المجتمع التونسي أمام تحدي مواجهة التهرم السكاني

نتائج أحدث تعداد سكاني تكشف عن حاجة تونس ليد عاملة أجنبية في ظل توجه المجتمع نحو الشيخوخة.

تونس - أظهرت نتائج أحدث تعداد سكاني توجه المجتمع التونسي نحو الشيخوخة، وفق تحذيرات أستاذ الديموغرافيا بالجامعة التونسية حسان القصّار، لافتا إلى أن تونس تواجه مشكل تجديد أجيال، معتبرا أن حل المعضلة يتطلب إجراءات تحتاج إمكانات ليست متوفرة حاليا.

وأجرت تونس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعدادا سكانيا، ونشر المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في 17 مايو/أيار الماضي إحصاءات من النتائج.

وبلغ عدد سكان تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مجموع 11 مليونا و972 ألفا و169 نسمة، ومعدل النمو الديموغرافي بلغ خلال العشرية الأخيرة 0.87 في المئة، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.

وكشفت الإحصاءات تراجعا لسكان محافظتين من محافظات الشمال الغربي، وهما سليانة بـ6 آلاف و852 نسمة، والكاف بـ5 آلاف و775 نسمة، في ما بلغت نسبة الأمية 17.3 في المئة مقابل 19.3 في المئة عام 2014.

وتشهد تونس ارتفاعا متصاعدا في ظاهرة التهرم السكاني، حيث تزداد نسبة كبار السن ومن المتوقع أن تتجاوز 17 في المئة بحلول سنة 2029، وهو ما ينطوي على أعباء أكبر على الدولة التونسية وخاصة على اقتصادها.

وتثير هذه المعدلات مخاوف على المدى البعيد، خاصة في ما يتعلق بإمكانية التوجه نحو التهرّم السكاني في تونس وتراجع نسبة الشباب والأطفال وهي مشكلة تعاني منها العديد من الدول الأوروبية منذ سنوات، ما جعلها تنزع نحو التشجيع على النسل والإنجاب حفاظا على ديمومة مجتمعاتها.

وقال القصّار في مقابلة مع الأناضول إن "كل ما نشهده الآن هو نتيجة لتطور الثورة الديموغرافية وتأثيراتها في تونس، وأيضا تأثير عوامل الحداثة مثل ارتفاع النشاط عند المرأة وتوازن السكان بين إناث وذكور"، محذرا من أن "0.87 في المئة نسبة نمو ديموغرافي تعتبر ضعيفة وشبيهة بالبلدان الأوروبية التي عرفت قرونا من التحول الديموغرافي، وإمكاناتها غير إمكاناتنا".

وأضاف "لسنا في التهرم (الشيخوخة)، بل نحن في اتجاه التهرم وشيخوخة المجتمع، أي بروز جزء مهم من المجتمع التونسي في سن متقدمة"، متابعا "هناك إجراءات يمكن أن تُتَخذ حتى نعدل نسبيا في التوجه، ولكن أعتقد أن العملية ستكون مكلفة لميزانية الدولة في وقت لا تستطيع تونس فعل ذلك الآن".

ويرى أننا "حتى إن قمنا بالإجراءات اللازمة التوجه سيعدل جزئيا، لكنه لن يتغير، ومسألة الزواج والإنجاب وشكل الأسرة والقرابة والتباين الجهوي والتباعد الاجتماعي لا يمكن أن تعود كما كانت"، مشيرا إلى أن "شكل المجتمع سيكون كذلك، إلا إذا قمنا بتغيير عميق جدا يلغي كل ما فات، وتبني سياسة جديدة نظريا.. هذا ممكن لكن هل نستطيع ذلك؟".

وعن الإجراءات لوقف توجه السكان نحو الشيخوخة، يقول القصّار "لا بد من التشجيع على الزواج بمنح لمَن يتزوج قبل سن العشرين سنة ونعفيه من الضرائب، ونمنح له الأولوية في العمل"، مضيفا "والطلبة الذي يتزوجون صغارا نعطيهم سكنا جامعيا مجانيا ومنحا جامعية كبيرة، ونحسن في دور حضانة الأطفال ونوفر معينات منزلية للأزواج الذين يعملون".

ويرى الأكاديمي التونسي أن "الدولة المقتدرة يمكن أن تقوم بذلك"، لكن "السياسات التي تُعدّل نسبيا التوجه نحو الشيخوخة لا بد لها من إمكانات غير متوفرة الآن"، متابعا أن "المرأة تشتغل ولها طموحات أن تصبح مسؤولة كبيرة، خاصة أن عدد الحاصلين على الشهادات الجامعية من النساء أكبر من عدد الذكور، وتدريجيا سيمسكن بالإدارة.. هل ستنجب المرأة أم تهتم بالبلاد؟".

ويعتبر القصّار أن إثارة قضية وجود مهاجرين ولاجئين أجانب في تونس على ضوء المعطيات الديموغرافية الراهنة "مجانبة للصواب، ومَن له عقل ما كان يثير مسألة أن الهجرة ستهددنا".

ثنائي
اتباع الأزواج الشبان سياسة إنجاب طفل واحد أو طفلين على أقصى تقدير

وأوضح أن "هناك قطاعات في البلاد بحاجة لهذه العمالة، لأن اليد العاملة التونسية رفضت العمل في تلك المهن، فالتونسي يفضل العمل في حقل طماطم في باليرمو بإيطاليا ولا يعمل في مدينة الهوارية" شمال شرقي تونس، متابعا "الأجانب في تونس يعملون في البناء وجني الزيتون، والآن سيعملون في حقول القمح".

ورغم أن مسألة المهاجرين غير النظاميين من المسائل الجدلية الشائكة للغاية، فإن القصّار أظهر ترحيبا بفكرة الاستعانة بهم كعمالة، فقد اعتبر أن "هناك تهويلا لهذا المشكل باعتبار وجود 66 ألفا و349 أجنبيا في تونس، وهذا مقارنة بالعدد الموجود عند الجيران (ليبيا والجزائر) لا يعتبر شيئا كبيرا"، مضيفا "هناك تعاطٍ شعبوي خاطئ مع موضوع الأجانب في تونس يثير النعرات الجهوية والعنصرية، ويدفع إلى العنف، ويدفع الناس ليكونوا عنصريين".

وبشأن تقلص سكان محافظتي الكاف وسليانة، قال القصّار إن "هذه المناطق، خاصة جندوبة وباجة والكاف، كان لها نمو ديمغرافي بسيط"، مرجعا ذلك إلى "أسباب تاريخية، إذ كانت أكثر المناطق التي طبقت فيها سياسة التنظيم العائلي"، التي اتخذها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في ستينيات القرن الماضي للحد من ارتفاع عدد السكان.

ولفت كذلك إلى أن "هناك هجرة داخلية باعتبارها من المناطق الأقرب للعاصمة"، متابعا "نسبة الخصوبة كانت دائما الأكثر انخفاضا لظروف اقتصادية، فهي مناطق فلاحية تتأثر بالعوامل الطبيعية، أبناء الفلاح يهاجرون عند الجفاف لجلب سيولة مالية لمواجهة المصاريف اليومية"، قائلا "مررنا بخمس سنوات جفاف، وعندما يوجد جفاف توجد هجرة داخلية وعدم زواج وعدم ختان الأطفال وتحدث أزمة".

وبخصوص ارتفاع نسبة الأمية بمحافظات وسط وغرب تونس، قال القصّار إن "نسبة الأمية مرتفعة، خاصة في المثلث سيدي بوزيد 26.2 في المئة والقصرين 25.8 في  المئة والقيروان 27.9 في المئة، نتيجة رداءة التجهيزات (البنية التعليمية) والأوضاع المهتزة منذ 15 عاما".

ويرى أن "عوامل أخرى جعلت الأمية مرتفعة عن المعدل الوطني 17.3 في المئة في هذه المناطق تمثلت في تغيّر القيم وتردي أوضاع المعرفة بشكل عام وكل مَن هو صاحب شهادة علمية"، مشيرا إلى أن "تغيّر القيم أدى بالناس إلى التخلي عن التعليم"، مضيفا أنه "في المناطق الحدودية الأطفال والشبان يرون آباءهم وأعمامهم يشتغلون بالتهريب، فهم يواكبون المدرسة لأنه بالقانون لا بد أن يدرس الطفل إلى حدود 16 عاما، ولكنه عمليا لا يوجد في المدرسة.. الأنموذج اليوم لدى الشباب هو المهرب والشخصيات العنيفة والمتاجرة في المخدرات، في حين المدرّس لم تعد له أي قيمة".

وحذر من أنه "إذا لم تتوجه الدولة إلى إصلاح الوضع، فنحن نتجه إلى كارثة قيمية واجتماعية"، مشددا على أنه "يجب أن يعود دور العلم كمحدد لترتيب المقامات في البلاد، ويصبح هو هدف الشباب، وهذا مسألة سياسات لا بد أن تقام لإعادة مكانة المعرفة والتعليم، وإلا فسنكون بلدا يعد أشخاصا للهجرة إلى المهن الدنيا"، متابعا "في مستوى سن الثلاثين سنة فما تحت هناك سؤال عن جدوى التعليم، لأنه منذ سنوات كل ما يتم هو ترذيل التعليم".

وكشفت نتائج الإحصاء العام للسكان أن "الخصوبة منخفضة ولن تعود؛ لأن البلاد ليست لها إمكانيات لتغيير مسار الخصوبة"، وفق القصّار، مضيفا أن "نسبة المسنين سترتفع، وهي غير مرتفعة الآن، لأنها في حدود 17 في المئة، وسنبلغ عام 2035 ما قدره 20 في المئة، و24 في المئة سنة 2045".

وتابع أن "الطب سيتجه للتركيز على طب الشيخوخة، لأن عددا كبيرا من المسنين سيزورون المستشفيات أكثر من قبل، والتضخم المالي سيرتفع بحكم تلقي المتقاعدين أجورا دون عمل مباشر"، محذرا من أن "تونس تواجه صعوبة تجديد أجيال.. 1.7 طفل لكل امرأة نسبة ضعيفة جدا، يفترض أن تكون 2.2 طفل لكل امرأة كحد أدنى ليجدد المجتمع ذاته".

وستكون الأرقام الجهوية أكبر في محافظات الكاف وجندوبة وسليانة وباجة وتونس العاصمة وبدرجة أقل الساحل (محافظات سوسة والمنستير والمهدية/ شرق) ستكون 1.4 طفل لكل امرأة ونسبة العزوبية النهائية سترتفع بشكل كبير خاصة لدى المرأة، وفق القصّار.

وأضاف "المرأة الحاصلة على شهادة سيكون سن زواجها 34 سنة، ولها 10 سنوات خصوبة، وجدّتها عاشت 35 سنة خصوبة، ونسبة كبيرة منهن ستكون لهن عزوبية دائمة (دون زواج)، ونسبة منهن سيتزوجن بعد سن الخمسين".

ويعرف المجتمع التونسي تحولات في سياسة الإنجاب ترجمت بتقلص عدد الأطفال، حيث بات الأزواج الشبان أكثر اقتناعا بإنجاب طفل واحد أو طفلين على أقصى تقدير بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها تونس.