المرتزقة السوريون بليبيا: أردوغان أوهمنا أننا سننتقم من الروس

الاستخبارات التركية تهدد قيادات الفصائل السورية وتخيرها بين إرسال المقاتلين إلى ليبيا أو فتح ملفات تتعلق بالفضائح والجرائم التي ارتكبتها خلال الحرب في سوريا.
أردوغان لجأ إلى المرتزقة التنصل من المسؤولية الدولية في حال افتضاح الأمر
شركة “سادات” الأمنية التركية مكلفة بالإشراف على وضع المرتزقة
الفصائل التركمانية السورية هي الأكثر ولاء وانصياعا للنظام التركي
فرص الهروب إلى أوروبا تقلصت مع انتشار كورونا وتكثيف المراقبة في المتوسط

أنقرة/طرابلس - تسود حالة من الفوضى والعصيان في صفوف المرتزقة الذين أرسلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق في طرابلس، بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، وعدم إيفاء تركيا بالمغريات التي ادعت تقديمها في البداية، فضلاً عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين منهم.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد "سادت حالة من الفوضى والعصيان في صفوف المرتزقة السوريين المرسلين إلى ليبيا، لاسيما في ظل الأوضاع الصعبة لهم، وعدم إيفاء تركيا بالمغريات التي أدعت تقديمها في البداية، فضلاً عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين منهم، على يد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر".

وأوضح المرصد أن الإحصائيات التي قام بها تشير إلى أن حصيلة قتلى مرتزقة الحكومة التركية في ليبيا تصل إلى 339 من المقاتلين السوريين، بينهم 20 طفل دون سن الـ 18، ومن ضمن القتلى قادة من الفصائل السورية مثل الجيش الوطني الموالي لأنقرة، وهيئة تحرير الشام.

وأضاف إن المرتزقة الذين قتلوا خلال الاشتباكات على محاور عدة ضمن الأراضي الليبية ينتمون إلى فصائل “لواء المعتصم" و"فرقة السلطان مراد" و"لواء صقور الشمال" وا"لحمزات" و"سليمان شاه"، مشيرا إلى وجود أيضا "قتلى من الجهاديين الأجانب غالبيتهم من جنسيات شمال افريقية".

وكشف أحد المرتزقة بتاريخ 12 مايو المنقضي أنه تم وضعهم في مقرات قريبة من تمركز الجيش الوطني الليبي ومرمى نيرانه، لافتًا إلى تعرضها للقصف بالهاون حتّى إن ضربة واحدة استهدفت إحدى مقراتهم أدّت إلى مقتل 6 عناصر منهم، مما يؤدي بدوره لتكبدهم خسائر بشرية بشكل مستمر.

وأوضح إن تركيا دفعت راتب شهر واحد فقط للمرتزقة بالرغم من الوعود لهم بصرفها على أكمل وجه وبشكل دوري مقابل قتالهم في ليبيا وإبرام العقود معهم، إلا أن الجانب التركي تقاعس عن تنفيذ ما وعد به.

وذكر مقاتل منتمي للمرتزقة السوريين بطرابلس أن الرواتب كانت بحدود 566 دولارًا فقط، وأن من لديه واسطة يحصل على 849 دولارًا، كما أن شركة “سادات” المكلفة بالإشراف العام على وضع المقاتلين السوريين في ليبيا وتسليم رواتبهم لم تحصل على مستحقاتها من حكومة الوفاق.

ولجأت تركيا منذ أشهر إلى تقديم مغريات مالية إلى بعض الفصائل الموالية لها في سوريا لإرسال مرتزقة إلى ليبيا، والضغط عليها لتولي مهمة القتال في الصفوف الأمامية من المعارك إلى جانب الميليشيات الموالية لحكومة فايز السراج، في حين اكتفت بإرسال مستشارين من المخابرات والجيش التركي للإشراف والتوجيه.

وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المرتزقة السوريون اكتشفوا عند وصولهم إلى ليبيا أنهم "تعرضوا للخداع عن طريق إيهامهم بأنهم سيستخدمون في عمليات قتالية تنفذ ضد الجنود الروس في ليبيا انتقامًا مما مارسوه في سوريا من عمليات قتل وغيرها، وأن المرتزقة سيقاتلون بجانب الجيش التركي، لكن في الحقيقة الجيش التركي لا يشارك في المعارك، باستثناء بعض الخبراء والضباط الذين يتحصنون بغرف عمليات بعيدة عن جبهات القتال" .
وأوضح المرصد أن "القواعد التركية تنسق ضمن مناطق سيطرة فصائل "غصن الزيتون ودرع الفرات" بالريف الحلبي لإعطاء المجند مبلغ مادي على سبيل "السلفة"، ومن ثم يتم نقل المرتزقة من خلال الطائرات عبر الجسر الجوي التركي من داخل الأراضي التركية إلى طرابلس وكذلك السفن التركية للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي بغرض إلحاق الخسائر به وإضعافه لصالح أنقرة وحلفائها".

ا
تركيا تقتسم الغنائم مع حليفتها روسيا وتوهم المرتزقة بقتالها

وينتمي غالبية المرتزقة الذين جندتهم تركيا للقتال في ليبيا إلى عدة فصائل وتنظيمات سورية مسلحة مثل "الجيش الوطني الموالي لأنقرة، وعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، وهيئة تحرير الشام بالإضافة لمقاتلين جهاديين آخرين"، حسب المرصد السوري.

ويقدر المرصد السوري الأعداد الحالية للمرتزقة الذين تم إرسالهم من قبل تركيا إلى ليبيا بنحو 11.200 مرتزقًا، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 2300.

وحسب المرصد فإن الفصائل التركمانية السورية التي تدربها وتديرها تركيا هم الأكثر ولاءً وانصياعًا للنظام التركي للروابط القومية المشتركة؛ مما سهل عملية التجنيد لكثير من المرتزقة السوريين خاصة من تلك الفصائل .

ومنذ توقيع أردوغان لاتفاقية عسكرية مع فائز السراج في طرابلس في نوفمبر الماضي أرسلت القوات المسلحة التركية حسب احصاءات المرصد السوري 50 مدرباً عسكرياً تابعين للشركة الأمنية التركية الخاصة “سادات” إلى طرابلس، من أجل تدريب الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق.
واتبعت السلطات التركية خطوات عديدة في التجنيد حيث بدأت بإنشاء مكاتب للتطوع تحت إدارة الفصائل السورية الموالية لأنقرة لاستقطاب الشباب وتجنيدهم في عفرين شمال حلب، من ضمنها مكتب تحت إشراف فرقة الحمزات، ومكتب تديره الجبهة الشامية، وافتتح لواء المعتصم مكتبًا في قرية قيباريه، إضافة إلى مكتب تحت إشراف لواء الشامل في حي المحمودية.

وقدمت تركيا مغريات مادية للمقاتلين ورواتب المجزية، فقبل مغادرة مقاتلي المرتزقة شمال سوريا يوقّع المسلحون على عقود تنص على حصولهم على رواتب شهرية تقدر بـ2000 دولارًا شهرياً، مع تعويضات تقدر بـ50 ألف دولارًا لمن يتعرضون لإصابات خطرة، وكذلك 100ألف دولارًا تدفع لأسرة من يُقتل منهم في الجبهات، علاوة على تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة، ووعود بمنح الجنسية التركية، حسب المرصد السوري.

وكشفت مصادر المرصد السوري "لجوء الحكومة التركية إلى استغلال الفقر المدقع للشعب السوري المنهك، بسبب الحرب الدائرة في بلاده منذ أكثر من 9 سنوات، لاسيما مع ما صاحب ذلك من انهيار سعر الليرة السورية مقابل الارتفاع الشديد في أسعار السلع الغذائية وتدهور الاقتصاد بشكل عام، وما تبعه من تزايد معدلات الفقر والبطالة، لإرسالهم إلى طرابلس للقتال إلى جانب حكومة الوفاق، والعمل على إغراء الفقراء بالمال مقابل تجنيدهم وإرسالهم كمرتزقة للقتال في صراع لا يعنيهم بليبيا".

وأكد المرصد السوري أنه مع استمرار العملية على قدم وساق وتصاعد قضية تجنيد الأطفال من قبل الفصائل الموالية لأنقرة وإرسالهم للقتال في ليبيا، يعمد حاليا إلى "تسليط الضوء على الشق هذا من خلال معلومات حصل عليها من مصادر موثوقة، حيث يذهبون (الأطفال) من إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين بحجة العمل هناك، وبعضهم يذهب دون علم ذويه، ليتم تجنيدهم بعفرين من خلال إصدار وثائق هوية مزورة بمعلومات كاذبة عن تاريخ ومكان ميلادهم".

كما أكد شهود عيّان في منطقة درع الفرات للمرصد أن "قيادات المعارضة السورية الموالية لأنقرة تجّند الأطفال السوريين مقابل 3 آلاف دولارًا، ومن ثم يتم تدريبهم على حمل واستخدام السلاح في معسكرات تدريب مخصصة للأطفال والمراهقين تديرها فصائل المعارضة".

ورصد المرصد السوري تفاصيل حادثة جرت مع طفل لم يتجاوز الـ 15 من عمره، حيث أقدم الطفل على ترك مخيم النازحين الذي يقطن فيه برفقة عائلته، والذهاب إلى عفرين للعمل في مجال الزراعة، وبقي على اتصال مع ذويه لنحو 20 يوماً، بعد ذلك انقطع الاتصال به وتفاجئ ذوي الطفل بظهوره بأحد الأشرطة المصورة وهو يقاتل إلى جانب الفصائل السورية في ليبيا، وعقب استفسار الأهل تبين أن الطفل جرى تجنيده في صفوف “السلطان مراد” إلا أن الأخير أنكر ذلك في بداية الأمر أثناء توجه العائلة لمقر الفصيل بمدينة عفرين، ولم ترد معلومات عن مصير الطفل إلى أن حاولت عائلته عدة مرات للتردد على المقر، ليخبرها عناصر الفصيل بأن طفلهم قد قتل بمعارك ليبيا وأن الجثة لدى قوات حفتر في محاولة للتخلص من الإلحاح بالأسئلة حول مصير الطفل.

وقالت مصادر محلية إن عوائل المرتزقة يتخوفون من الخروج والحديث عن أبنائهم الذين أرسلوا إلى ليبيا بالرغم من الاستياء الكبير لديهم، تخوفاً من ممارسات الفصائل المؤتمرة من قبل الحكومة التركية.

v
المرتزقة في ليبيا وقود حرب تركيا

ولجأت أنقرة إلى تجنيد المرتزقة للقتال خدمة لمصالحها ومشروعها التوسعي في المنطقة خوفا من تعرض نظام أردوغان لمزيد من الانتقادات وانخفاض شعبيته بالداخل بسبب استهلاك القوى العسكرية والمقاتلين الأتراك في عمليات خارجية لا طائل من ورائها وتكبد مزيدًا من الخسائر على غرار ما حدث إبان مقتل الجنود الأتراك في سوريا.
ونظرا لتعقد الأوضاع في الملف الليبي وتضارب مصالح المتنافسين لا يريد أردوغان التضحية بمزيد من الكوادر العسكرية التركية في معركة مجهولة الملامح، وغير مضمونة المكاسب بالإضافة إلى أن اعتماد المرتزقة يساعد أنقرة على التنصل من المسئولية الدولية في حال افتضاح الأمر وبروز تبعاته.

وعمد الرئيس التركي على استخدام حكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان والميليشيات كوسيلة للضغط على القوى الإقليمية على اعتبار أنها معرف بها من قبل الأمم المتحدة لتحقيق أكبر قدر من الأهداف والمكاسب في ليبيا أهمها تأمين حصة من الثروات الليبية كالنفط وغاز شرق المتوسط بأقل تكاليف بشرية ومادية ممكنة.
من جهة أخرى تسعى أنقرة حاليا إلى التخلص من العناصر المسلحة والجهاديين والإرهابيين الذين استخدمتهم لخدمة مصالحها خلال الحرب في سوريا بعد أن عاثت فسادا لسنوات لكن الاتفاق الثنائي مع روسيا أصبح يقوض ذلك ما يستدعي التزاما تركيا بانهاء مهمة تلك الجماعات.
وفي تسجيل صوتي لأحد المقاتلين في طرابلس تحدث مقاتل موالي لأنقرة عن ندم جميع المرتزقة من القدوم إلى ليبيا وبأنهم تورطوا بذلك، داعين الراغبين بالذهاب إلى ليبيا بأن يتراجعوا عن قرارهم لأن الوضع ليس جيد إطلاقاً، فالأتراك تخلفوا عن دفع مستحقات المقاتلين البالغة 2000 دولار أميركي للشهر الواحد، ونقيم في المنزل وحتى السجائر لا نحصل عليها في غالب الأوقات، لا نستطيع الخروج من المنزل لأن المنطقة ممتلئة بخلايا تابعة لقوات حفتر"، ويضيف المقاتل "جميعاً يريد العودة إلى سوريا وهناك دفعات تتحضر بالعودة عبر فيلق الشام".
ولا يخفي عدد من المرتزقة محاولاتهم الهروب من جحيم المعارك في طرابلس عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في قوارب صغيرة تبحر من السواحل الليبية نحو المتوسط تحت إشراف قادة الميليشيات وإرهابيين وأمراء حرب في ليبيا.

وفي يناير الماضي تسلل ما يقرب من 150 مقاتلاً إلى الأراضي الإيطالية لكن مع تفشي جائحة كورونا و إطلاق عملية "إيريني" الأوروبية والمدارة من قبل اليونان لمراقبة تنفيذ قرار الأمم المتحدة بمنع توريد السلاح إلى ليبيا، أصبحت عملية الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي صعبة للغاية مع تزايد إلقاء القبض على المهاجرين غير الشرعيين.

وأوضح المرصد السوري أنه بعد تراكم الضغوطات على تركيا في ليبيا تحولت عملية نقل المقاتلين السوريين خلال الآونة الأخيرة من "الترغيب" إلى "الترهيب، إذ باتت عملية الذهاب إلى هناك تحت ضغط تركي كبير على قيادات الفصائل السورية بعد أن كان المقاتلون سابقاً يتسابقون للذهاب إلى ليبيا طمعاً بالمغريات التي قدمتها تركيا بداية الأمر.

وأشار المرصد إن الأمر تحول إلى ضغوطات كبيرة وتهديدات من قبل الاستخبارات التركية لقيادات الفصائل بشأن إرسال مقاتلين وإلا ستكون النتيجة فتح ملفات تتعلق بالفضائح والجرائم التي ارتكبتها خلال الحرب في سوريا.

وجدد المرصد السوري مطالبه للمجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف عملية تجنيد السوريين وتحويلهم لمرتزقة سواء من قبل الحكومة التركية وإرسالهم للقتال في ليبيا أو التدخل بالشأن الداخلي الليبي.