي، وإعادة تأهيل المناطق الأثرية بالبلاد، وإعدادها لاستقبال ضيوفها من السياح، إضافة إلى الخطط الدائمة الهادفة لإكتشاف العمل الأثري، والتوصل لمزيد من الإكتشافات في هذا المجال، وذلك جنباً إلى جنب، مع الجهود الجارية لترميم وحماية آثار الكويت وعمارتها القديمة ومعالمها التاريخية التي توثّق ما عرفته البلاد من حضارات وثقافات قبل آلاف السنين.