المشهد التشكيلي السعودي يحتاج الى إدارة صارمة وجادة

حسين حبيل يرى أن الحراك النقدي المتخصص في الفن التشكيلي يكاد يكون معدوما على الرغم من دوره الأصيل في تنمية وتطوير التجارب الفنية.
نحتاج إلى الإداري التشكيلي الذي يفهم الوسط بحكم معايشته له
الواقع الحياتي اليومي للإنسان السعودي أصبح بعيدا عن الموروث
نحتاج إلى أن تشيع ظاهرة إقامة المعارض والدعوات لزيارتها

تضيء لوحات الفنان التشكيلي السعودي حسين حبيل بثراء روح الطبيعة التي تحفل المملكة العربية السعودية عامة والمنطقة الشرقية منها خاصة، حيث تعانق أمواج البحر وهج الشمس، ومفردات الإرث التاريخي مع حداثة الواقع الآني، وانفعالات الذات في معركتها مع تجليات الحياة، ليلقي كل ذلك بظلاله على رؤى وخطوط وألوان الفنان على البشر والبيوت، وتنفتح أطر اللوحات على عوالم وحيوات هذه الطبيعة بصفاء وشفافية.
قدم حبيل معرضين شخصيين "ذوبان النور" 2013، و"ذاكرة الروح" 2016، معرض ثنائي مع الفنان قصي العوامي "سادن الليل" 2017، وشارك في الكثير من المعارض المحلية في المنطقة منها مهرجان الجنادرية، ومعرض السفير، ومهرجان أرمكو، ومعرض فناني وفنانات المنطقة الشرقية، ومهرجان جدة غير، ومعرض السعودي، ودوليا شارك في معرض "سمبزيوم اليمن الدولي"، ومعرض المنتدى العربي الجماعي، معرض العربية المقام في جميع شوارع المملكة، والايام السعودية الثقافية بجاكرتا إندونسيا.
حول مسارات تجربة حبيل وما أحاط بها من تفاصيل كان لنا هذا الحوار. 
يقول حبيل عن بداياته وأهم النقلات الفنية لتجربته "البداية كانت من المدرسة وحصة التربية الفنية التي كانت بمثابة متنفسا؛ كنت مدركا لوجود موهبة الرسم لدي، لذا ما أن تمكنت من صقلها والانطلاق حتى قبضت على مفاتيح الفن. قررت أن أبدأ بشكل جدي في تنمية هذه الموهبة، واجهتني الكثير من الصعوبات في البداية بحكم شح المعلومة والمصدر وعدم وجود أماكن متخصصة للتعلم، فكان السبيل هو عن طريق الإنترنت والبحث عن كل ما يخص التشكيل من كتب ومتابعة المعارض المحلية.  

فنان تشكيلي سعودي
كنت مدركا لوجود موهبة الرسم لدي

وتمثلت البوابة الأولى في نادي الفنون بالقطيف الذي ترأست مجلس إدارته لاحقا لأربع سنوات، هنا تعرفت عن قرب إلى الفن والفنانين، لأنطلق في الرسم الواقعي وتعلم أصول التشريح والواقعية والظلال والنور، بعدها توسعت مع اللون باحثا عن هوية في اللون والتكوين والإيقاع مجربا تارة وراضيا تارة، وتارة أخرى ممتعضا لأخرج بالمعرض الأول "ذوبان النور" 2013، الذي كان حجر الاساس لتجربتي لكنه واجه حربا ضروس من جانب البعض، فكان أمامي خياران؛ الأول التوقف والجلوس في المنزل، والثاني المواجهة والاستمرار، فاخترت الخيار الثاني، وهو لم يكن خيارا بقدر ما كان إيمانا عميقا بما أحمل من موهبة وشغف بالفن، وعكفت على تجربتي الثانية التي ولد منها معرض ذاكرة الروح 2016 الذي أكد على التجربة الاولى فاستطاع أن يحظى باحتفاء كبير من النقاد والفنانين ليكمم من شككوا في التجربة.  
وأكد حبيل على إيمانه بأن العمل الفني الأصيل قادر على توصيل دلالاته وجمالياته التي لا يجب على الفنان أن يشرحها أو يفصح عنها، فشرحه ينتقص منه بل يقتله، بل إنني لا أضع اسما له، وما أستطيع البوح به أن أعمالي مستوحاة من ذاكرتي وما تحمل من مخزون ثقافي وفكري وجمالي ومن لحظات الفرح والحزن الخاصة بي، ومن فرادة المكان الدي نشأت فيه، لذا أترك العمل للمتلقي ليصل إلى ما يشاء من إشارات ورسائل.
وحول تأثره بمدرسة فنية، أضاف حبيل "أنا عاشق للتجريد ولم أجد مساحة كالتجريد كي ألقي بحملي عليها، فالتجريد يشكل السهل الممتنع الذي يحررك من القيود ويفتح لك آفاق الرؤية ويمنح العمق، ولكن دون افتعال أو تعقيد مضن للمتلقي. فالتجريد أعمق مما هو عليه وأصعب بمراحل، وطبيعة المتلقي أنه يرتاح لما يعرف ويكون واضحا، وهنا تكمن الصعوبة بإقناعه بما هو ليس في متناول فهمه بيسر.
ورأى حبيل أن اختيار اللون داخل العمل هو ترجمة لانفعال اللحظة من الحزن والفرح، فمزاجية اللحظة تترجم داخل العمل باللون وطريقة التعامل معه، وهو أيضا تراكمات من التأمل والخبرة، كلما تعمقت العلاقة مع اللون أكثر باح بأسراره. أما الوجوه فأكثر ما يجذبني فيها العين التي أرى أنها نافذة على الروح، أعشق العين وبريقها وبراءتها، حيث تستطيع من خلالها أن تقرأ جوانية الإنسان. وفيما يتعلق بالتكوينات في الطبيعة فهي برأيي أساس الفن فالرسام لا يخلق شيئا جديدا بل يعيد تدوير الأشياء وصياغتها وفقا لرؤيته، والطبيعة هي المدرسة الأم لمن يريد التأمل وهي المصدر الأول للثراء البصري.
وأشار حبيل إلى أن الواقع الحياتي اليومي للإنسان السعودي أصبح بعيدا عن الموروث، أصبح من الماضي الذي عايشت بعض أواخره ويحضرني بشكل ضبابي. قد نجد ما بقي من الموروث على شكل فلكلور في المهرجانات التراثية في الوقت الحاضر. وبشكل عام نفتقر إلى التوثيق الجاد لهذا الموروث فأكثره أصبح ادعاءً وتزييفا في تجارب ومحاولات سيئة مدرسية بل البعض شوّه جماله بتجارب لا ترتقي أن تكون فنا. إننا نحتاج إلى احترام  هذا الموروث الفريد وأن نخلص في توثيقه. لكن هنا لا بد من الإشادة بعمل الفنان منير حجي والفنان علي الصفار في معالجتهما للموروث. وعن تجربتي تميل إلى المكان والحداثة أكثر من التراث والموروث.
وعن أبرز الملامح والخصوصيات التي يتميز بها المشهد التشكيلي السعودي قال حبيل "ما أراه واستشعره أن من ملامح المشهد السعودي كثرة عدد من يرتدي سترة الفن ولكن من يستحقها أقل عددا ممن يرتديها، كما أخذ منها العمل المفاهيمي منحنى خطيرا حيث إنه أعطى رخصة لمن يستحق ومن لا يستحق أن يكون فنانا، وأضيف على ذلك الاستخدام الخاطئ للرسم الرقمي وإقحامه بشكل خاطئ في العمل التشكيلي.

ويتميز العدد الذي يستحق ارتداء سترة الفن بتنوع الأسلوب والبصمة بعكس بعض الدول نجد تشابها كبيرا في الأساليب، وقد أرجح السبب وراء ذلك لعدم وجود أكاديمية فنية لتدريس الفن التشكيلي، لأن التعليم والبحث الذاتيين لا يرقيان إلى التعليم الأكاديمي الذي يرتكز على أصول منهجية مهمة للفنان، وإن كان بالطبع يسهمان في فتح الآفاق على التجليات الحداثية للفن التشكيلي العربي والعالمي.
ولفت حبيل إلى أن حضور الفن التشكيلي بين جمهور المتلقين في السعودية حضور متواضع، وقال "بحكم المساحة الجغرافية للمملكة الموزعة بين الرياض والشرقية وجدة وقلة عدد المهتمين بالفن التشكيلي إعلاميا ونقديا وقلة دور العرض والصالات وطغيان القاعات الربحية، أدى ذلك إلى ضعف المتلقين وضعف ثقافة تلقي اللوحة بل ضعف أهمية وضرورة الفن التشكيلي عامة. 
وأكد أن المشهد التشكيلي السعودي يحتاج الى إدارة صارمة وجادة للنهوض به بعيدا عن المجاملات، وبعيدا عن الدخلاء على التشكيل المشوهين له. هنالك تشكيلي وهنالك إداري تشكيلي، نحن نحتاج إلى الإداري التشكيلي الذي يفهم الوسط بحكم معايشته له، كما نحتاج إلى أن تشيع ظاهرة إقامة المعارض والدعوات لزيارتها لتكوين جيل واع بأهمية ودور الفن التشكيلي في الرقي بالذائقة الجمالية للمواطن.
ورأى حبيل أن الحراك النقدي المتخصص في الفن التشكيلي يكاد يكون معدوما على الرغم من دوره الأصيل في تنمية وتطوير التجارب الفنية بعيدا عن المجاملات، هنالك من يكتب فقط لملء فراغ الصفحات، مقالات انطباعية تخلو من أسس النقد السليم، وهناك من يكتب انطلاقا من أسس وفهم واضح، ومن أهم الاسماء التي تحضرني وشخصيا أحترم قلمه الناقد يوسف شغري.