اللجوء للقاعدة وداعش فزاعة الإخوان قبل الحظر الأميركي

ارتباك جماعة الإخوان المسلمين من اعتزام واشنطن وضعهم على اللائحة السوداء للمنظمات الإرهابية، سيعجل من لجوء المنتمين إليها إلى العنف أكثر كردة فعل متوقعة.
اللجوء للتنظيمات المتطرفة المعلنة سيكشف ما يحاول الإخوان إخفاءه
الجماعة الإسلامية تعتمد على جذورها الخفية لرد الفعل
الترويج للألم والتضحية كجزء لضمان التعبئة والولاء
خطوة أميركية جيدة للتخلص من إيديولوجية الإخوان للأبد

القاهرة - تعتزم الولايات المتحدة الأميركية وضع جماعة الإخوان المسلمين على اللائحة السوداء كمنظمة إرهابية، وهي خطوة يحذر خبراء من أن تؤدي إلى تبني أعضاء الجماعة خطا أكثر تشددا، ما قد يدفع نحو مزيد من عدم الاستقرار في العالم العربي.

وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي اعتزامها وضع جماعة الإخوان على لائحة "المنظمات الإرهابية"،

وكشفت سارة ساندرز المسؤولة الإعلامية بالبيت الأبيض أن "الرئيس تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء بالمنطقة يشاركونه القلق، وهذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية".

وقام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي شهدت بلاده مولد الحركة على يد حسن البنا عام 1928 أي قبل أكثر من تسعين سنة، بزيارة مؤخرا إلى واشنطن ناقش فيها مع ترامب وضع الجماعة الإسلامية على اللائحة السوداء.

وبعد اجتماعه بالسيسي أشاد ترامب بمساعي مصر في مكافحة الإرهاب ووصف الرئيس المصري بأنه "رئيس عظيم".

وصنفت مصر جماعة الإخوان على لائحة المجموعات الإرهابية بعد أحداث دامية تسببت في عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان بعد احتجاجات حاشدة ضد حكمه.

ومنذ تولى السيسي مقاليد الأمور في مصر، تم توقيف آلاف من أعضاء جماعة الإخوان وحوكم مئات آخرون. وصنفت السلطات رسميا الإخوان "تنظيما إرهابيا" في نهاية العام 2013 بعد اتهام قياداته بالوقوف وراء أعمال عنف وشن هجمات إرهابية في البلاد.

ومنذ الإطاحة بمرسي من قبل الجيش المصري عام 2013، انشق بعض أعضاء الجماعة وشكلوا خلايا تمارس أعمال عنف ضد أهداف حكومية.وسبق للولايات المتحدة وان صنفت المجموعتين "حسم" و"لواء الثورة"، ضمن قائمة المنظمات "الإرهابية".

ويعتقد يحي حامد عضو الحركة الذي كان يتولى حقيبة الاستثمار في عهد مرسي، أن اتخاذ الولايات المتحدة لقرار تصنيف الإخوان منظمة إرهابية سيدفع أعضاء الجماعة الإسلامية إلى الانضمام لحركات متشددة مثل القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال حامد إن الحركات المتشددة ستسعى إلى تجنيد شباب الإخوان المسلمين "وسيقولون لهم أنتم سلميون ومع ذلك توصفون بالإرهابيين".

القرار سيمكن واشنطن من فرض عقوبات على أي شخص أو منظمة على صلة بالإخوان المسلمين

وزعمت جماعة الإخوان المسلمين، التي تمددت وأصبح لها فروع في دول عدة من موريتانيا إلى تركيا، أنها تخلت عن العنف رسميا في سبعينات القرن الماضي، لكن العديد من العمليات الإرهابية وعمليات العنف التي كانت سببا فيها تزايدت بوتيرة أسرع في السنوات الأخيرة، حيث راح ضحيتها المئات من الأبرياء في العديد من المدن العربية والغربية أيضا.

وتعتمد الجماعة الإسلامية على جذورها الخفية في عدد من الأحزاب والجماعات في الشرق الأوسط ومحيطها على الرغم من أنها لا تحمل اسم الإخوان المسلمين لكن لا تكشف بوضوح عن صلاتها بها.

وفي مصر تعرضت الجماعة على مدى تاريخها إلى منع نشاطاتها العنيفة أحيانا، وإلى مؤازرتها في أحيان أخرى، حسب الظروف السياسية.

ولكنها ظلت لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية واحتفظت بقدراتها التنظيمية العالية ما مكنها من الفوز بالرئاسة المصرية في انتخابات العام 2012 بعد عام من ثورة 2011 التي أسقطت حسني مبارك.

وإذا اتخذت الولايات المتحدة هذا القرار فانه يمكنها من فرض عقوبات على أي شخص أو منظمة على صلة بالإخوان المسلمين.

وقالت مراجعة للحكومة البريطانية سنة 2015 أن جماعة الإخوان المسلمين تاريخيا، انخرطت في العمل السياسي كلما كان ذلك ممكنا لكنها استخدمت العنف في بعض الحالات والإرهاب أحيانا لتحقيق أهدافها المؤسسية.

ويعتقد فواز جرجس أستاذ العلوم السياسية في لندن سكول أوف إيكونومكس، أن القرار الأميركي إذا تم اتخاذه سيؤدي إلى عزل الإخوان المسلمين، لكنهم سيحاولون التكيف مع الوضع في نهاية المطاف عبر طرق مختلفة.

ويقول جرجس إن الجماعة تعتبر أن "ما يقدمه أعضاؤها من ألم وتضحية جزء من حمضها النووي" كحركة سياسية.

وهذا ما تعبر عنه تجربة أحد أبرز رموز الإخوان المسلمين وهو سيد قطب. فقد تابع تعليمه في الولايات المتحدة في عهد جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي، ثم سجن وحوكم وأعدم عام 1966.

داخل السجن تبنى سيد قطب خطا متشددا للغاية وألهمت أفكاره التنظيمات التي ظهرت لاحقا ومن بينها القاعدة.

عبدالرحمن عياش الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، يعتقد كذلك أن وضع الإخوان على اللائحة الأميركية السوداء سيؤدي إلى مزيد من القمع للحركة في مصر وسيدفع أعضاءها نحو تنظيمات أكثر تشددا.

وقال عياش "سينتهي الأمر بإضافة مزيد من الأعضاء إلى التنظيمات الأكثر تطرفا مثل مجموعة الدولة الإسلامية".

وطالما حذر المعارض التونسي الراحل شكري بلعيد الذي أغتيل في فبراير 2013 في تونس، من عنف جماعة الإخوان المسلمين قائلا إنهم "سيلجئون إلى العنف كلما زاد اختناقهم، كلما زادت عزلتهم السياسية وكلما تقلصت شعبيتهم".

يذكر أن هيئة الدفاع عن بلعيد تتهم حركة النهضة الإسلامية وهي فرع الإخوان في تونس، باغتياله ولا تزال القضية أمام القضاء التونسي إلى الآن.

أسرار قضية اغتيال شكري بالعيد ملف يؤرق فرع الإخوان في تونس
أسرار قضية اغتيال شكري بالعيد ملف يؤرق فرع الإخوان في تونس

وفي مصر تبنى بعض أعضاء الإخوان المسلمين العنف كرد فعل على القمع الذي طال حركتهم بعد إطاحة محمد مرسي. وظهرت في العام 2016 مجموعتا "حسم" و"لواء الثورة" المسلحتان اللتان أسسهما أعضاء من الإخوان المسلمين.

وتبنت المجموعتان منذ ذلك الحين بعض الهجمات الدامية التي استهدفت خصوصا قضاة وضباط شرطة.

ويخشى عياش من الأضرار المحتملة لقرار وضع الإخوان على اللائحة الأميركية السوداء.

غير أن اللواء المتقاعد خالد عكاشة عضو المجلس القومي لمكافحة اللإرهاب في مصر يشدد على أن الإخوان المسلمين يمثلون تهديدا كبيرا.

وقال عكاشة "إنهم لا يشكلون تهديدا لنا فقط .. إنهم تنظيم دولي". وتابع "الإسلام السياسي فشل وظهرت مخاطره".

ويقوم بناء الجماعة الإسلامية على الخلايا العنقودية مع استخدام أسلوب الاستمالة والتربية لفترة طويلة للأعضاء الجدد. وهذه الممارسات السرية بشكل كبير تجعل من الصعب قياس قدرات الجماعة.

إضافة إلى ذلك، فإن انتشار الجماعة في الشرق الأوسط يعني ارتباطها بجماعات مختلفة ابتداء من الجماعات المسلحة وحتى الجمعيات الخيرية.

من جهته، يحذر جرجس من أن تفتيت الإخوان المسلمين يمكن أن يؤدي إلى إذكاء "الحرب الأهلية الطويلة" التي تشهدها المنطقة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين بقيادة العسكريين.

ويؤكد أن "الإخوان المسلمين يشعرون بأنهم محاصرون ومعرضون للهجوم داخليا (في مصر) وخارجيا".

ويضيف أنهم "يواجهون الآن عملية إعادة تقويم داخلية مع موجة جديدة من الانشقاقات وتمرد حقيقي من قبل الأعضاء المتشددين في مصر".

واعتبر عكاشة أنه إذا أقدم ترامب على وضع جماعة الإخوان على اللائحة السوداء فإنها "ستكون خطوة ايجابية، وان كانت متأخرة، للتخلص من إيديولوجية الإخوان للأبد".

ولكن جرجس أبدى تحفظا مؤكدا أنه "من السابق لأوانه كتابة شهادة وفاة جماعة الإخوان المسلمين".

ويقول مراقبون إن هذا التحفظ مرتبط من ردود الفعل والمخاوف التي ظهرت في خطابات بعض الدول التي تربطها علاقات مشبوهة بتنظيمات إرهابية متطرفة وهي داعمة أو مستفيدة من وجود الإخوان المسلمين على الساحة السياسية، خصوصا تركيا وقطر وإيران.

وسارعت الدول التي تحتضن قيادات ورموز الجماعة إلى التعبير عن معارضتها للخطوة الأميركية، نظرا لحجم الضغوط التي ستسلط على أنظمتها بموجب هذا القرار.

وبرر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا رفضه لتوجه الولايات المتحدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية" بأن ذلك سيساهم في تعزيز معاداة الإسلام في الغرب وحول العالم.

القرار سيلقي بثقله على وكلاء الإخوان في المنطقة
القرار سيلقي بثقله على وكلاء الإخوان في المنطقة 

ويعتبر رد فعل النظام في تركيا متوقعا في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتنظيم الدولي للإخوان، حيث فر كثير من أعضاء الجماعة إلى تركيا بعد حظر أنشطتها في مصر.

وأتت انتقادات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للقرار الأميركي المحتمل ضد الجماعة لتؤكد الارتباط والعلاقة السرية بين حكام إيران وقادة الإخوان منذ عقود إضافة إلى التماهي الفكري بين الجانبين رغم الاختلاف المذهبي.

وجاء الموقف الإيراني خلال زيارة ظريف إلى قطر التي تعتبر من أكبر داعمي الإخوان وحاضنتهم الرئيسية، حيث تحولت قناة الجزيرة القطرية إلى منبر الإسلاميين الإعلامي، كما تحصن العديد من قيادات الجماعة في الدوحة.

ويكشف الاصطفاف الواضح بين قطر وإيران إلى جانب الجماعة الإسلامية سعيهما إلى مواصلة نشر الأفكار المتطرفة التي تسببت في الفوضى والحروب بالمنطقة.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر عام 2017 بسبب تورط الدوحة في دعم الإرهاب.

لكن خبراء يشيرون إلى أن هامش المناورة سيكون محدودا أمام فروع الإخوان والدول الداعمة لها، خاصة بعد أن أظهرت إدارة ترامب حزما قويا في تنفيذ العقوبات على قطاع النفط في إيران وأغلقت باب الاستثناءات في ذلك، والأمر نفسه يتعلق بحركة حماس الإخوانية في غزة، وحزب الله في لبنان الذي يجري تعقب معاملاته المالية الخارجية بدقة عالية.

وياتي توقيت دراسة ملف إدراج الإخوان على لائحة الإرهاب الأميركية بعد أقل من شهر على إعلان الولايات المتحدة إدراج الحرس الثوري الإيراني على "لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما يؤكد المساعي الأميركية الجادة في مكافحة الدول والجماعات التي فرخت الإرهاب ودعمته ماليا وعسكريا في دول عربية وغربية.