المشيشي يتحدى النهضة باختيار تشكيل حكومة كفاءات مستقلة
تونس - أعلن رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي مساء اليوم الاثنين عن اتخاذه قرارا بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب تساهم في تحقيق انجاز اقتصادي واجتماعي تماشيا مع مطالب التونسيين، في خطوة مغايرة لما طالبت به حركة النضهة الإسلامية التي تسيطر على البرلمان وفشلت في خلال كل الحكومات المتعاقبة التي شاركت فيها على مر السنوات الماضية في إصلاحات ضرورية تحتاجها البلاد.
وقال المشيشي الذي كلفه الرئيس التونسي قيس يعيد منذ أسابيع بتشكيل حكومة جديدة خلفا لإلياس الفخفاخ المستقيل، إنه سيشكل حكومة كفاءات دون مشاركة أحزاب سياسية نظرا لوجود خلاف كبير بين الفرقاء السياسيين ما لا يترك المجال لتشكيل حكومة سياسية.
وأضاف المشيشي وهو محام وشخصية مستقلة عن الأحزاب السياسية في البلاد "أدركنا خلال مسار المشاورات التي جمعتنا بالأحزاب مدى الاختلاف والتناقض بين الفرقاء السياسيين ورأينا أنه من الواجب تكوين حكومة كفاءات مستقلة تماما"، مشيرا إلى أن "البلاد تعيش أزمة والشعب لم تعد له ثقة في النخب السياسية لتنفيذ الحلول الاستعجالية والاستجابة إلى استحقاقته".
وأوضح أن "حكومة كفاءات تتوفر في أعضائها شروط النجاعة والجاهزية والنزاهة ستكون قادرة على العمل في تناغم لتحقيق أهدافها".
ويأتي إعلان المشيشي لطبيعة حكومته المقبلة بعد ساعات من مطالبة حركة النهضة الإسلامية أن تكون الحكومة التي سيشكلها رئيس الوزراء المكلف حكومة كفاءات سياسية مستقلة، وهي الخطوة التي أعتبرت بمثابة التحدي لإرادة أغلبية التونسيين الذين ضاقوا ذرعا بالأحزاب والسياسيين في البلاد بعد سنوات من التجاذب وتغليب مصالحهم على المصلحة الوطنية.
وقال رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني، خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم الاثنين في مقر الحركة بمونبلزير في العاصمة تونس، إن "النهضة تدافع عن تشكيل حكومة حزبية"، معللا ذلك بأن "التونسيين هم من انتخبوا وكونوا أحزابا وهم من سيحاسبون هذه الأحزاب إذا أخطأت".
وأضاف "لابد من الاتعاظ من تجربة فشل الحكومة الأولى والثانية بأن الوضع لم يكن طبيعيا"، مشددا على ضرورة "احترام نتائج الانتخابات وضمان نظام سياسي واسع وأغلبية مريحة قادرة على تمرير الإصلاحات الكبرى".
وأوضح الهاروني أن النهضة "لا تتوقع رفض المشيشي، تشكيل حكومة حزبية سياسية”.
يذكر أن النهضة زكت الحكومة السابقة بقيادة إلياس الفخفاخ قبل أن يقدم الأخير استقالته بعد عملية ابتزاز ضده بملفات تتعلق بشبهات فساد خلال الأشهر التي كانت تتصدى فيها تونس لانتشار فيروس كورونا.
واضطر الفخفاخ لتقديم استقالته إلى الرئيس قيس سعيد الذي كلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة في مدة أقصاها شهر قبل عرضها على البرلمان لنيل الثقة.
وكان قيس سعيد تعرض لحملة شرسة من قواعد حركة النهضة ومن حليفها في البرلمان ائتلاف الكرمة عقب تجاهل الرئيس لمرشحي الأحزاب واختيار شخصية مستقلة، حيث اتهم الرئيس بالتنكر للديمقراطية وللأحزاب الممثلة في البرلمان.
لكن قرار سعيد اختيار شخصية من خارج مرشحي الأحزاب هو رسالة من الرئيس بأن الأزمة التي تعيشها البلاد هي في النهاية نتاج للصراعات الحزبية التي انعكست سلبا على أداء البرلمان الذي لم يعد يحظى بدوره بثقة الشعب.
وفي حال رفضت النهضة التصويت على حكومة المشيشي التي تعد الحكومة الثالثة في ظرف عام واحد، من المتوقع أن يتجه سعيد إلى حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة تخشاها النهضة خاصة وبعض الأحزاب الأخرى المتحالفة معها والتي لا تريد خسارة مقاعدها في برلمان مشتت أصبح أغلب التونسيين يعتبرونه عبئا على البلاد ومؤسساتها.
وفي محاولة للتقرب من المشيشي وعدم الدخول معه ومع الرئيس قيس سعيد في صراعات ستكون تداعياتها وخيمة على الحركة اضطرت قيادات النهضة لقبول الأمر الواقع والترحيب بتكلبف المشيشي على مضض.
وقالت النهضة اليوم الإثنين إنها "لا تتوقع رفض رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي، تشكيل حكومة حزبية سياسية".
وردا على دعوات إقصاء الحركة الإسلامية من الحكومة المقبلة، قال الهاروني إنه "لا يمكن لأحزاب أقلية أن تحدد مصير الحكم".
وتواجه النهضة حاليا أصعب فتراتها منذ تأسيسها حيث ترفض أغلب الأحزاب في البلاد مشاركتها في الحكم بعد فشلها في حكم البلاد من خلال حكومات متتالية منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي إثر ثورة 14 يناير 2011.
كما تواجه رفضا شعبيا يتزايد مع معاناة البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية لم تنجح الحركة الإسلامية في ايجاد حلول لها على عكس ما وعدت به ناخبيها على مر سنوات مشاركتها في الحكومات المتعاقبة بل حتى ان التونسيون يتهمونها باغتنام الفرصة للتحالف مع أحزاب تحوم حولها شبهات فساد سعيا منها للحفاظ على سيطرتها على الحكم.
ويطالب أغلب التونسيين بحكومة كفاءات مستقلة وتكنوقراط تخرج بالبلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت مع انعكاسات انتشار فيروس كورونا المستجد وتزايد تردي الوضع المعيشي للمواطن مع زيادات متواصلة في معدلات أسعار السلع والخدمات والبطالة والفقر.
وتوسعت رقعة الإضرابات العمالية في تونس بعد أزمة كورونا الخطيرة على الاقتصاد، حيث تعطل نصف إنتاج البلاد من النفط ودخل محتجون في محافظات الجنوب (تطاوين) في اعتصامات مفتوحة وإضراب عام منذ أسابيع ما تسبب في حدوث شلل تام للمؤسسات النفطية، وتوقف الإنتاج في 4 شركات بترولية كبرى توفر نحو 45 بالمئة من إنتاج تونس من الغاز والنفط علاوة عن توقف انتاج الفسفاط.
وتتوجس النهضة من خسارة خزانها الانتخابي وبالتالي خسارة سيطرتها على مؤسسات الدولة التي اشتغلت عليها بعناية خلال السنوات الماضية، خصوصا أن أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى أن الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي قادر على اكتساح اية انتخابات مقبلة.
وتبدو المعركة البرلمانية كما هو الحال مع المعركة على المستوى الحكومي صعبة على التيار الإخواني والديني حيث عبرت أحزاب وسطية وقومية على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب عن رفضها الدخول في حكومة بمشاركة النهضة بعد أن قبلت سابقا الدخول في حكومة توافقية مع الإسلاميين بقيادة الياس الفخفاخ.