المال والمونديال يصنعان مؤقتا قوة قطر الناعمة

فضيحة الفساد المالي في البرلمان الأوروبي تلقي بظلال ثقيلة على نجاح الدوحة في تنظيم بطولة كأس العالم 2022 وفي انتظار هدوء ضجيج المونديال قد تتبدل الأمور.

الدوحة - هدأ ضجيج مونديال قطر تقريبا بعد أيام من اختتام النهائي بين فرنسا والأرجنتين، لكن ضجيج المال القطري يملأ كل مكان في العالم مع الأضواء التي تسلطت على حجم الإنفاق الضخم لإنجاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في نسختها 2022 وهي بكل المقاييس اكبر تظاهرة كروية عالمية ومع اتهامات للإمارة الخليجية بالتورط في فضيحة الفساد المالي في البرلمان الأوروبي ودفع رشى لمسؤولين كبار بينهم نائبة رئيسة البرلمان اليونانية ايفا كايلي.

واتضح في النهاية أن قطر صنعت بالفعل نجاحا منقطع النظير من خلال المونديال وأيضا من خلال انفاق سخي في أكثر من اتجاه لتعزيز قوتها الناعمة.

ومنذ منح قطر استضافة مونديال 2022، أصبح هذا الحدث من أكثر بطولات كأس العالم لكرة القدم إثارة للجدل، لكن هذه الدولة تمكنت رغم ذلك من تعزيز قوتها الناعمة، لا سيما في دول الجنوب والعالم العربي، بحسب خبراء.

وترافق مسار البطولة منذ الإعلان عن فوز الدولة الخليجية الثرية في 2011 بتنظيم أول مونديال في الشرق الأوسط، مع اتهامات بالفساد وانتقادات بشأن حقوق العمال المهاجرين والتعامل مع أفراد مجتمع الميم.

وقالت خبيرة علم الاجتماع الرياضي بجامعة لوزان في سويسرا كارول غوميز "كانت هناك الكثير من المخاوف من حيث التنظيم والأمن، فضلا عن التسييس الشديد لكأس العالم".

وتابعت "من الواضح أن هذا التسييس لم يكن بالقوة التي كان يمكن أن يكون فيها. وإن وقعت مشاكل، فهي لن تحظ بتغطية إعلامية واسعة".

وبالنسبة للخبير في الجيوسياسة الرياضية في الخليج بجامعة تور في فرنسا رفائيل لو ماجوريك، فإنّ الحدث أتاح لقطر "فرصة لتلميع صورتها وتجاوز كل ما سبق البطولة".

أما الخبير في شؤون المنطقة في كينغز كوليدج في لندن أندرياس كريغ، فيرى أنّ "الصدامات الثقافية على الشبكات الاجتماعية حول القيم والرموز" لا يتوقع أن تؤثّر على العلاقات الدولية.

وقد حاولت السلطات القطرية إبراز نجاحاتها في البطولة وخصوصا التركيز على ما أتاحته من ناحية التعريف بالثقافة الخليجية على اعتبار أنه أول مونديال في دولة عربية.

وكتب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على تويتر "مع الختام نكون أوفينا بوعدنا بتنظيم بطولة استثنائية من بلاد العرب، أتاحت الفرصة لشعوب العالم لتتعرف على ثراء ثقافتنا وأصالة قيمنا".

ووفقا لأستاذ الاقتصاد والجيوسياسة الرياضية في كلية سكيما للأعمال في فرنسا سايمن تشادويك، فإنّ الإمارة نجحت في تعزيز "قوتها الناعمة" وخصوصا في دول الجنوب والعالم العربي.

وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضيف الشرف في حفل الافتتاح، وارتداء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وشاحا أخضر بلون علم المملكة، رسّخت البطولة المصالحة مع السعودية بعد قطيعة دبلوماسية بينهما.

كما حضرت القضية الفلسطينية في الملاعب حيث قام الكثير من المشجعين واللاعبين خصوصا من المغرب التي وصل منتخبها لنصف النهائي في أول إنجاز عربي وإفريقي من نوعه، بحمل العلم الفلسطيني.

ويرى كريغ أن "العالم العربي والإسلامي احتشد حول قطر"، فيما يقول تشادويك إنه حتى في الشمال "وعلى سبيل المثال في أجزاء من أوروبا، تغيرت تصورات ومواقف بعض الناس تجاه قطر نحو الأفضل".

لكن يبدو أنه "من غير المحتمل أن تكون أربعة أسابيع كافية لتغيير الأفكار والصور النمطية السائدة"، وفقا لتشادويك الذي اعتبر أن "العمل الحقيقي لبناء القوة الناعمة بدأ لدى الحكومة القطرية".

ولعل أبرز التحديات حاليا فضيحة فساد مالي مدوّية يُعتقد أنّها متّصلة بقطر في الاتحاد الأوروبي. وقد نفت الدوحة بشدة الاتهامات، لكن مصدرا قضائيا أكد أن محققين بلجيكيين يشتبهون بهذا البلد.

وتتساءل غوميز "قبل بضعة أشهر، اعتقدت أننا ربما سنشهد في ضوء الاتهامات بالغسل الرياضي، تباطؤًا من جانب بعض البلدان المستعدة للاستثمار بأي ثمن في الرياضة، لكن عندما تنظر في ما حدث في قطر، قد لا يكون ذلك مؤكدا".