المسيرة النضالية لحزب "الحمير" العراقي!

كل شيء وارد في عراق اليوم.

ظن العراقيون ومعهم الاميركيون ــ خطأ ــ انه بمجرد الاطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق وتصفية مؤسساته القمعية من جيش وشرطة واستخبارات واقامة حكومة اخرى مكانه ذات الصبغة الديمقراطية سيصبح العراق مرتعا للحريات وبلدا ديمقراطيا يضاهي الدول الغربية في رقيها وتطورها، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل شطحوا في افكارهم ابعد من ذلك اذ تصوروا انه بمجرد نجاح التجربة ستسقط الانظمة في المنطقة من تلقاء نفسها واحدة تلو الاخرى ويتحقق الحلم الكبير في اقامة مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الاميركي.

وللوصول الى هذه النتيجة وتحقيق احلامهم الوردية التي راودتهم اتجهوا بنهم شديد وحماس منقطع النظير الى تشكيل المؤسسات الديمقراطية من برلمان وحكومة ودستور، وخلال مدة قصيرة انتشرت المظاهر الديمقراطية في العراق وتحول بقدرة قادر من بلد دكتاتوري شرس يقتل الناس ويتعدى على جيرانه ويغزوهم في عقر دارهم! الى بلد ديمقراطي وديع يخضع للقوانين الدولية ويراعي حقوق الانسان ويتقي الله في عباده! وتصور العراقيون لوهلة ان الديمقراطية بضاعة كأي بضاعة اخرى يمكن جلبها من الخارج ولا تحتاج الى دراسة وتخطيط وخبرة وتجارب طويلة ولا الى وعي ثقافي اجتماعي عالي المستوى ولا الى فترة زمنية كافية لانضاجها كما يجب، بل ذهبوا اكثر من ذلك وظنوا ان العراق اصبح انموذجا متكاملا للديمقراطية في المنطقة يجب ان يحتذى به.

ومن اجل تكملة الصورة، فتحوا ابواب التسجيل على مصاريعها امام العراقيين لتشكيل احزاب وحركات تمهيدا للمشاركة في الانتخابات القادمة، التشريعية والمحافظات، فاندفعت جموع غفيرة منهم على مكاتب التسجيل وشكلوا احزابا سياسيا من كل نوع ولون، وعلى مختلف الاطياف والمشارب والمستويات؛ من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، من العلمانيين والاسلاميين والقوميين، احزاب تشكلت من العشائر والبدو الرحل واخرى من الكسبة والمثقفين والعاطلين عن العمل، ومنهم من ترك عمله الكاسد فشكل حزبا سياسيا عتيدا وراح يشق طريقه بين الاحزاب "المتلاطمة" ليأخذ حصته من الكعكة العراقية! بحسب قولة النائبة الطائفية حنان الفتلاوي، ولم يعد العمل الحزبي حكرا على فئة دون فئة بل انتشر بين الناس كالنار في الهشيم وراجت سوقه واصبح يدر على اصحابه اموالا طائلة، ولم يمض كثير وقت حتى امتلأت الساحة العراقية بعدد لا يحصى من الاحزاب والحركات السياسية والمكاتب الميليشياوية التي انتشرت بطول البلاد وعرضها، علما ان تشكيل حزب سياسي لايحتاج الى شروط تعجيزية قاسية، فأي واحد يستطيع ان يجمع 500 توقيع من الاقرباء والاصدقاء (ولو تزويرا) يجيز له تشكيل حزب سياسي!

وطبعا جمع هذا العدد من التواقيع في ظل الاوضاع الراهنة في العراق التي لا تسر العدو ولا الصديق، حيث تفشي الرشاوى والبطالة والمحسوبيات والفساد الاداري واستمرار التناحرات الطائفية والمناطقية، يعتبر سهلا وبسيطا جدا، ولا يحتاج الى كثير عناء، ما على الملتمس بانشاء حزب سوى ان يبدي ولاءه الاعمى وطاعته المطلقة لحزب كبير من احزاب السلطة ويدخل في كنفها، ويستحصل موافقتها اولا قبل موافقة الوزارة المعنية، ليسمح له بالدخول الى نادي الاحزاب "المرفهة"!

هذه الخطوة مهمة وضرورية من شأنها ان تفتح بوجهه كل الابواب المقفلة وتقلص له المسافات للوصول الى مبتغاه. وبحسب النائب في البرلمان العراقي عباس البياتي بلغ عدد الأحزاب والتشكيلات والحركات السياسية الى 280 حزبًا في حين لا يتعدى الاحزاب الموجودة في تركيا المجاورة الى 100 حزب فقط رغم الفارق العددي للسكان.

هذا العدد الهائل مسجل رسميا، ما عدا الاحزاب والحركات التي لم تسجل لدى المفوضية العليا للانتخابات كحزب "الحمير الكردستاني" مثلا الذي "يصل عدد أعضائه إلى حوالى 10 آلاف عضو!" حسب ادعاء مؤسسه عمر كلول والذي اشتكى تعسف حكومة اقليم كردستان بحق حزبه الذي لا يتلقى اي دعم مادي له اسوة بباقي الاحزاب الاخرى!

ربما بسبب الضائقة المالية، عزف هذا الحزب عن المشاركة في العملية الديمقراطية في البلد مع انه استحصل الاجازة الحزبية حسب الاصول من حكومة اقليم كردستان منذ عام 2005 ويتمتع بمواقف مشرفة في الدفاع عن حقوق الحمير المهضومة من قبل الانسان ويمتلك تاريخا نضاليا "حميريا" يمتد الى الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث كانت الانظمة الدكتاتورية في اوج قوتها وعنفوانها!

ومن المؤكد والاكيد لو قيض له الدخول في العملية السياسية بكامل ثقله "الجماهيري"، لتفوق على الكثير من الاحزاب السياسية الاخرى ولاكتسح اكثرية المقاعد التمثيلية في البرلمان ولأدار شؤون العراق بطريقة افضل بكثير من الطريقة التي تدار فيها حاليا!