المصالحة في القصر والتآمر في الملفات المغلقة

من حق الأردنيين "الشفافية الكاملة" الموعودة على لسان الحكومة في التعامل مع نتائج التحقيقات بشأن المخطط الذي كان سيهز بلدهم والعلاقات المفترضة بين حوالي 16 معتقلا منهم مسؤولون وشخصيات قريبة من الأمير حمزة.
ما الذي يجمع بين رجلين على طرفي نقيض: الأمير حمزة وباسم عوض الله
"إسرائيلي سابق" صديق للأمير حمزة وضعته الحكومة برتبة عميل للموساد
التكتم الحكومي أذكى التكهنات بدور سعودي محتمل في المؤامرة المفترضة

عمان - سوف يُطوى ملف الخلاف داخل العائلة الهاشمية بعد ان وقع الأمير حمزة على رسالة ولاء للملك عبدالله الثاني، لكن لا يزال من حق الأردنيين رفع الغموض عن ملابسات "المخطط التآمري" الذي كان سيهز أمن البلد واستقراره، و"الجهات الخارجية" التي تقف خلفه وطبيعة العلاقات بين المتهمين.
قبل "المصالحة العائلية" التي أنجزها الأمير الحسن بن طلال عم الملك، قالت الحكومة ان المتهمين الـ16 اعتقلوا بناء على ما وصفته بالمتابعة الشمولية الحثيثة على مدى فترة طويلة من قبل الجيش وجهازي المخابرات والأمن العام.
اكثر ما تحتاجه السلطات الآن هو الكشف عن أبعاد العلاقة بين رجلين طال ما كانا على طرفي نقيض، وهما الشخصيتان الرئيسيتان في المخطط المفترض: الأمير حمزة ولي العهد السابق وباسم عوض الله الشخصية المقربة لفترة طويلة من الملك عبدالله الثاني.
هل يمكن لأجهزة الحكم اثبات وجود صلات بين الأمير القريب من أوساط الحركة الاحتجاجية والذي يتمتع حتى الان بشعبية واسعة، وعوض الله "المكروه" والمتهم شعبيا ببيع المؤسسات العامة وإضعاف الاقتصاد.
يرتبط اسم عوض الله بمشاريع الخصخصة التي أدت الى تخلي الدولة عن المرافق الأساسية للبلد وتراجع الدور الاجتماعي للحكومة وذلك في بدايات عهد الملك عبدالله الثاني الذي تولى الحكم في 1999.
قادت "إصلاحات" عوض الله الى حالة من الاستياء العام وأدت الى تآكل دخول  الاردنيين الذين تعودوا على الرعاية الحكومية "الأبوية" أيام الملك الراحل الحسين بن طلال، وذلك بعد أن أمسك عوض الله بملف الخصخصة وتمسك به على مدى ثماني سنوات بدأت حين عُيّن مديرا للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، وسرعان ما تولى وزارة التخطيط فالمالية ثم رئيسا للديوان حتى أواخر 2008.

حصيلة هذه السنوات وما تلاها كانت قبل يومين موضع انتقادات حادة من الأمير حمزة الذي أعفي من ولاية العهد في 2004 حين كان عوض الله في أوج نفوذه.
 في مقطع الفيديو الذي روى فيه تعليمات الإقامة الجبرية على لسان رئيس هيئة الاركان المشتركة وبحضوره الشخصي، قال الأمير حمزة "لستُ المسؤول عن الفساد وانهيار الحوكمة وغياب الكفاءة التي تسود هياكل الحكم منذ خمسة عشر الى عشرين عاما، وتزداد سوءا كل عام".
ثمة حالة من التعاطف مع الأمير حمزة باعتباره تحدث بما يتحدث به الناس حول الفساد وتراجع الاقتصاد مع الجمود السياسي والقيود المفروضة على الحريات العامة. وملأت صوره السوشيال ميديا الأردني وانتشرت على بروفايلات المستخدمين خصوصا ما يجمعه منها بوالده الراحل الملك حسين.
يجد الأردنيون أوجه شبه متعددة بين الأمير حمزة ووالده الذي أوصى له بولاية العهد قبيل وفاته، وأبرزها قربه من الناس وخصوصا العشائر في المناسبات الاجتماعية وتوجهاته والكاريزما التي تذكرهم بملامح الملك حسين.
الى جانب الخصخصة ورفع يد الدولة عن المؤسسات العامة عبر عقود وامتيازات ضخمة شكك العديد من المحللين في شفافيتها ونزاهتها ولا تزال تثير حنق الناس وتساؤلاتهم، وضع الرئيس السابق للديوان الملكي نفسه خصما للعشائر التي تمثل إحدى الركائز الرئيسية الداعمة لمنظومة الحكم الهاشمي منذ تأسيس الدولة قبل مئة عام.
ربما كان الارتياح سيكون أكثر لدى الرأي العام لو اعتقل عوض الله في ظروف مختلفة وباتهامات مرتبطة خصوصا بالفساد وليس "لأسباب أمنية"، فاجأت معظم الأردنيين بسبب اتصالها مباشرة بالأمير الذي يوجه منذ سنوات انتقادات علنية لاذعة للأداء في أجهزة الحكم.  
وفي حين لم توضح الحكومة بأي شكل من الاشكال أبعاد العلاقة المفترضة بين الأمير حمزة وعوض الله الذي ظل حتى عهد قريب موفدا شخصيا للملك الى السعودية، بقيت جوانب أخرى مهمة من "المخطط التآمري" محجوبة ايضا عن الناس.
هل أرادت الحكومة اتهام الموساد عندما أعلنت ضلوع جهات استخبارية في الخارج؟ نعم. 
نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية قال ان وكالة مخابرات أجنبية اتصلت بزوجة الأمير حمزة لترتيب طائرة "للزوجين" لمغادرة الأردن. بعد ذلك، مررت أجهزة الحكم الى وسائل الإعلام المحلية خبرا منقولا عن "المصدر الرسمي المطلع" الذي كشف عن هوية "عميل" المخابرات الاسرائيلية المتورط في المؤامرة. ثم ذكر مسؤول كبير سابق بمرتبة نائب رئيس وزراء وقريب من السلطات الأردنية صراحة ان الدولة المقصودة هي إسرائيل.
روي شابوشنيك رجل الأعمال المقيم في أوروبا ويصف نفسه بأنه "إسرائيلي سابق"، نفى في بيان صادر عنه أي ارتباط له بالموساد. وقال انه عرض على زوجة الأمير حمزة وأبنائه، وليس الأمير، طائرة خاصة لاستضافتهم حيث يقيم من منطلق الصداقة الشخصية مع الأمير و"العلاقة العائلية القوية". 

"إصلاحات" عوض الله تثير الحنق الشعبي وشبهات الفساد منذ سنوات
"إصلاحات" عوض الله تثير الحنق الشعبي وشبهات الفساد منذ سنوات

هنا يبدو أن أجهزة الحكم توقعت ان يمرّ على الرأي العام اتهام اسرائيل بالمخطط التآمري بسبب التوتر القائم منذ سنوات والمتصاعد الان بين الملك ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في قضايا تمس بالفعل استقرار المملكة وعلى رأسها القدس وعملية السلام. 
تكتم الحكومة وحديثها المبهم عن الجهات الخارجية المتورطة، فتح الباب أمام تكهنات بدور سعودي محتمل. وكل المعطيات الظاهرة الأخرى تؤيد ذلك.
بالاضافة الى عوض الله المقرب من الديوان الملكي السعودي، اعتقلت قوات الأمن الشريف حسن بن زيد الذي لا يُعرف عنه الكثير سوى انه كان مبعوثا للملك عبدالله الثاني الى الرياض ويحمل الجنسيتين الأردنية والسعودية.
قبل ان يرسل الملك سلمان وزير خارجيته الى عَمّان للتأكيد من جديد على وقوفه الى جانب الاردن في "مواجهة جميع التحديات"، ربما كانت السعودية الدولة الاولى التي اعلنت تضامنها وتأييدها للتدابير التي اتخذها العاهل الاردني فور الكشف عن "المؤامرة". 
وفي هذا تركت الحكومة للأردنيين أن يتخيلوا وجود ضغوط سعودية أو خليجية على المملكة بسبب توجهاتها في الملفات الإقليمية الرئيسية خصوصا القضية الفلسطينية ومآلات التطبيع مع اسرائيل.
الحكومة اتهمت ايضا "المعارضة الخارجية" بالتورط في المؤامرة. وفي الواقع لا توجد ما تسمى معارضة خارجية بالمعنى الحقيقي، وإنما نشطاء وصحافيون معارضون مقيمون في عدة دول ويساندون الحركة الاحتجاجية ومنهم من يؤيد الأمير حمزة.
بعد كل هذا، حظرت السلطات القضائية النشر في قضية التآمر لكن الحكومة لا تزال مطالَبة أمام الاردنيين وايضا أمام حلفائها العرب والأجانب بالكشف عن نتائج التحقيقات التي وعدت بالتعامل معها "بكل شفافية ووضوح".