المستقبل إكسير أدب الخيال العلمي

أدب الخيال العلمي يقع دائمًا في نطاق استشراف المستقبل والتطلع نحو أبعاده القادمة.
أديب الخيال العلمي ينسج خيوطا تبدو واهية ودقيقة من الواقع ليرى بها المستقبل
الخيال العلمي، وان كان أدبًا خياليًا، فالخيال فيه ليس خيالًا جامحًا أو حرًا

لا شك أن "أدب الخيال العلمي" يقع دائمًا في نطاق استشراف المستقبل والتطلع نحو أبعاده القادمة، حيث يقدم استشرافه للمستقبل – غالبًا - من ثوب التشاؤم، فهناك دائما الانتظار للأمر المجهول المخيف، والارتقاب لهذا الخطر المحدق العنيف الذي يهدم الحياة والأحياء، وتلك الثيمة تكاد تكون ثابتة وفي تعبير مباشر في كثير من آثار الديستوبيا أو أدب المدن الفاسدة. 
صحيح أنها صيحة تبدو متشائمة لكنها تستمد وقودها من الواقع نفسه، إن أديب الخيال العلمي ينسج خيوطا تبدو واهية ودقيقة من الواقع ليرى بها المستقبل، والواقع المرير يحمل في كيانه بذور الفوضي المتسربلة برداء منجز علمي تم استعماله للشر، يتجه نحو الدمار بلا وعي أو ثمار، فكان بالتالي استشراف المستقبل علي ذات المستوي المرير، وهذا المفهوم الاستشرافي ساهم في صبغ مفهوم الأدب النوعي ذاته، يقول د. عصام بهى: "إن الخيال العلمي، وان كان أدبًا خياليًا، فالخيال فيه ليس خيالًا جامحًا أو حرًا، لأنه يربط نفسه منذ البداية بحقائق علمية معروفة، أو باكتشافات علمية قائمة أو محتملة – بناء أيضًا علي ما هو معروف - ينطلق منها للكشف عن جانب مجهول من الكون أو من الحياة والنفس الإنسانية، محركًا أحداثه ... منطلقًا إلى المستقبل".
ويتحدث الكاتب رفقي بدوي عن استشراف "الآن القريب"، لدي نقده للرواية المهمة والتي ترقي للعالمية قولًا واحدًا، "السيد من حقل السبانخ" للكاتب صبرى موسى، يقول: "إنها رواية مستقبلية، هكذا منحها الكاتب تلك الصفة، وأرى أنها رواية (الآن) حيث إن الوقائع في تحليلها تعطي نتائج المستقبل، طالما أن المقدمات صحيحة، فالنتيجة منطقيًا صحيحة ... حيث نتائج الهندسة الوراثية وعلومها، والفضاء، وصعود الإنسان علي سطح الكواكب، والتفجيرات الذرية في الماضي والآن، يحيل إلي الآن القادم القريب، بسيطرة الإنسان علي الفضاء والإقامة فيه كملاذ بعد انتفاء الحياة علي الأرض الخراب – نتيجة للحرب الإلكترونية المتوقعة - في الآن القريب. 

نحن نقرأ الرواية ونقرأ الآن (الواقع) والآن القريب (المستقبل)، ليست رواية تتحدث عن عالم مجهول أو تطورات علمية مذهلة، بل علم مفرداته وعناصره قد تم تطبيقها، وهو في مسيرته لا نكوص ... يقوم العقل باستشراف الآن القريب، وقد تولد لديه حزن علي مصيرة المحتوم". 
ويمضي الروائي عبدالحميد بشارة خطوة أبعد من ذلك بروايته المعنونة "2076"، بعتبه موازية من قوله: "إن ذلك لا يعني أننا متجهون جميعًا نحو الهاوية، بل يعني أننا بالهاوية بالفعل، ولكننا نؤجل إعلان ذلك". ثم يعقب بمقولة تورتكسي: "قد لا تكون ترغب في الحرب، ولكن الحرب ترغب فيك".
ومعطي التباين بين نوعي الخيال (العلمي / الحر) مرتكز جوهري في المفهوم، يتحدث د. نبيل فاروق في ندوة نوادي علوم المستقبل بالأهرام، عن: "كون أدب الخيال العلمي يجمع قاعدة علمية – أساس علمي - وتخيل لما تؤول إليه الأمور إذا طبقت هذه القاعدة، بطريقة: ماذا لو؟ وهذا الشأن يحتاج إلي ملكة التخيل، والمنجز العلمي يحتاج إلي جناحين، هما القدرة علي التخيل يقوم بها "أديب الخيال العلمي"، والقدرة علي التنفيذ، يقوم بها "العالم".
فالحاضر إذن هو مشكاة القادم علي مستوي التخييل الفني في نصوص إبداعية من الخيال العلمي، يقول باترك بارندر: "إن معرفة الحاضر معرفة تامة تعني معرفة المستقبل طالما أن أحدهم يتبع الآخر لا محالة، ولذلك فإن المتنبئين الاجتماعيين ينبهون قراءهم إلي الحاضر بإنذارهم بما يؤدي إلي الحاضر بالضرورة".