'البروكة' أوبريت غنائي كوميدي لأول مرة على المسرح الكبير بمكتبة الإسكندرية
قدم مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية التابع لقطاع التواصل الثقافي برئاسة دكتور محمد سليمان؛ نائب مدير مكتبة الإسكندرية، الأوبريت الغنائي الضخم "البروكة" لسيد درويش. الأوبريت رؤية فنية لمحمد عبد القادر، توزيع موسيقي وجدي الفوي، تصميم ديكور وجرافيك عبد المنعم المصري، تدريب كورال دنيا دغيدي، تصميم ملابس هالة حسن، أوركسترا وكورال مكتبة الإسكندرية قيادة الموسيقار ناير ناجي، وإخراج مهدي السيد.
قُدِّم العرض على مدار ليلتين، ويتكون العرض من ثلاثة فصول، كُتب ولُحن عام 1921. وهذا الأوبريت الغنائي- شأنه شأن الأوبرات العالمية- جامع لعدة فنون منها الإضاءة، والديكور، والملابس، والماكياج، وسائر فنون المسرح.
قدمت فرقة سيد درويش وعمر وصفي عرض البروكة للمرة الأولى 24 نوفمبر/تشرين الاول 1921 على مسرح دار التمثيل العربي، عن أوبريت "لا مسكوت" لإدموند أودران، والأوبريت يتكون من 3 فصول، والأغاني من تأليف عبد العزيز أحمد.
احتفظ سيد درويش بأسماء شخصيات مسرحية إدموند أودران وأماكن الأحداث الأوروبية حتى يحافظ على الحالة الدرامية الأوروبية لمسرحيته، في حين أضفى الطابع الموسيقي الشرقي على أجواء العمل.
أعيد عرض أوبريت "البروكة" من قِبل فرقة التمثيل العربي (أولاد عكاشة) في 27 يناير/حزيران 1927ىعلى مسرح الأزبكية، وفي 15 إبريل/نيسان 1961 من قِبل فرقة المسرح الغنائي للإذاعة المصرية؛ حيث أدى الفنان كارم محمود دور "بيبو" وأدت الفنانة حورية حسن دور "بتينا". وعرض عام 1997 على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية ومسرح الجمهورية بالقاهرة؛ حيث أدى لافنان محمد ثروت دور البطولة.
نتعرف في الفصل الأول على "روكو"، وهو مزارع وعمدة قرية من قرى مقاطعة توسكانا بإيطاليا، هو الضحة المستمرة لسوء الحظ. على الرغم من أنه يعمل بجد، دائما ما يقارن نفسه بشكل حزين بشقيقه أنطونيو، الذي يزرع نجاحا كبيرا على طول الخط، مما يسبب إزعاجا لروكو. أرسل أنطونيو له عاملا جديدا، وهي "بتينا" الفرارجية وصديقة الراعي "بيبو"، يحاول في البداية التخلص منها، إلى أن يقرأ الخطاب الذي أرسله له مع "بتينا" فيكتشف أنها هدية لا ترد. إن "بتينا" هي بَرُّوكة الحظ لأخيه وأن نحسه سيُفك وسيصبح محظوظا بوجودها.
بمجرد وصول "بتينا" يبدأ حظ روكو في التحسن، حيث يخرج الأمير لوران السابع عشر، للصيد مع ابنته فياميتا وخطيبها الأمير فريتللي أمير بيزا، وكان الأمير لوران مثل روكو سيء الحظ، فهو يخسر الحروب، ويقوم باستثمارات كارثية، ولا يحالفه الحظ في الصيد، وابنته المتمردة ترفض الزواج من الأمير فريتللي. وحتى وهو في مزرعة روكو يستمر سوء حظه، حتى يبدل معطفه بمعطف روكو وفيه الجواب الذي فيه السر عن الحظ الذي تجلبه "بتينا" الفرارجية، فيقرر ان يأخذها هو، وحتى لا يغضب روكو يقرر الأمير أن يأخذه معه ويعينه وزيرا ترضية له.
في الفصل الثاني، يبدأ الحظ السعيد يزور الأمير لوران، ويكتشف بنفسه صدق حظ "بتينا" ولكن كان عليه إبعادى حبيبها روكو عنها، لأنه رغم حظها الجيد إلا أنها لو تزوجت شخصيا ليس مثلها فإن تلك البركة تذهب. ولكن روكو لا يتنازل عن محبوبته ويذهب للقصر ويهرب معها، فيصيب الأمير مرة أخرى سوء الحظ، ويصيب حبيبها حسن الحظ.
ويختتم الأوبريت بالفصل الثالث، وفيه يهرب لوران المهزوم من فريتللي (الذي انضم لجيشه بيبو وبتينا) فأصابه حظها السعيد وانتصر في معركته، وحينما يعلم لوران الهارب من قصره مع ابنته ووزيره روكو أن بيبو وبتينا على وشك الزواج، يقرر لوران تنبيه بيبو إلى أن هذا الزواج سيترتب عليه أن يفقد مكانته في شراكة فريتللي.
يتردد بيبو قليلا، ولكنه يضرب عرض الحائط بكل هذا الكلام ويقرر الزواج من محبوبته، ولكن ما حدث أن البروكة ستنتقل بركتها لذريتها، وهذا ما يجعل كل من حولها سعيدا، فتعود فياميتا الأميرة إلى فريتللي وتنتهي الحرب بينه وبين أبيها.
قام بآداء الشخصيات الرئيسة للأوبريت لوران؛ أمير مدينة بيومينو، تمثيل هاني عبد الناصر، بيبو؛ راع غنم، حبيب بتينا، تمثيل عبد العزيز سليمان، بتينا؛ فرارجية البروكة، تمثيل ليديا لوتشانو، روكو؛ عمدة القرية، تمثيل محمد التركي، فياميتا؛ ابنة لوران، تمثيل هاجر البديوي، فريتللي؛ خطيب فياميتا، تمثيل يوسف طارق، أنجلو؛ ضابط، تمثيل محمد نشأت، بارافنتي؛ ضابط، تمثيل محمد نشأت، ماثيو؛ صاحب حانة، تمثيل عماد نحلة.
سيد درويش؛ ملحن أوبريت البروكة، يُلقب بفنان الشعب ومجدد الموسيقى وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي. وُلد سيد درويش في الإسكندرية، والتحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905. عمل في المقاهي ولكنه لم يُوفق، فاشتغل عامل بناء. كان سيد درويش يرفع صوته بالغناء في أثناء عمله، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب فاسترعى انتباههما لما في صوته هذا من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1909.
أتقن سيد درويش أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تنفجر. وعام 1917، انتقل سيد درويش إلى القاهرة، وسطع نجمه وصار إنتاجه غزيرا، فلحَّن لجميع الفرق المسرحية. أدخل سيد درويش الغناء البوليفوني للمرة الأولى في مصر في أوبريتات "العشرة الطيبة"، و"شهرزاد"، و"البروكة". بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة عشرات الأدوار، وأربعين موشحا، ومائة طقطوقة، وثلاثين رواية مسرحية وأوبريتا.
كان سيد درويش حريصا على تدوين مؤلفاته للأوبريت موسيقيا، وكان يسعى إلى طبع ألحانه وأغانيه ونشرها بعد توثيقها بالأسلوب العلمي، لولا أن وافته المنية وحالت دون وصوله لذلك.
جدير بالذكر أن فريق عمل الأوبريت تكون من: رئيس قطاع التواصل الثقافي د. محمد سليمان، المستشار الفني، د. راجح داوود، نائب مدير وقائم بأعمال مدير مركز الفنون، رشا عيد، وحدة الأوركسترا والكورال – القائد الساسي لأوركسترا مكتبة الإسكندرية، مايسترو ناير ناجي، المدير الفني لأوركسترا مكتبة الإسكندرية د. شادي عبد السلام، مسؤول المكتبة الموسيقية مكتبة الإسكندرية، أمير عوض.
قائد كورال مكتبة الإسكندرية، دنيا دغيدي، مصاحبة بيانو للكورال والصوليست، أحمد رفعت، قائد قسم السوبرانو: مها رفعت، نهال عيد، كارلا كريم، قائدة قسم ألثو: روان مجدي، قائدا قسم التينور، عماد نخلة، سيمون سمير، قائد قسم الباص، بسيم محمد، محمد الصبان، ميديا كورال مكتبة الإسكندرية، مي ساكوري.
مما أثار إعجابي بالعرض ذلك التداخل الذكي بين المسرح والجمهور مع بداية العرض، حيث دخل فريق التمثيل من وسط القاعة، فخلق حالة من التفاعل الفوري، واختلط المشهد بتصفيق عفوي أعادنا إلى أجواء المسرح الحي القديم. كما تميزت الملابس بتصميماتٍ تحترم زمن الحدث وتُبهج العين في آنٍ واحد، فجاءت مناسبة دراميًا وبصرية.
أما الأداء التمثيلي والغنائي، فكان متقنًا وبسيطًا في الوقت ذاته، سواء على مستوى الصوليست أو الكورال، مع حركة مسرحية مدروسة بدقة، وقيادة أوركسترالية متماسكة. لفتني بشكل خاص أن أبطال العرض من الطلبة: ليديا لوتشانو (كلية التربية الموسيقية - جامعة حلوان)، عبد العزيز سليمان (يدرس الغناء بالكلية نفسها)، ويوسف طارق (متخصص في فني الإلقاء والتمثيل).
كان العرض في مجمله رائقًا، ممتعًا، كوميديًا، ومليئًا بالتفاصيل الدقيقة، التي لم تغب واحدة منها عن وعي فريق العمل.