المعارضة التركية تقاوم تأجيل الانتخابات وتمديد عمر النظام

المعارضة في تركيا تستبق قرارا محتملا بتأجيل الانتخابات بتحذيرات من انقلاب مدني على الدستور، فيما تحاول استثمار الغضب الشعبي بعد زلزال 6 فبراير لانهاء عقدين من حكم الإسلاميين.

أنقرة – تتعالى أصوات المعارضة في تركيا محذرة الرئيس رجب طيب أردوغان من تأجيل الانتخابات بدعوى الانشغال بالكارثة وباحتمال نقل عشرات آلاف الأشخاص بعيدا عن مناطقهم التي دمرها الزلزال وهو ما يؤثر على الاقتراع عموما.

وقال زعيم حزب 'المستقبل' المعارض أحمد داود أوغلو من جهته، إنه لا يمكن إرجاء الانتخابات بسبب الزلزال المدمر الذي راح ضحيته أكثر من 35 ألف تركي.

واعتبر داود أوغلو وهو رئيس وزراء سابق وكان حليفا مقربا لأردوغان قبل ان ينشق عن حزب العدالة والتنمية، أن تأجيل الانتخابات يعني استمرار التيار الحالي بالسلطة لفترة أطول و"هو أكبر ظلم يمكن ارتكابه بحق الشعب التركي".

ولا تريد المعارضة التركية بمختلف ألوانها إضاعة هذه الفرصة التي تراها الأنسب لإنهاء حكم العدالة والتنمية عبر صناديق الاقتراع مستغلة حالة الغليان الشعبي وفقدان الأتراك الثقة في أردوغان وحزبه.

وتأجيل الانتخابات يعني إعطاء أردوغان فرصة لترميم الشروخ في حزبه وإاعادة ترتيب أوراقه واستقطاب صوت الناخب عبر إجراءات مالية واجتماعية.

وقال زعيم حزب المستقبل "في هذه الفترة العصيبة لا تفكروا بالانتخابات. سيتم عقدها عندما يحين الموعد. عليكم الآن أن تشعروا بالألم، لكن أنتم والمقربون منكم والدوائر المحيطة بكم تتحدثون بشكل مباشرة عن سيناريوهات إرجاء الانتخابات. لا تفعلوا هذا".

وحذر في المقابل من اي خطوة قد تتخذها هيئة الانتخابات بأن تقرر بدفع من أردوغان لتأجيل الانتخابات، معتبرا أن اي خطوة من هذا النوع ستعتبر انقلابا مدنيا وانتهاكا للقواعد الدستورية.

وعزف داود أوغلو بدوره على الوتر الحساس في غمرة الغضب الشعبي من الاستجابة الضعيفة للحكومة مع الكارثة، داعيا الأتراك إلى أن لا يفكروا كثيرا في الانتخابات وأن يلتفتوا في الوقت الراهن إلى ممارسة أعمالهم وإلى تقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال.

وقال "السلطة الحالية قد تفكر في استغلال الزلزال ضمن حسابات قصيرة المدى بل وقد تنفذ انقلابا مدنيا على الديمقراطية لأجل هذا، لكن اعلموا أننا حاضرون. سنحافظ على الدولة والديمقراطية وسنعمل ليلا ونهارا لرفع هذه الغمة عن الشعب".

وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو قد شدد أمس الأربعاء على ضرورة عدم تأجيل الانتخابات وهو واحد من المعارضين الذي قد يكون خيار تحالف طاولة الستة الذي كان يميل لترشيح أكرم إمام أوغلو، لكن حكما قضائيا ابعد الأخير عن ممارسة السياسية وحرمه من الترشح للانتخابات ولا يزال يقاوم هذا الإقصاء من خلال الطعن في الحكم، إلا أن المسار القضائي قد يكون طويلا.   

وتشير تصريحات قادة أحزاب المعارضة التركية وخاصة قادة تحالف 'طاولة الستة' وتلميحات من مسؤولين حكوميين إلى معركة مفتوحة حول إجراء الانتخابات في موعدها أو إرجائها، فالشق الأول كثف في الفترة الأخيرة من التحذير من تأجيل الانتخابات، بينما يطلق الشق الثاني إشارات التأجيل وبشكل مكثف، في حين تبدو المسألة مرتبطة بمشهد جديد رسمه الزلزال المدمر والذي من المتوقع أن تؤثر نتائجه على حظوظ الطرفين.

ويبدو حزب العدالة والتنمية الحاكم في ورطة حقيقية لا تنفع معها الصور والفيديوهات التجميلية التي تشتغل عليها وسائل الإعلام المقربة من النظام لتحسين وتلميع صورة الرئيس رجب طيب أردوغان.

الرئيس التركي الذي زار أكثر من منطقة منكوبة وأطلق الكثير من الوعود وبدا عليه التأثر بشكل كبير وهو يواسي ضحايا الزلزال يدرك جيدا أن صورته اهتزت بشدة على وقع الهزات الزلزالية وآلاف قبروا تحت الأنقاض وكان يمكن إنقاذهم لو كان التدخل الحكومي سريعا ولو لم يكن مستوى الاستجابة للتعامل مع الكارثة كارثيا.

وهذا الاستنتاج لم يأت على لسان المعارضة لوحدها فقد سبق للناجين من الزلزال أن اشتكوا وبحرقة تأخر التدخل الحكومي على جميع المستويات سواء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح أو لجهة مساعدات الإغاثة من ماء ودواء وغذاء وخيم، فقد ظل آلاف يبيتون في السيارات أو يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في طقس نزلت معه درجة الحرارة إلى ما دون الصفر.

وتحت الأنقاض ظلت عائلات بأكملها تصرخ وما من مجيب فلا أحد من الموجودين من السكان كان بمقدوره فعل شيء في ظل غياب الجرافات وأدوات التدخل لانتشال المستندين عبثا ممن خفتت أصواتهم تدريجيا إلى أن صمتوا نهائيا.

والحرقة كانت أكبر لكثيرين يسمعون صرخات ذويهم: أبناء وأمهات وزوجات من دون أن يملكوا القدرة على مساعدتهم في غياب تدخل عاجل في المناطق الأكثر تضررا وبعضها ظل لأكثر من يوم ينتظر المدد.

وهذا جزء من المشهد وحتما سيرتد تصويتا عقابيا في مراكز الاقتراع إن كتب لها أن تفتح أبوابها في الموعد الذي حدده أردوغان في مايو القادم.

والواضح أنه ليس من مصلحة حزب العدالة والتنمية أن يغامر في ظل غضب شعبي ومعارضة تبدو قوية رغم اختلافاتها، تحاول استثمار حالة الاحتقان لإنهاء عقدين من حكم الإسلاميين.