المشهد العربي اليوم

ها هي الولايات المتحدة تعيد تقديم نموذج متشدد تحت مسمى الخروج من مستنقع أفغانستان.
الكل يتساءل اليوم عن هدف الولايات المتحدة من هذا كله. هل هو حب بالمسلمين؟
التاريخ مليء بالأحداث التي تبرهن على أن التيارين السني والشيعي لا يمكن أن يتعايشا بسلام
الاسلام هو الحل يعني انضواء العرب السنة تحت راية تركيا والعرب الشيعة تحت راية ايران

لا يمكن عزل الوطن العربي عما يجري حوله، فقد حدثت جملة من الأحداث أوضحت الصورة الكبرى، فنحن اليوم نتعامل مع مشروع الحزب الديمقراطي الأميركي، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي توقف تحت رئاسة دونالد ترامب، وها هو اليوم يستأنف تحت رئاسة جو بادين الذي كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما الذي بدأ بالمشروع. وعندما نربط ما يجري من الأحداث بالقرار الرئاسي الذي اتخذته إدارة أوباما وزياراته للدول الاسلامية وإشادته بالإسلام والمسلمين، ورغبته في مد جسور التفاهم مع العالم الاسمي، وظهور التيارات الاسلامية وفوزها في الانتخابات التي تلت الربيع العربي، ندرك أن مشروع أوباما يستأنف اليوم. فها هي طالبان تستلم الحكم في أفغانستان برغبة أميركية، وها هي قطر ملتزمة تجنيس الآلاف منهم وأقصت آل مرة لأنهم مصدر تهديد لها في توجههم العروبي.

لقد بدا واضحا من حرب "سيف القدس" التي شنتها غزة على إسرائيل أن الفلسطينيين يستطيعون هزيمة إسرائيل من خلال المقاومة الشعبية، ولكن بعض الفلسطينيين لا يرغبون في ذلك، تجنبا لحرب أهلية بين الفلسطينيين أشد ضراوة من حربهم مع إسرائيل، صراعا على السلطة بين الاسلاميين والمعتدلين. فمشروع أسلمة أنظمة الحكم العربية ماض بقوة، واذا تحررت فلسطين، فسوف يتكون حليف فلسطيني لايران، وهو التوجه العام بين الإخوان المسلمين والخمينيين. وهذا يعني مزيدا من الانتصارات لايران، فيما يحاول العرب الحد من هيمنتها. وهذا ما دفع بالرئيس التونسي الى اتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي لحزب النهضة، لأنه فشل في إدارة الدولة بالإضافة الى أنه يحاول مد الجسور مع تركيا وايران.

إن التوجه الاسلامي العربي نحو تركيا وايران ليس بالأمر السيء، فالاتحاد قوة بصرف النظر عن الصبغة التي يتحدون تحتها، ولكن التاريخ مليء بالأحداث التي تبرهن على أن التيار السني والشيعي لا يمكن أن يتعايشا بسلام، فهما مختلفان في النهج حتى وإن كانوا يؤمنون بالقرآن، وأية حادثة يمكن أن تشغل حربا طائفية.

إن العرب جميعا ساخطون على أنظمة الحكم القائمة لأنها تفرقهم وهم يحلمون بالوحدة العربية والقوة والتطور والرفعة وتبوؤ مكانة جيدة بين دول العالم، ولكن البديل للأنظمة العربية هو التيارات الاسلامية، وهي تنذر بخطر يفوق سوء الحال الراهن، والقول بأن الاسلام هو الحل يعني إعادة التاريخ وانضواء العرب السنة تحت راية تركيا والعرب الشيعة تحت راية ايران، ولكن الأحزاب والميليشيات الاسلامية تصر على ذلك على الرغم من خطورة الانقسام الطائفي.

إن التعتيم الاعلامي وعدم الوضوح فيما تبثه القنوات العربية الرسمية يجعل المتابع ضائعا ولا يعرف الحقيقة، وقد ملأت التحليلات التي تقول بنصر طالبان على أميركا في أفغانستان فضاء الاعلام العربي، مع أنها لم تنتصر، بل أن أميركا سلمتها الحكم، ولا تعجزها طالبان، ولو شاءت لقصفتهم كما فعلت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهزمتهم في يومين، لكنها اليوم سيَّدتهم استكمالا لمشروعها، وأوعزت الى قطر بتجنيس الأفغان، ثم قامت قطر بإقصاء مصدر التهديد للمشروع الأميركي وهو قبيلة آل مرة، لتسهيل هذه العملية وتنفيذ المشروع الأميركي.

الكل يتساءلون اليوم عن هدف الولايات المتحدة من هذا كله، هل هو حب بالمسلمين؟ وأين هو هذا الحب من فلسطين وصراعها مع إسرائيل؟ إن الأمر لا يتعلق بالحب والكراهية، بل يتمحور حول إرساء دعائم حكم يضمن انشغال المسلمين ببعض وكراهية طائفية تحول دون التفكير بإسرائيل ونسيان القضية الفلسطينية وإنشاء أنظمة صديقة لها. من جانب آخر، فإن زرع أنظمة حكم إسلامية حليفة لأميركا يساعدها في حربها ضد روسيا لأن أفغانستان نجحت من قبل في إخراج الاتحاد السوفيتي منها، ولديها ميليشيات تقاتل بضراوة ضد "الكفار".

ومع ذلك، فثمة هدف آخر ربما يكون هو الأرجح، وهو ترك العرب يعيشون في ثقافة الغزو وتقطيع الأطراف وسبي النساء وهذا أكبر إنجاز يضمن عدم نهضة العرب الى أبد الدهر، فمن خلال مبادئ الحكم الاسلامي القائمة على طاعة ولي الأمر واعتبار المرأة ملكية خاصة للرجل يجوز سبيها وأن تكون ملك اليمين وولاية أمرها، سيبقى العرب يعيشون في ظلام دامس.