المسؤولون اليمنيون بعيون المواطنين

تدار جل المرافق الحكومية بالمزاجية والعشوائية وبالاجتهادات الشخصية، وهذا الأمر وفر بيئة خصبة لتردي الخدمات العامة وزعزعة علاقتها بالمواطنين.
المسؤول هو الآمر الناهي والأفهم الأعلم البعيد عن المساءلة والنقد!
الإدارات والمكاتب متخمة بالتشريعات لكنها حبيسة الأدراج ملويّة العنق
لا بد من إبعاد الوظيفة العامة عن المحاصصة وإخضاعها لقانون الخدمة المدنية

جزء كبير من المسؤولين اليمنيين صعدوا لكراسي المسؤولية عبر محاصصة حزبية أو مناطقية، أو بدعم لوبيات متنفذة. ولذلك لا يكيلون للدستور أو القوانين واللوائح المنظمة للوظيفة العامة، ولا للمصلحة العامة وخدمة المواطنين أي اهتمام، بقدر مراعاة مصالح الداعم الحزبي أو المناطقي، أو اللوبي المساند فضلا عن تسخير المنصب كمورد رئيس من موارد الثراء.

ينظر أغلبية المسؤولين اليمنيين للمنصب بأنه تشريف شخصي، وأنه استحقه ليس بقوة القانون، بل بجدارته وتميزه عن الآخرين. لذا فهو يحرص على الإدارة، بنفس تسلطي شخصي، إن حققت بعض النجاحات نسبها له، وإن حدث العكس ألصقها بالموظفين. لسان حاله أنه لا يخطئ، وأنه أفضل من الموظفين، والأدرى بالصواب والخطأ، والأفهم والأعلم فيما يصلح ويفسد. وهو الآمر الناهي، البعيد عن المساءلة والنقد، مهمته محصورة ليس في حل الإشكالات واجتراح الحلول، بل في التوقيع على كم كبير من الأوراق، التي تتزين بتوقيعه، ويا ويل من لم تمر ورقته دون أن تحظى بتوقيع المدير الهمام والمسؤول الضرغام. بيروقراطية إدارية وتخمة من الإجراءات والتوقيعات الروتينية، لا طائل منها سوى تسجيل حضور شخصي لمجموعة من الإداريين، كل واحد منهم يجد له خانة ليرسم فيها مجموعة من الخطوط، تشعره أنه رقم صعب في المكتب أو الإدارة ما يلزم المراجع أن يبذل قصارى جهده، لكي يفوز بتلك التوقيعات كجواز مرور للوصول للقائد الأعلى للتوقيعات حضرة المدير العام، الذي من الضروري للمواطن أن يكن ذكيا، حصيفا في اختيار الوقت المناسب لمزاج سعادة المدير، ولينهي مشوار مراجعته بتوقيع المدير العام المبجل وبختمه السامي.

الإجراءات والترتيبات القانونية المتبعة في تنظيم العمل الإداري في المرافق العامة أمر مطلوب. لكن من يديرها في اليمن يديرها بمزاجية وعشوائية، وبأحادية فردية، تتركز كلها في يد المدير، بعيدا عن المؤسساتية وروح الفريق الواحد والعمل الجماعي المشترك، فتغيب روح المبادرة والتنافس المحمود، ويحل محلها الجمود والروتين الممل.

أن تطأ أقدامنا مكتب أو إدارة عامة فنحن مقبلون على معركة علينا أن نكن على أهبة الاستعداد لها، يستقبلنا الحارس متشحا سلاحه، كعقبة أولى علينا تجاوزها بحرفية، يلي ذلك مدير مكتب المدير، عندئذ علينا أن نرفع درجة الجاهزية بحذر شديد، وننتظر دورنا للدخول لصاحب الحل والعقد، والذي مجرد الدخول عليه يعد نصرا كبيرا، وسرعان ما نخضع لاختبار الفحص، ينظر سعادة المدير لنا شزرا محاولا التكهن بالانتماء السياسي، أو دفعنا لأن نطرح بين يديه أوارق القوة كتوصية أو تزكية، أو على الأقل نذكره باتصال تلفوني من شخص مقرب لديه، كل ذلك لنفز بإمضائه بقلمه الشريف.

الإدارات والمكاتب والمؤسسات الحكومية اليمنية متخمة بالتشريعات والقوانين واللوائح المنظمة للعمل، لكنها حبيسة الأدراج، وتخضع للي عنقها من قبل المسؤول الأول فيها، بما يخدم مصالحه ومصالح داعميه، محولا لها لملكية خاصة، يقتصر دوره فيها على بيع الخدمة العامة للمواطن، لا خدمته وتلبية احتياجاته، وتتحول الإدارة العامة من ميسرة لأمور المواطنين لمعرقل لها، وخالق لمشاكل وصعوبات ترهق كاهل المواطنين، وتنغص عليهم حياتهم.

تدار جل المرافق الحكومية بالمزاجية والعشوائية وبالاجتهادات الشخصية، وهذا الأمر وفر بيئة خصبة لتردي الخدمات العامة وزعزعة علاقتها بالمواطنين، وإذا ما أردنا القضاء على الفساد ومحاصرة وجوده، فأيسر السبل لذلك هو إبعاد الوظيفة العامة عن المحاصصة والتقاسم، لا سيما الوظائف الإدارية، وإخضاعها لقانون الخدمة المدنية، والرفع من كفاءة ومهنية القيادات الإدارية العليا وفق مبدأ الإدارة بالأهداف، لا الرغبات والأهواء.