المركز القومي للترجمة يكبل المترجمين والمبدعين

مترجمون وكتاب مصريون يهاجمون إعلان القومي للترجمة برئاسة علا عادل.
جابر عصفور يبدى اعتراضه الشديد على بيان مديرة المركز القومي للترجمة، بشأن نهجها القادم بالمركز
أحمد الجعفري:  الترجمة فعل ثقافي يتناول الآخر ويستجلي ثقافته وفكره الذي يختلف عنّا وعن ثقافتنا وفكرنا
من العتَه توجيه فعل الترجمة نحو ما يتوافق معنا ومع قِيَمنا وموروثنا

أثار ما جاء في إعلان د.علا عادل رئيس المركز القومي للترجمة لآلية جديدة للتقدم بطلبات ترجمة الكتب إلى المكتب الفني في إطار الخطط الجديدة التي وضعتها لتطوير اداء المركز القومي للترجمة، إذ أعلنت ضرورة "مراعاة ألا يتعارض الكتاب ـ المقترح ترجمته ـ مع الأديان وألا يتعارض الكتاب مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف"، جدلا واسعا بين المترجمين ازداد بعد مواصلة ـ علا عادل ـ في أحد البرامج التليفزيونية القول "إن القرار الجديد الخاص بالتعاقد مع اللجان الفنية لن يسبب وضعا رقابيا أو قيودا على المترجمين، والقرار يخص فقط الأشكال الصارخة الخارجة عن الأعراف، فهناك بعض الكتب تروج لبعض المظاهر الخارجة عن المجتمع العربي والمصري مثل (المثلية الجنسية)".
الردود على إعلان رئيس المجلس القومي للترجمة تواصلت على صفحات الكتّاب والمترجمين على الفيسبوك حيث كتب الشاعر والمترجم رفعت سلام تحت عنوان "عن الترجمة.. والجهل، وأخونة مركز الترجمة" قال: في حديث لي مع د.جابر عصفور - منذ دقائق - أبدى اعتراضه الشديد على بيان مديرة المركز القومي للترجمة، بشأن نهجها القادم بالمركز، وضرورة التزام المترجمين بما يتوافق مع التقاليد والأعراف.. باعتبارها محاولة لأخونة نشاط المركز.. وأن أسس تأسيس المركز تتعارض تمامًا مع مثل هذه الأفكار. قلت له إن السيدة مديرة المركز تطيح بمفهوم الترجمة الأصلي، باعتباره معرفة "الآخر" كما هو، في ذاته، وتستبدله بمعرفة مشوهة، بالآخر، خاضعة للوصاية والانتقاء؛ محكومة فحسب بما يتفق مع تقاليدنا وأعرافنا.. وهو ما ربما ينتمي إلى الوعي السائد بالقرن التاسع عشر. وقال لي إنه اتصل بوزيرة الثقافة، بهذا الخصوص، وإنها غير موافقة على موقف مديرة المركز، وستعيد الأمور إلى نصابها.

إلغاء حقوق ترجمة كتابٍ نتيجة تأخر نشر ترجمته لسنوات، يعني ببساطة إهدارًا للجهد وللمال العام، بعد أن يذهب كل شيء أدراج الرياح، ويخرج المركز من المولد خالي الوفاض

وجاء تعليق الروائي طارق إمام مختصرا في ثلاثة كلمات "المسجد القومي للترجمة".
أما الروائي د.ياسر ثابت فقال "التعليق المبدئي على بيان المركز - الذي لم يُعفِ نفسه من اللوم عبر إدارة حوارٍ صحي مُسبق مع الأطراف المعنية - هو أنه ينصرف إلى الاهتمام بحقوقه وقيوده وشروطه الحاكمة بلا مشيئة، من دون أن يُنصِفَ المترجمين في حقوقهم المختلفة، وفي القلب منها سرعة النشر، أو تحديد إطارٍ زمني لنشر الأعمال المترجمة، وهو أضعف الإيمان! وبدلًا من أن يدعو المركز المترجمين والقائمين عليه إلى حوارٍ مفتوح لضمان تقديم مساهمةٍ جادة وواعية في بلورة الهوية الثقافية لهذا الشعب، تجعل الإنتاج أكثر غزارة وتنوعـًا، بما يخاطب العقول، ويمتع العيون، ويغذي الأرواح، وجدناه يتأبط شرًا، ويشهر سيفَ القيود التي تكبلُ المترجمين والمبدعين على حدٍ سواء.
وأضاف "كل هذا الحريق، ومُضرمُ النار لا يفهم سر غضب الضحايا! بلغةٍ جديدة لم نعهدها من المركز، وبمواقف متناقضة لا تنسجم مع تاريخه ومكانته، صدر البيان المحزن وملحقه التوضيحي الأكثر مدعاةً للحزن، حتى أن كثيرين رأوا ضرورة إعادة النظر في مقاربة دور المركز ورسالته، حرصـًا على صورة مركز ثقافي مهم لا يريد أحدٌ لها - بمن في ذلك منتقدوه - أن تتشوه ولو كان صاحبها اللاعب الأبرز في هذا التشويه. الخطير في الشروط التي ترتدي ثوب الآليات، أنها تنص على "مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان وألا يتعارض الكتاب مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف"، وهي عبارة فضفاضة وخطيرة، تفرض منا حراسًا أخلاقيين على الثقافة العالمية والتراث الإنساني، حتى يكون على مقاس القائمين على المركز وليس القراء، الذين يهمهم في الأساس الحصول على ترجمة سليمة وليست معدّلة وراثيًا!
ولأن المركز أراد أن يكحّلها فأعماها، فإن بيانه التوضيحي اللاحق، يقول نصًا: "وضع شرط عدم التعارض مع الأديان أو الأعراف والمثل جاء بعد أن ورد إلى المركز مقترحات بكتب تتضمن التطاول على رموز ومؤسسات دينية دون أن يكون هناك فكر حقيقي مطروح، بل وهناك من الأعمال ما يروج للمثلية والشذوذ والإلحاد وهو ما لا نقبل وضع اسم المركز عليه، إلا أن الأفكار التي لا تتماشى مع قناعاتنا ولكنها لا تتضمن إساءة أو تطاولًا لا نفرض عليها حجرًا بل نطرحها في إصدارتنا التي تهدف إلى التنوير والتعريف بثقافة الآخر وفكره، بل ونأمل كذلك أن يقرأها المفكرون تحثهم على الرد على الأفكار المغلوطة في كتاباتهم". باختصار، يقول لنا المركز القومي للترجمة، رغم فخامة كلمة "القومي"، إن الأفكار التي لا تتماشى مع قناعاته، ويرى فيها انحرافًا عن جادة الصواب، تذهب إلى إصدارات أخرى، دون رقابة أو حظر!

ورأى ثابت أن الطريف في الأمر أن المركز يشترط أن يكون الكتاب حديثـًا ولم يمر على نشره أكثر من خمس سنوات، وهو ما يعني استبعاد أعمال وكتابات بالغة الأهمية تعذر ترجمتها لسببٍ أو لآخر في فتراتٍ سابقة. وهو أمرٌ كما ترون محيرٌ يدخل في باب الغباء المجاني. أما المضحك الذي هو من المبكيات هو ما ورد في بيان المركز نصًا: "نرجو أن تسهم هذه الآلية الجديدة في اختصار الوقت". ألا يعلم القائمون على المركز حجم شكاوى التي يجأر بها مترجمون أفاضل، من تأخر صدور بعض الكتب لسنواتٍ وسنوات في أقبية المركز وسراديبه، حتى أن كثيرًا من هذه الكتب التي أصبحت نسيًا منسيًا، فقدتْ بالفعل حقوق الترجمة، بعد أن ألغى المؤلفون الأصليون ودور النشر الأجنبية اتفاقاتهم السابقة مع المركز يأسًا من صدور ترجمة عربية لمؤلفاتهم. إن إلغاء حقوق ترجمة كتابٍ نتيجة تأخر نشر ترجمته لسنوات، يعني ببساطة إهدارًا للجهد وللمال العام، بعد أن يذهب كل شيء أدراج الرياح، ويخرج المركز من المولد خالي الوفاض. وإذا كانت "الآلية الجديدة" تتضمن فتح باب التقدم بالمقترحات مرتين في العام خلال شهري يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، فإن هذا التقييد يحول بطبيعة الحال دون التحرك للاتفاق على نشر أعمال مهمة في تواريخ أخرى.
وعلق الشاعر أحمد الجعفري على صفحته قائلا "الترجمة فعل ثقافي يتناول الآخر ويستجلي ثقافته وفكره الذي يختلف عنّا وعن ثقافتنا وفكرنا، لذا فمن العتَه توجيه فعل الترجمة نحو ما يتوافق معنا ومع قِيَمنا وموروثنا".
واتهمت الشاعرة منة الله أبوزهرة بيان المجلس القومي للترجمة بالوضاعة، وقالت "أقل ما يُقال عليه إنه بيان وضيع لا يخرج من منظمة تُحسب على الثقافة بأي شكل! لكن الثقافة في مصر مثل كل الأشياء".