'روميو وجوليت في البلقان': حكاية عن الحب والخيانة

رواية ديان ترايكوفسكي تستعرض قصة حب بين شاب فقير وفتاة ثرية في مقدونيا مطلع القرن العشرين، يصطدمان بواقع اجتماعي قاسٍ يدفع الحبيب إلى الهجرة، حيث يجد نفسه ممزقًا بين حبه الأول وإغراء جديد يكشف هشاشة الوعود.

تُعد رواية "روميو وجوليت في البلقان" للكاتب المقدوني ديان ترايكوفسكي عملًا أدبيًا مؤثراً يستكشف أعماق الحب والخيانة في سياق اجتماعي وتاريخي بلقاني مطلع القرن العشرين. من خلال أسلوب سردي بسيط وعميق في آن واحد، يأخذنا ترايكوفسكي في رحلة مؤثرة عبر قلوب شخصياته وتحديات عصرهن.

تدور أحداث الرواية التي ترجمتها رانيا صبري علي، وصدرت عن دار العربي حول قصة حب تنشأ بين شاب يدعى صاني وفتاة من عائلة ميسورة تدعى لونا في مقدونيا. يتحدى هذا الحب الفوارق الطبقية، لكنه سرعان ما يصطدم بواقع اجتماعي قاسٍ يرفض هذا الزواج. تحت ضغط الظروف، يقرر صاني الهجرة إلى أميركا بحثًا عن مستقبل أفضل يمكنه من خلاله العودة والزواج من حبيبته.

إلا أن رحلة صاني عبر المحيط على متن سفينة تحمل في طياتها اختبارًا آخر لعواطفه وولائه. حيث يلتقي صاني بامرأة متزوجة من شيخ كبير السن تدعى "دراجا". تنشأ بينهما علاقة، مما يمثل نقطة تحول في الرواية. يصبح صاني ممزقًا بين حبه الأول للونا والإغراء الجديد الذي يجده في جمال "دراجا". هذا الانزلاق العاطفي يشكل محور الرواية، حيث يتم استكشاف مفهوم "الخيانة" ليس فقط بمعناها الرومانسي، بل أيضًا كخيانة للذات والأحلام والطموحات.

يتميز أسلوب ترايكوفسكي في  الرواية ببساطته التي تخفي عمقًا دلاليًا. فاللغة المستخدمة قريبة من الحكايات الشعبية، مما يضفي على السرد طابعًا أسطوريًا وشاعرية مؤثرة. كما يُلاحظ استخدام تقنية تعدد وجهات النظر بشكل أو بآخر، مما يمنح القارئ إمكانية استيعاب تعقيدات دوافع الشخصيات وتأثير الأحداث من زوايا مختلفة.

تتعدد الثيمات التي تتناولها الرواية، لكن يظل الحب والخيانة في صميمها. يستكشف ترايكوفسكي هشاشة الوعود وقدرة الظروف على تغيير المشاعر والولاءات. بالإضافة إلى ذلك، تتطرق الرواية إلى قضايا الهوية والاغتراب، حيث يواجه صاني تحديات في الحفاظ على هويته في بيئة جديدة ومختلفة. كما تبرز ثنائية الواقع والأحلام، حيث تتصادم التطلعات الرومانسية مع الحقائق القاسية للحياة.

يُنظر إلى الرواية أيضًا على أنها تعكس جانبًا من "سخرية التاريخ" في منطقة البلقان، حيث تتداخل القصص الفردية مع التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى، وغالبًا ما تكون ضحية لها. فقصة صاني ولونا، على بساطتها الظاهرية، تحمل في طياتها إشارات إلى التحديات التي واجهها الأفراد في تلك الحقبة الزمنية.

وأخيرا  تُعد الرواية عملًا أدبيًا بالغ التأثير، ينجح في مزج قصة حب شخصية مع خلفية اجتماعية وتاريخية أوسع. من خلال استكشاف دقيق لمشاعر الحب والخيانة، وبلغة سردية آسرة، تقدم تأملًا عميقًا في طبيعة الإنسان وقدرته على التغيير والتأثر بالظروف. إنها رواية تدعو للتفكير في معنى الوفاء والوعد في عالم دائم التحول.

مقتطف من الرواية

وما الذي أحضره الصباح؟ الشيء ذاته، ما الذي قد يُحضره غير ذلك؟ خيَّم عليَّ الشعور ذاته بعدم الراحة بسبب حلمي الذي ظهرت فيه "لونا" - أول مرة - على هيئة وحش.

أرادت أخذ شيء من يدي. ما هو؟ لم أره. فتحت فمها وخرجت منه النيران، وفي الوقت ذاته خرجت النيران من شعرها وعينيها، من المناطق التي كنت أحدِّق إليها وأمسِّد عليها أغلب الوقت.  

استيقظت وقادتني قدمي فورًا إلى سطح السفينة، على الرغم من أنها في الوقت ذاته بدت كأنها تسحبني إلى العودة، اللعنة عليها لأنها لم تعيدني في تلك المرة الأولى. 

لم تكن هي ولا ذلك الشيخ هناك. ثلاثة أيام، صعدت على سطح السفينة حيث أغنى الركَّاب وأفقرهم يحظون بفرصة نادرة لمراقبة بعضهم، من مسافة آمنة بالطبع. ثلاثة أيام لم أرَ أيًّا منهما. شعرت ببعض الراحة بعد أن أوهمت نفسي أن اشتهائي المرأة الصربية كان بسبب دوار البحر والإرهاق. حسنًا، كما جرت العادة، لا يعود الرجل حرًا عندما تزداد ثقته بنفسه قليلًا. 

لكن هدوئي الهش ارتبك في اليوم الرابع عندما كدت أنجح في البقاء داخل السفينة، متعمدًا الكذب على نفسي بأنني لا أحتاج ولا أرغب في رؤيتها مرة أخرى. تلك العاهرة التي لم تشعر بالقرف عند تدفئتها جسد شيخ، والتي يمكنها أن تقدِّم نفسها لكل من يرغب في أن يحيد عن الصراط المستقيم. ولكن كل الآليات الدفاعية التي فكَّرت فيها لم تكن جيِّدة كفاية لأتحاشى ذلك اللقاء الموعود. كانا جالسين مثل ثنائي منسجم، على كراسٍ مريحة على سطح السفينة. كان ذلك الشيخ نائمًا، وقيدتني هي بنظرتها وسحبتني نحوها، من الواضح أنها تخون رغبة ما في أن تُسحق بثقل وجودي. لم أقاوم، على الرغم من أنني تساءلت طوال الوقت: "لماذا أتحرك تجاهها؟". كررت لنفسي أن هذا خطأ فظيع وأنه عليَّ الهروب من هذا الإغواء، ولكنني استوعبت بالتدريج أنها لم تسمح لي بالابتعاد إلا بمعجزة. مع الأسف يندر حدوث المعجزات. ببساطة استسلمت وسلَّمت نفسي بالكامل للوضع الحالي. كأنني داخل عربة فخمة تهزني حتى الصميم، وأجفل من الخوف في كل مرة تمر العربة فوق حصاة.

القصة الأولى: 

ما الذي عليَّ قوله؟ ما الذي يمكنني قوله؟ في تلك الأيام، كان ذلك الشيخ ينام مبكرًا، ونستلقِي نحن معًا عندها. كانت "دراجا" تتسلل خارج سرير ذلك الشيخ عندما ينام متعبًا من دوار البحر وبعض الحبوب التي تضعها في مياهه. 

في تلك الليالي الثلاث الأولى، أخبرتني "دراجا" بثلاث قصص كأنها ثلاثة أحلام. أكانت حقيقة أم لا؟ لا أعلم.. أعرفت منها سبب إلقاء القدر بها على تلك السفينة أم لا؟ 

سمعت القصة الأولى وكنت أوصلها إلى غرفتها. بعد أن أخبرتني بالقصة وقبل أن تخبرني أننا سنلتقي في اليوم التالي، أمسكت بمقبض الباب، وقبل أن تدخل الغرفة وقفت للحظة مواجهة الباب. انتظرت حدوث أمر من خارج هذا العالم، كما كان يحدث مع "لونا". أدارت "دراجا" رأسها قليلًا بدرجة كافية لأرى عينيها ترغب فيَّ بحذر، وهربت نظرة جديدة من عينيها تخطفني مثل عاصفة غير متوقعة. هذه أول مرة لم أخفض نظرتي إلى الأرض، لأن نظرتها التقطتني. اللعنة عليها وعليَّ أيضًا. ولكن، قبل تلك النظرة، وأنا أتمشى مع "دراجا" إلى غرفتها، أخبرتني عن قبلتها الأولى، تلك التي حدثت في أثناء لعبها دور الأم في طفولتها مع أصدقائها، الذين لعبوا دور أطفالها وعليهم إطاعتها، يا للمفاجأة! وإذا أصرَّ أحد أصدقائها على لعب دور الأم، كانت تضربهم بعصا على أصابعهم أو تتشاجر معهم حتى يرحلوا. وأقنعت الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضًا. هذا ما أخبرتني به بابتسامة لطيفة كأنها مستعارة من وقت لطيف آخر. 

قالت: 

- هل تحب قصصي التي أرويها؟ أحب القصص كثيرًا.

أجبتها: 

- نعم. 

كأنني أقف أمام باب يقودني إلى عالم آخر ومتحير أأدخل أم لا. 

بدأت "دراجا" برواية الطريق الذي قادها إلى الزواج من ذلك الشيخ بدلًا من شخص في مثل سنها. أرعبتني القصة وجعلت معدتي تتقلب ونصفي السفلي في الوقت ذاته، كنت ألعب مع الشياطين والملائكة في الوقت ذاته. أرتجف من كل مكان. غرقت في عرقي البارد وهي تسترجع تلك الأحداث. لن أنسى تلك القصة الأولى أبدًا، قاسية جدًّا على شاب من زمان ومكان مختلف، جرت كالآتي: 

- في يوم ما، كنت قد كبرتُ قليلًا وعلقتُ في حظيرة في أثناء عاصفة مع "ميركا"، الفتاة التي كانت تتنافس معي لكي تكون الأم عندما كنت ألعب لعبة المنزل مع الأطفال الآخرين في الشارع. قالت "ميركا": 

- هل تريدين أن أريكِ شيئًا ما؟

سألتها: 

- ماذا؟ 

- ولكن إذا أريتكِ عليكِ أن تقسمي ألا تخبري أحدًا. 

- أقسم إنني لن أخبر أحدًا. 

- أقسمي بحياة أمك. 

- أقسم بحياة أمي. 

- لا، يجب أن تقسمي بحياة شخص تحبينه أكثر من ذلك. أقسمي بحياة الرجل الذي سيتزوجكِ عندما تكبرين. 

- أقسم بحياة زوجي إنني لن أقول شيئًا. 

- حسنًا. 

وأخذت ترفع عباءتها. 

- لديَّ ندبة هنا.

قالتها وهي تشير فوق "عضوها الخاص":

- وهنا. 

قالت وأرتني كل شيء، حتى ما لا يجب أن أراه. 

- وهنا بشرتي مختلفة. أصبت بمرض ما وظهرت لديَّ بقع بيضاء. تتحول بشرتي إلى الأبيض في أماكن ما والبقع تتزايد. لن يقبلني أحدٌ زوجة له عندما أكبر، عندها ستغطي البقع البيضاء جسدي بالكامل كالبقرة. 

مددت يدي ولمست الجلد القريب من منطقتها الحساسة، وصرخت كأنها مرعوبة. صرختْ: 

- ما الذي تفعلينه؟ 

حدَّقت إلى جلدها وقلت لها إن البقع إذا انتشرت في جسدها كله عندما تكبر، سآخذها لتعيش معي، وسنكون كالأخوات، ولن يعترض أحد ولا حتى زوجي. عانقتني "ميركا" وملابسها الداخلية عند كعبها وتحرَّك شيء داخلي. تقريبًا كانت تلك اللحظة الذي تخللني الشيطان بها وقبَّلت خدَّها. قلت لها: 

- سأكون أختك دائمًا.

وقبَّلتها مجددًا. بقيت شفتاي على خدها قريبة من فمها، ودامت القبلة أكثر من القبلة الودية السابقة. دفعتني "ميركا" بعيدًا وقالت: 

- لا تقبِّليني أنتِ لست زوجي! 

منذ ذلك الوقت، لم أشعر أنني طبيعية بوجودها أبدًا. أردت أن أثبت لها أنها أفضل أصدقائي وانتهزت أي فرصة لتقبيلها. بعد فترة رفضت قبلة الوداع مني، عندها قلت لها إن عليها أن تدعني أقبلها كل يوم وإلا أخبرت الجميع أن لديها بقعًا هناك في الأسفل. بالإضافة إلى أن عليَّ تفقُّد البقع بصورة دورية لأتأكد من وجود بقع جديدة وإلا سأخبر الجميع عن الندبة. أصبحت "ميركا" تتلعثم وهي تتكلم، وتوقفت عن الخروج واللعب. وبعد سنة أو سنتين عندما كبرت قليلًا، خفت مما كنت أفعله وتراجعت من تلقاء نفسي ولم أخبر أحدًا لا عن البقع ولا القبلات. صليت كل ليلة لكي يتركني الشيطان، كل ليلة، عدَّة سنوات. حتى تزوَّجت "ميركا" في سن صغيرة جدًّا. طلبت من أمها أن تساعدها في الزواج في قرية أخرى، وتزوجت في قرية أخرى. عندما جاؤوا لأخذها، قبَّلتها للمرة الأخيرة وهي مرتدية ملابس زفافها.

أنهت "دراجا" القصة مباشرة قبل وصولنا باب غرفتها. سألتُها: 

- لما أخبرتني كل هذا؟ 

قالت: 

- لأنني لم أجد أحدًا يمكنني أن أخبره بهذا من قبل. 

سألتني بعد أمسكت بمقبض الباب: 

- هل أنت خائف مني؟ 

عندها علمت أن نظرتي لن تتحول إلى الأرض مجددًا بسبب نظرتها التي استحوذت عليَّ مثل عاصفة،

وذهبت إلى الحمام.