المؤتمر 17 للدعوة.. عن الديمقراطية وانتخاب الأمين العام

الأعضاء المسجلون في الحزب لم يشاركوا في عملية التصويت لاختيار الأمين العام إنما قام الأعضاء بتجديد الثقة بالأمين العام وأعضاء المؤتمر غير منتخبين إنما قامت باختيارهم لجنة تحضيرية غير منتخبة .

بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط

من الضروري إن أوضح مسألة مفصلية بالنسبة لمقالات التقييم للمؤتمر السابع عشر لحزب الدعوة الإسلامية، (١٣ تموز ٢٠١٩) وهذه المسالة هي: إن الأحزاب من المؤسسات الضرورية في الدولة الديمقراطية، والأحزاب الراقية من معالم الدولة الحضارية الحديثة، ولذلك يهمنا ارتقاء حزب الدعوة، كما غيره من الأحزاب، باعتباره مؤسسة ديمقراطية. اقل من ذلك يقود إلى الرضا بسلبيات الواقع المعاش.

يمكننا استنباط حالة الأحزاب في الدولة الحضارية الحديثة من خلال تصوراتنا لهذه الدولة من جهة، ومن خلال مراقبة الأحزاب في الدول الديمقراطية التي سبقتنا على اختلاف درجاتها في التحضر والحداثة، من جهة ثانية.

كما يمكننا تقييم أداء الأحزاب العراقية من خلال الدستور والقوانين النافذة وخاصة قانون الأحزاب رقم ٣٦ لسنة ٢٠١٥ مع علمنا أن هذا القانون ليس مثاليا ولا محكما في مجاله.

العراق بحاجة إلى حزب، أو عدة أحزاب قليلة، تتصف بالتحضر والحداثة وتلتزم بالديمقراطية، من أجل أن يكون دولة ديمقراطية حضارية حديثة. فان استطاعت الأحزاب الموجودة التحول إلى أحزاب حضارية ديمقراطية حديثة كان بها وتحقق المطلوب، وان لم تستطع سيكون من واجب الشعب العراقي إزاحتها من السلطة وانتخاب حزب أو أحزاب تتصف بهذه المواصفات.

لن يكون بإمكان من لم يحضر المؤتمر إجراء عملية تقييم له ولأعماله ولنتائجه "من الداخل". كان بإمكان إدارة المؤتمر دعوة بعض الشخصيات لحضور المؤتمر بصفة مراقب.

لذا ستكون نظرتنا وتقييمنا للمؤتمر "من الخارج"، أي من الآثار الخارجية للمؤتمر.

وأول الأثار الخارجية هو البيان الختامي، الذي يمكن تقييمه من حيث الشكل ومن حيث المضمون.

شكليا البيان الختامي أقرب إلى التصريح الصحف press release ، منه إلى التقرير الختامي لمؤتمر عام لحزب سياسي عريق. وهذه هي في الحقيقة مشكلة كل البيانات الختامية لمؤتمرات الدعوة. فلا أذكر أن مؤتمرا عاما للدعوة أصدر بيانا ختاميا يتعدى مستوى التصريح الصحفي، أي الخبر. وربما كان هذا هو مقصد كتابة هذه البيانات. لكني كمتابع للمؤتمرات العامة لأحزاب عراقية وعربية وأجنبية أخرى، المس الفرق بين بيانات الدعوة، ووثائق هذه الأحزاب. ويلاحظ القارئ إنني استخدمت الآن كلمة "وثائق" بالربط مع الأحزاب الأخرى ولم استخدمها بالربط مع حزب الدعوة، لان البيانات الختامية لمؤتمرات الدعوة لا تشكل وثائق، إنما هي "أخبار". يفترض بالتقرير الختامي الذي هو وثيقة المؤتمر الأساسية أن يقدم تقييما لعمل الحزب للفترة بين مؤتمرين، والتقييم يتضمن النقد أيضا. ونحن نعلم أن المرحلة السابقة شهدت الكثير المثير من المتغيرات والأحداث التي كان على المؤتمر وبيانه الختامي أن يقيمها، وأخر هذه الأحداث خسارة الحزب لموقعه القيادي في مجلس الوزراء، ولوجوده في البرلمان. لكن البيان سكت عن كل هذه التطورات، وكأن شيئا لم يكن، وهذا نقص كبير لا يمكن بلعه بسهولة.

هذا أولا، وثانيا، يفترض أن يتضمن البيان الختامي تقييم الحزب للمرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد، سياسيا واقتصاديا الخ، ومواقف الحزب من مسائلها المطروحة. ونحن نعلم أن العراق يمر بظروف معقدة مثل طبيعة الحكومة الراهنة، وخيار الذهاب إلى المعارضة، والعلاقة مع إيران والولايات المتحدة، وكردستان، والانقسام الطائفي في البلاد، والظروف الاقتصادية، واستمرار تردي الخدمات، الخ... وهذه مسائل استراتيجية لم يتعرض لها المؤتمر وبيانه الختامي بعمق. وأيضا لا يمكن تقبل هذا السكوت عن هذه الأمور.

وثالثا، يفترض أن يتضمن البيان رؤية الحزب للمرحلة التالية لعقد المؤتمر، أي الرؤية المستقبلية، وأطروحات الحزب إزاءها. وبالنسبة لحزب الدعوة وخصوصيته الفكرية/ السياسية فإنني كنت أتمنى أن يطرح الحزب مشروعه السياسي لبناء الدولة الحضارية الحديثة في العراق، لسبب جوهري هو خلو الساحة العراقية من أي مشروع لبناء الدولة، وكنت أمنّي النفس بان يأخذ الحزب زمام المبادرة في هذا الصدد، كما بينته مفصلا في كتابي "الإسلام السياسي" الذي كتبته عام ٢٠٠٩.

غياب كل هذه الأمور عن البيان الختامي جعله نصا فقيرا من حيث المضمون، لا يليق بحزب خاض غمار المعارضة السياسية والعسكرية والإعلامية ضد نظام دكتاتوري لمدة ٣٥ عاما، وتولى مسؤولية المشاركة الأساسية في الحكم لمدة ١٥ سنة، تعرض خلالها لمشكلات تنظيمية وانشقاقات معروفة.

انتخاب الأمين العام

الأحزاب الديمقراطية ضرورية في النظام الديمقراطي. لذا يحرص قانون الأحزاب في الدولة الديمقراطية على أن تكون الأحزاب المجازة والمسموح لها بدخول المنافسة الانتخابية على السلطة أحزابا ديمقراطية.

ومع أن قانون الأحزاب العراقي الرقم ٣٦ لسنة ٢٠١٥ ليس مثاليا أو محكما في هذا المجال، الآن أن المادة ٦ منه تقول "يعتمد الحزب السياسي الآليات الديمقراطية لاختيار القيادات الحزبية." وهذا يمثل الحد الأدنى من ضمانات ديمقراطية الحزب في دولة ديمقراطية، كما هو وصف الدولة العراقية في الدستور.

لا يبين القانون الأليات الديمقراطية بتفصيل، ربما اعتمادا على كونها معروفة للراي العام ولأعضاء الأحزاب السياسية. ومن هذه الأليات المعروفة:

  • توفر حيز ملموس من مجال الاختيار بالنسبة لأعضاء الحزب، وتوفر منافسة حقيقية وفعلية، وليس شكلية، بين المرشحين.
  •   ويتحقق هذا الحيز بوجود عدد معين من المرشحين (اثنان على الأقل) للمناصب القيادية في الحزب مثل منصب الأمين العام أو الرئيس وغيره.
  • إتاحة وقت للمتنافسين وللناخبين يكفي للتعرف إلى المرشحين المتنافسين وسياساتهم وتوجهاتهم (شهر مثلا قبل التصويت).
  • مشاركة كل أعضاء الحزب المسجلين بعملية الاختيار، أي التصويت، الذي يمكن أن يتم الكترونيا.

والخلاصة يكون الانتخاب ديمقراطيا حين يكون أمام الناخب عدة خيارات، أي عدة مرشحين، أتيح لكل واحد منهم الوقت الكافي لتعريف نفسه أمام الناخبين، وان يجري التصويت بطريقة سرية. ولا يبدو لي أن هذا حصل بالنسبة لانتخاب الأمين العام.

أقول هذا وانا أقارن طريقة انتخاب الأمين العام لحزب الدعوة، وطريقة انتخاب رئيس حزب الأحرار الديمقراطيين البريطاني الجارية منذ أسابيع. فقد ترشح شخصان للمنصب، رجل وامرأة، وأتيح لكل منهما الفرصة للتعريف بنفسه أمام أعضاء الحزب. وسوف يجري التصويت بعد أيام بطريقة يشارك فيها كل أعضاء الحزب وليس فقط مجموعة مختارة بطريقة غير ديمقراطية من أعضائه.

بملاحظة كيفية وصول القيادات في الأحزاب العراقية إلى مواقعها يمكننا القول إن ذلك لا يتم بطريقة ديمقراطية شفافة، أو على الأقل أن الطريق المتبع لا يفي بمتطلبات الآليات الديمقراطية كما تنص المادة السادسة من قانون الأحزاب. وهذا ينطبق على عدد من الأحزاب العراقية الرئيسية مثل تيار الحكمة والحزب الديمقراطي الكردستاني وبدر، ومؤخرا حزب الدعوة الإسلامية.

فقد أعلن البيان الختامي للمؤتمر السابع عشر للحزب الذي عقد يوم الجمعة الماضي عن انتخاب الأمين العام الجديد للحزب بالعبارة الفضفاضة التالية: "وجدد المؤتمر الثقة بالأمين العام للدعوة الأستاذ نوري المالكي".

لاحظوا ما يلي:

  • إن البيان يستخدم عبارة "جدد الثقة" وليس الفعل "انتخب"، وبينهما فرق كبير.
  • إن عملية اختيار الأمين العام لم تسبقها عملية ترشيح وتنافس ودعاية انتخابية لعدد من الأشخاص وفي مدة كافية يقوم خلالها المرشحون بالتعريف عن انفسهم وتوجهاتهم السياسية، بل إن السيد المالكي كان هو "المرشح" الوحيد.
  • إن الأعضاء المسجلين في الحزب لم يشاركوا في عملية التصويت لاختيار الأمين العام إنما قام أعضاء المؤتمر بتجديد الثقة بالأمين العام. وأعضاء المؤتمر غير منتخبين إنما قامت باختيارهم لجنة تحضيرية غير منتخبة هي الأخرى.

من خلال هذه الملاحظات، يمكننا القول إن عملية اختيار الأمين العام لحزب الدعوة لم تكن ديمقراطية، وانها مخالفة لنص المادة ٦ من قانون الأحزاب المذكور.

لا يوافق كل أعضاء هذا المؤتمر على هذا التقييم، وهناك اختلاف في الرأي والرواية فيما بينهم. يقول أحد الدعاة المشاركين في المؤتمر انه تم "فتح باب الترشيح للأمانة العامة ولم يتقدم احد. وعندما طرح التجديد للمالكي رفعت الأيدي من قبل أعضاء المؤتمر". لكن داعية آخر ينفي ذلك ويقول: "لا لم يفتح. ونحن كنا جالسين في الصفوف الخلفية ولم نسمع حتى بالتجديد للمالكي لان الفوضى في الأمام والصياح والصلوات غطت على كل شيء". بينما يقول داعية آخر: "قناعتي: إن أي آلية تعبر عن الاختيار الحر هي ديمقراطية".

نُشر في العالم البغدادية