اللاجئون السوريون في قلب مساومات تشكيل الحكومة اللبنانية

ميقاتي يهدد الغرب ويلوّح بتطبيق القانون بحزم وإخراج اللاجئين السوريين من لبنان.
بيروت

ورقة اللاجئين السوريين في لبنان التي كانت ورقة مساومة انتخابية خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في الـ15 من أيار/ مايو الفائت، عادت لتلعب مرة أخرى دور ورقة الضغط في خضم الاستعداد لتشكيل حكومة جديدة.
وقلبت الانتخابات الأخيرة موازين الأغلبية لدى حزب الله المدعوم من النظام السوري وإيران داخل البرلمان.
ودعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الإثنين، المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم "وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحبا على دول الغرب وهو العمل على إخراجهم بالطرق القانونية من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم".
وقبل نحو أسبوعين، أعلن وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، أن "بلاده لن تتعاون مع الأوروبيين بشأن إبقاء اللاجئين السوريين في ظل عدم وجود أي خريطة طريق أوروبية لنهاية اللجوء السوري في لبنان".
ويستقبل لبنان على أرضه بحسب الأرقام الرسمية أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري فيما تقدر الأرقام غير الرسمية عدد اللاجئين بما يفوق المليونين.
واللافت أن تصعيد الحكومة اللبنانية من لهجتها تجاه النازحين هو الأول من نوعه، إذ كانت تلك المواقف تصدر عن رئاسة الجمهورية وبعض الأحزاب على غرار حزب الله.
 

لبنان يمنح السوريين صفة نازحين لا لاجئين، وهي صفة لا تحميهم من الترحيل

ويرجح مراقبون أن أصل المشكل في ملف اللاجئين السوريين في لبنان يعود إلى عدم توقيع لبنان اتفاقية اللجوء الدولية. كما أن لبنان يمنح السوريين صفة نازحين لا لاجئين.
ويعتقد بعض رجال القانون في لبنان أن وصف السوريين بـ"النازحين" يحرمهم من حقوقهم كالحماية من الترحيل، ويخفف مسؤولية رعايتهم من قبل الدولة اللبنانية.
وأفادت الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية رابحة علام في مقال نشره المركز في كانون الثاني/ يناير 2021 أن الخطاب المعادي للاجئين السوريين في لبنان "يشير بشكل خفي إلى انتماء الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين إلى الطائفة السُنية فيما يقوم لبنان على توازن دقيق لعدة طوائف أبرزها السُنة والموارنة والشيعة والدروز والأرمن". أضافت أن "تيارا واسعا من المنخرطين في الحراك الشعبي اللبناني، منذ أكتوبر عام 2019، والرافض لسلطة النخبة السياسية الطائفية، يرى أن الخطاب السياسي المناوئ للسوريين ليس إلا مرآة تعكس عدم قدرة هذه النخبة على توفير بدائل اقتصادية مناسبة لإنعاش البلاد". 
ويعتبر الباحث والكاتب السياسي مكرم رباح في تصريح إعلامي أدلى به بمناسبة الانتخابات البرلمانية اللبنانية لقناة الحرة، أن "ملف اللاجئين يدخل ضمن المزايدة السياسية لمحور الممانعة". وأضاف أنْ "لا نية فعلية لدى محور الممانعة لإعادة اللاجئين كون النظام السوري لا يريد ذلك، كما أن ما يزيد عن الـ 40 بالمئة من اللاجئين ينحدرون من مناطق يحتلها حزب الله كالقصير والقلمون السورية".
وعبّر رباح عن أسفه "لمحاولة حزب الله والتيار الوطني الحر المزايدة بخطاب شعبوي بدلا من الاستفادة من تحدي اللاجئين في الاقتصاد اللبناني". 
وفي نفس الفترة اعتبر النائب السابق مصطفى علوش أن "الهدف من إعادة فتح ملف اللاجئين السوريين في هذا التوقيت هو التسويق الانتخابي"، واصفا الأمر بـ "إحدى ألعاب جبران باسيل التي تظهر في هذه اللحظات وهو يعلم أن المشكلة تكمن لدى صديقه بشار الأسد".
واستغل أنصار حزب التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، حادثة مقتل أحد أبناء بلدة بشرّي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021،على يد لاجئ سوري لإطلاق الدعوات المطالبة بإعادة اللاجئين إلى بلادهم ضمن وسم انتشر على موقع تويتر.
 

استطلاعات هيومن رايتس ووتش تفيد بأن الوضع في سوريا غير آمن لعودة اللاجئين 

واعتبر نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان نعيم قاسم في أيار/ مايو الماضي، أن الأزمة الاقتصادية في لبنان مسؤولية اللاجئين السوريين، مشيرا إلى أن" ضغطا دوليا يعمل على منع عودتهم إلى بلادهم". وأوضح أن "1.5 مليون نازح يستطيعون العودة إلى سوريا، إلا أن كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا يمنعونهم من ذلك"، وفق ما نقلت عنه قناة الميادين.
وتشارك ميليشيا حزب الله إلى جانب قوات النظام السوري في العمليات العسكرية ضد المعارضة المسلحة. كما تسيطر على مناطق سورية كاملة قرب الحدود اللبنانية مثل مدن الزبداني بريف دمشق والقصير بريف حمص. الأمر الذي ساهم في منع السوريين من العودة. 
وذكر مركز "وصول" الفرنسي- اللبناني لحقوق الإنسان في بيان في أيار/ مايو الماضي أن "اللاجئين السوريين في لبنان يتعرضون لمضايقات متكررة من قبل فئات موالية لنظام الأسد وحلفائه في لبنان بهدف إجبارهم على العودة إلى بلادهم"، وسط تحذيرات دولية من مخاطر إعادتهم لنظام الأسد.
وفسرت علام مسألة وصم اللاجئين السوريين بالمسؤولية عن التهديدات الإرهابية  بالربط مع "عدم ضبط وترسيم الحدود بين البلدين، وخاصة في القسم الشمالي من لبنان مما أدى إلى نشأة جيوب خارجة عن سلطة الدولة، استوطنتها لفترة مجموعات مسلحة سورية كانت تهرب إليها عند إحكام قوات النظام السوري وحزب الله حصارها عليها من الجهة السورية". 
ونتيجة لعدم تجاوب النظام السوري بشكل إيجابي مع القرار الأممي رقم 2254 والذي يرسم خارطة لطريق الحل في سوريا، تعطلت خطط إعادة الإعمار وخطط إعادة اللاجئين في سوريا. لذا لم يكن المؤتمر الدولي الذي انعقد في 11 نوفمبر 2020 في دمشق لتشجيع عودة اللاجئين بحضور وفود من دول صديقة للنظام السوري وقاطعته الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي ذا تأثير مهم. 
وأفضت الاستطلاعات التي قامت بها "هيومن رايتس ووتش" العام الماضي إلى أن الوضع في سوريا غير آمن لعودة اللاجئين بحسب ما أكدته باحثة المنظمة في لبنان، آية مجذوب، لافتة في حديث لموقع الحرة إلى التقرير الذي أصدرته المنظمة، في شهر أكتوبر الماضي، والذي "وثق حالات اعتقال تعسفي وخطف وقتل من قبل أجهزة الأمن السوري بحق العائدين من لبنان والأردن". 
وخلص التقرير الذي يحمل عنوان "حياة أشبه بالموت"، إلى أن اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا من لبنان والأردن، بين 2017 و2021، واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهادا على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها". 
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريح للإعلام الأميركي في مايو الماضي إنه "لا توجد عودة آمنة في الوقت الحالي بسبب عدم وجود دولة سورية يمكنها ضبط الأجهزة الأمنية".
وأعلنت لجنة حكومية لبنانية، أواخر أبريل/نيسان 2022، أن لبنان لم يعد يحتمل ملف اللاجئين السوريين، وأن "الدولة باتت غير قادة على أن تكون شرطيا لضبط هذا الملف من أجل مصلحة دول أخرى".
ويتفرع ملف اللاجئين السوريين على عدة بلدان خاصة تلك المجاورة لسوريا على غرار الأردن والعراق وتركيا.
وأفادت وكالة رويترز الثلاثاء، نقلا عن مسؤول من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن نحو 800 لاجئ سوري يعودون إلى بلادهم من تركيا كل أسبوع لكن الظروف غير مواتية للعودة الطوعية لأعداد كبيرة.
وذكرت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان أنها تعتزم توطين نحو مليون سوري في منازل مبنية بوحدات خرسانية سابقة التجهيز في شمال غرب البلاد.